أوّلا : تصميم. يمثّل يش وحدة مدهشة وبنية مرتّبة رغم تنوّع المواد. يروي القسم الاول (ف 1-12) احتلال كنعان بيد الاسرائيليين الذين يقودهم يشوع. والمقدمة التي فيها يشجِّع الله يشوع ويعده بعونه في احتلال الارض (1 :1-9)، تعبِّر عن موضوع الكتاب الرئيسي : الامانة للشريعة هي الشرط الجوهري للنجاح. نال يشوع الشجاعة من الرب، فأمر الشعبَ بالاستعداد للانطلاق (1 :10-18)، وأرسل الجواسيس إلى اريحا (ف 2). بدا عبور الاردن تطوافًا ليتورجيا إلى معبد الارض الموعودة (3 :1-5 :1). وضمّ كلَّ المشاركين بالوقت نفسه إلى شعب الله، لهذا نالوا علامة العهد التي هي الختان (5 :2-9)، واحتفلوا بالفصح (5 :10-12) الذي هو التتمة والذي هو امتداد لفصح خر 12. بعد هذا، قادت معركةُ أريحا (ف 6) والعاي (7 :1-8 :29) القارئ إلى ذروة الكتاب : اعلان احتفالي للشريعة بين عيبال وجرزيم حسب تث 11 :28ي؛ 27 :2-8 وهي نصوص تربط احتلال الارض احتلالا سلميا بممارسة هذه الشريعة. والاتفاق مع الجبعونيين (ف 9) والانتصار على حلف الجنوب ومعجزة الشمس (10 :1-19) واحتلال الجنوب (10 :20-43) الذي يرتبط بهذا الانتصار، وأخيرا الانتصار على المتحالفين في الشمال (11 :1-15)، كل هذا أخضع جميع أرض كنعان لسلطة اسرائيل. وتأتي لمحةٌ سريعة عن الأعمال الحربية (11 :16-23)، ولائحةٌ بالملوك المهزومين فتنهي هذا القسم الاول. يروي القسم الثاني (13 :1-21 :42) اقتسام الارض بين قبائل شرقي الاردن (ف 13) وقبائل غربي الاردن (ف 14-19). وينتهي بلائحة مدن الملجأ والمدن الكهنوتية (20 :1-21 :42). ويبدأ القسم الثالث (21 :43-24 :33) ببعض آيات (21 :43-45) تلاحظ أن كل أرض الموعد قد احتُلَّت وصارت مُلك اسرائيل. لهذا تستطيع قبائل شرقي الاردن أن تعود إلى ديارها. ولكن قبل هذا، سيحرضّهم يشوع مرة أخرى على أن يكونوا أمناء للشريعة (22 :1-9). وانفصل رأوبين وجاد ونصف منسى عن اخوتهم، ففصل بينهم الاردن. ولكن كرِّس مذبح للرب ليدل على أن المجموعتين تشكّلان كتلة واحدة (22 :10-34). وتتوسّع الخطبة الوداعية (ف 23) وتقرير اجتماع شكيم (24 :1-28) في موضوع الكتاب الذي ينتهي بتلميح إلى مدافن آباء افرائيم : يوسف، يشوع، العازر. ثانيًا : الفن الادبي. (أ) لفت الشرّاح نظرنا إلى الطابع الايتيولوجي لعدد كبير من أخبار يش 2-9. فهذه الاخبار تستند إلى أشياء أو عادات طرحت في زمان المؤرخ (إلى هذا اليوم : 4 :9؛ 5 :9، 15؛ 7 :26؛ 8 :29؛ 9 :27؛ 10 :27) أسئلةً على الشعب وطلبت جوابا. ولكن هذا الطابع الايتيولوجي لا يحرم هذه الاخبار من قيمتها التاريخية. وإن لم تكن علاقة بين خاصية هذا المشهد أو هذه العادة وبين التفسير، فهذا الامر يمكن أن يكون واقعياً ووضعياً. إن الاطار الجغرافي لهذه الاخبار في يش 2-9 يدل على أصلها البنياميني. أولا : كانت أساطير عبادية حول معبد الجلجال، فصارت خبرا مشتركا لكل اسرائيل حين صار هذا المعبد في عهد شاول معبداً وطنياً، واجتذب إليه الحجّاج من كل مكان (1صم 10 :8؛ 11 :14ي؛ 13 :4، 7؛ 15 :12، 21، 23؛ عا 4 :4؛ 5 :5). (ب) إن الاخبار في ف 10 و 11 :1-9 لها طابع آخر. يمكننا أن نسمّيها أخبارا بطولية ونقابلها مع سفر القضاة. (ج) القسم الجغرافي (13 :1-21 :42). يريد هذا القسم أن يصوّر أرض كل قبيلة داخل أرض الموعد بدرجة متنوّعة من الدقة. يعطي الكاتب عن يهوذا صورة الحدود ولائحة مفصّلة بالمدن (15 :1-20)، وكذلك يفعل لبنيامين (18 :11-20، 21-28)، ويكتفي بصورة غامضة لحدود افرائيم ومنسى (16 :1-17 :13). وبالنسبة إلى قبائل الشمال، فهو يعطي إما صورة الحدود، وإما لائحة بالمدن أو مزيجا من الاثنين. ويكتفي بلائحة المدن لقبائل شرقي الاردن. (د) والفصول الاخيرة. ينتمي ف 23 (اسلوب كله اشتراعي) إلى فن الخطبة الوداعية. إن 24 :1-28 هو تقرير عن عهد شكيم الذي يتحدّث عنه أيضاً 8 :30-35 فيذكر من جديد عهد سيناء (خر 19). ثالثا : جذور الكتاب. في الماضي نُسب يش إلى يشوع. هذا ما قاله التلمود وعدد كبير من آباء الكنيسة وبعض الكتّاب. استندوا إلى سي 46 :1 (يعني في العبرية غير ما يعني في اليونانية)، إلى صيغة المتكلم الجمع (نحن) في 5 :1 (ولكن القراءة تدل على الغائب) و 5 :6 (كل الناس يتكلمون هكذا) وإلى 24 :26 (لا تعني يشوع بل ملحقا لكتاب شريعة الله أي البنتاتوكس وبالاخص تثنية : رج تث 28 :61؛ 29 :20؛ 30 :10؛ 31 :26؛ يش 1 :8). بالاضافة إلى النصوص التي تتكلّم عن موت يشوع (24 :29-33)، وذكر احتلال لايش (19 :4؛ رج قض 18 :27)، وضياع يائير (يش 13 :30؛ رج قض 10 :4)، فعبارة "إلى اليوم" التي تستعمل مراراً، تفترض أن الكاتب بعيد عن الاحداث. ثم إن المواد المختلفة، والانتقالات المصطنعة من مقطع إلى مقطع، تدل على أن يش جاء بعد بطله بوقت كثير. وقد حاول بعض الشرّاح أن يجدوا في يش المراجع (اليهوهية، الالوهيمية، الاشتراعية)، فاعتبروا أن البنتاتوكس يؤلّف مع يش كتابا واحداً هو الهكساتوكس. ولكن جاء من يهدم هذه النظرية ويعتبر يش جزءا من عمل تاريخي كبير بدأ مع سفر يشوع وانتهى مع الملوك. دوّنه بعد سنة 562 ق.م. (2مل 25 :27-30)، كاتبٌ تشرّب من روح سفر التثنية، فحكم على كل تاريخ اسرائيل على ضوء سفر التثنية (التاريخ الاشتراعي). استفاد المؤرِّخ الاشتراعي من أخبار إيتيولوجية وأساطير ملحمية وتقاليد قديمة عن حلقة شكيم ولوائح جغرافية. جُمعت الاخبار الايتيولوجية حوالي سنة 900 ق.م.، لأن الكاتب يجعل إعادة بناء أريحا في أيام أخاب (1مل 16 :34). أما ذكر حريق حاصور (يش 11 :10-15) التي اعاد بناءها سليمان، فكان لا يزال حيا. ثم إن الكاتب يجهل أنه كان في العايّ في القرن العاشر مستوطنة اسرائيلية. وأخيرا في 11 :6 (الجبل منطقة يهوذا الجبلية مقابل جبل اسرائيل، رج آ21 الذي ليس في مكانه)، نجد يد رجل من يهوذا تعود على فكرة انفصال المملكتين. يظهر أن تصوير الحدود في القسم الجغرافي سابق للوقت الذي فيه خلق داود دولته الكبيرة. أما لائحة مدن يهوذا، فتعود إلى زمن يوشيا.