1) تحديد. نهاية العالم أو اسكاتولوجيا (اسكاتون، النهاية. ولوغوس، تعليم) تعني كل ما يتعلّق بنهاية الانسان الفردي وبنهاية البشريّة. اعتُبرت الاسكاتولوجيا (المعاديّة) زمنًا طويلاً، آخرَ فصول اللاهوت العقائدي. ولكن منذ بداية هذا القرن، بدأت الاوساط البروتستانتيّة ترى العقيدة كلها، ولا سيّمـا عقيدة الكنيسة، على ضوء نهاية العالم. وسار الكاثوليك في هذا الخطّ عينه. يفهم اللاهوتُ الكتابي المعاديّة : تعليم الكنيسة حول العواقب الأخيرة. ولكن اختلف الشرّاح حول المعنى الدقيق للفظة "اسكاتولوجيا". يظنّ عدد كبير من المؤوّلين أن الاسكاتولوجيا تعني أفكارًا حول المصير النهائيّ للفرد، وحول نهاية العالم. ولكن آخرين حصروا الكلمة في تعاليم ترتبط بنهاية العالم وتجديده. مهما يكن التحديد الذي نأخذ به في البيبليا، يجب أن نميّز تعاليم تعني الفرد، والجماعة، والعالم. تستعمل البيبليا في عدد من الحالات (عد 23 :10؛ أي 8 :7؛ مز 49 :14؛ 73 :17؛ إر 17 :11) لفظة "آخرة" (ا ح ر ي ت في العبريّة)، التي صارت في اليونانيّة السبعينية : "اسكاتا" التي تدلّ على مصير الفرد. وبالنسبة إلى الجماعة، هناك اسكاتولوجيا وطنيّة، موضوعها مستقبل الشعب المختار. واسكاتولوجيا كونيّة تهتم بمصير البشريّة كلها. تفترق النظرات من جديد على هذا المستوى : بين اسكاتولوجيا وطنيّة تتطلّع إلى انتصار إلهي يتوّج التاريخ بتمجيد اسرائيل فوق جميع الأمم. واسكاتولوجيا فوق أرضيّة أو متسامية. هذه الأخيرة هي الاسكاتولوجيا في المعنى الحصريّ، وهي تتميّز بنظرة ثنائيّة إلى التاريخ : هي تعالج نهاية الزمن الحاضر الذي يدشِّن زمن الخلاص الجديد والنهائي. وهذا الخلاص يرافقه تحوّلٌ تام، وتجديد كامل للكون، فيستبعد كل شرّ وكل ألم وعذاب، وكل ما هو عابر. 2) أصل اللفظة. لن نبحث عن أصل الاسكاتولوجيا البيبليّة في نظرة خطوطيّة إلى الزمن، تقود بني اسرائيل بشكل طبيعيّ إلى تصوّر التاريخ بشكل مسيرة تنطلق من الخلق لتصل إلى نهاية العالم. بل نظرتهم إلى الزمن متشعّبة. قد تكون خطوطية أو دائريّة، وليس هناك من نظرة عبرانية (أو يونانية) واحدة تستنفد الزمن. إذن، يجب أن يكون أساسٌ آخر للطابع اللاهوتي لنظرتهم إلى التاريخ. وبحث آخرون في الميتولوجيا الشرقيّة التي تمثّل دوام العالم مثل سنة كونيّة تحدّدها دورة تامة من نقاط متقابلة. وتعيد مسيرة هذه السنة الكونية (بعد قلاقل شاملة) أزمنة البدايات حيث تصبح الأرض من جديد مقام الآلهة. وهكذا يعود العهد الفردوسي. ونتيجة هذا الطرح هو أن الاسكاتولوجيا الشاملة أقدم من الاسكاتولوجيا الوطنيّة. ويكون أن الأنبياء حجّموا الآمال القديمة وطبّقوا على اسرائيل ما كان في الاصل للعالم كله. ولكن جاء من يبيّن أننا لا نجد عند البابلونيين ولا عند المصريين أثرًا لإسكاتولوجيا حقيقيّة، ولا لكارثة كونيّة تصدر بالضرورة من نواميس الطبيعة بعد حقبة محدّدة. عرف العالم الفارسيّ بلا شكّ آمالاً اسكاتولوجيّة. ولكن لا يُعقل أن يكون شعب اسرائيل اتصل بهذا التعليم قبل زمن المنفى. ثم إن أسبقية الاسكاتولوجيا الكونيّة على الاسكاتولوجيا الوطنية، لا توافق شهادة نصوص الكتاب. فالآمال المتعلّقة بالكون كله هي متأخّرة. اذن، يجب أن نقول إن الاسكاتولوجيا الشاملة وُلدت من الاسكاتولوجيا الوطنيّة. هي تنتج من وعي متدرّج يقول إن يهوه الاله الخلقي، هو الاله الواحد الذي يفرض بقوّة على الشعوب إحترامَ الناموس الطبيعي. وبحثت مدرسة أخرى عن أصل اسكاتولوجيا اسرائيل في النظرة إلى الله، الكائن الحيّ، الذي نعرف متطلّباته الخلقيّة، كما نعرف أنه سيّد الماضي والمستقبل. فكما فعل يهوه في اسرائيل سيفعل في المستقبل مع جميع الشعوب ليجعل العدالة تنتصر. وجاء في خطّ هذا الطرح، طرحٌ يعتبر أن الاسكاتولوجيا وُلدت من العيد السنوي، عيد إجلاس الرب على عرشه، بقدر ما يقول بأن الايمان بالرب هو الذي ينتصر على التعارض بين موضوع العيد العظيم وخبرة الحاضر المرّة، فيوجّه الانتظار نحو تدخّل الله لكي يعوّض النقص في المستقبل. لا شكّ في أن هذا الايمان بالله كان له تأثير كبير حول توسع الاسكاتولوجيا الاسرائيلية. فهي تتضمّن بطابعها التاريخي، اليقين بأن اسرائيل معدّ لكي يعيش أحداثًا هامة وأخيرة ونهائيّة. أن يكون اسرائيل امتلك هذا اليقين (رج الاختيار )، فهذا ما يبرهن عنه العهد القديم. فهو يعبّر عنه في بركة نوح (تك 9 :25-27) ودعوة ابراهيم (تك 12 :1-3؛ رج 13 :14-17) وتقاليد سيناء وكتب الأنبياء والمزامير. وبقوّة هذا الوعي الذي أعطاه الله، وهو وعيٌ تنقّى وتعمّق وتوسّع، احتلّت القبائل العبرانيّة أرض الموعد واعتبرتها عربون سعادة أعظم. وبعد داود، تصوّروا هذه السعادة بشكل مملكة مثاليّة. انتصر مسبيّو بابل انتصارًا روحيًا على دمار الأمة، واعتقدوا ببناء جديد لجماعة تيوقراطيّة يُدعى إليه جميعُ الشعوب، كما قال أشعيا الثاني وأشعيا الثالث. ولكن حين خاب أمل العائدين حول السعادة التي وعدت بها عمليّةُ البناء، اعتبروا هذه السعادة عطيّة من السماء. وأخيرًا، تثبّّتت الكنيسة الفتية في آمالها بقيامة مسيحها. ولكن خاب أملها بعض الوقت لتأخر المجيء الثاني (باروسيا)، فاعتبرت أنها مدعوّة لأن تعيش "حياة مستترة مع المسيح في الله" (كو 3 :3). إذن، الموضوع العميق لاسكاتولوجيا اسرائيل هو بلا شكّ وعي دعوته واختياره. فقد عبّر اسرائيل خلال تاريخه الطويل عن أمله بأشكال متعدّدة. فلا ندهش أن يكون استعمل صيغًا اخذها من الميتولوجيا والفولكلور (موضوع الفردوس، السلام بين الحيوانات، خصب عجيب...). والوعي بأنه نال دعوة خاصة، حمل أجمل ثماره في نظرة إلى التاريخ (حسب التقليد اليهوهي والكهنوتي) ترسم خطاً واحدًا من الخلق إلى نهاية الأزمنة. إن هذه النظرة إلى التاريخ بحثت عن سبب اختيار اسرائيل في خسارة السعادة الأولى منذ خطيئة الانسان الأول. اسرائيل هو الاداة التي بها يردّ الله إلى البشرية هذه السعادة الأولى (رج تك 3 :15؛ 12 :3). 3) تطوّر الاسكاتولوجيا. ^ أولاً : العهد القديم. (أ) بركة يعقوب ونبوءة بلعام. إن أقدم شهادة عن رجاء اسرائيل بالمستقبل، تك 49 :8-12 الذي هو نشيد قديم عن يهوذا، نشيد كُتب أو قيل قبل الحقبة الملوكيّة القديمة. تفترض آ8 سيطرة يهوذا على جميع القبائل،وهذا عمل داود (تجاه تث 33 :7 حيث نرى الانقسام بين المملكتين قد تمَّ). أما آ10-12 فترينا ملكًا أعظم من داود (حز 21 :32 قد فهم أيضاً هذا القول الغامض في هذا المعنى). مجيئه يدشّن حالة فردوسيّة لا يمكن أن تكون بالنسبة إلى الشاعر سوى حلم مستقبليّ. وقد تلوّن هذا الرجاء المستقبليّ بروح وطنيّة (مملكة يهوذا الشاملة). إذن، ليس الموضوع نهاية العالم. ونقول الشيء عينه عن نبوءة بلعام الذي هو قديم قدم بركة يعقوب (عد 24 :15-19). سيأتي مدوِّن في وقت متأخّر، ويدرج هاتين القطعتين (تك، عد) مع ملاحظة تقول إنهما تعنيان مصير اسرائيل "في نهاية الأزمنة" (ب. ا ح ر ت. هـ. ي م ي م). وبما أن وضع اسرائيل حسب تك 49 :2-27 وعد 24 :15-19 يوافق في خطوطه الكبرى وضع الحقبة الملوكيّة القديمة، نستطيع أن نستخلص أن الصيغة الأصليّة كانت تعظّم أولى نجاحات الملكيّة في أورشليم. وُضع القول في فم بلعام فاعتُبر نبوءة ينطلق من الحدث. وحين استعمل المدوّن فيـما بعد هذه العبارات التي صارت مشهورة والتي حرّكت حنينًا إلى الماضي، لا حماساً للمستقبل، جعل منها وصفًا لنهاية الأزمنة. في الواقع، توخّى الكاتب الملهم بدايات الملكيّة، وما سمّاها "نهاية الأزمنة" إلاّ في منظار يعقوب أو بلعام. ولكنها كانت بعدُ في مستقبل بعيد. فالتعبير العبريّ يعني حرفيا : "في الجزء اللاحق من الأيام، في الآتي من الأيام، في الزمن الذي بعد هذا الزمن" أي في المستقبل. وهذا ما يثبته معنى العبارة عينها في اللغة الأكاديّة (إنا احرت أومي، في المستقبل). ثم يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الطريقة الاسرائيلية في التفكير : التعارض، لا التدرّج المتصاعد مع طابع نسبيّ للأشياء. وبما أن اللغة العبريّة لا تملك سوى مفردة واحدة لتقول "بعد ذلك"، "في النهاية"، فلا نعجب إن كان الكاتب الملهم لم يميّز بين المستقبل التاريخي ونهاية الأزمنة بحصر المعنى. (ب) انبياء المنفى وقبل المنفى. دشّن أنبياء القرن 8-6 حقبة جديدة في تاريخ الاسكاتولوجيا الاسرائيلية. تأثّر عاموس بالانحطاط الخلقيّ العميق في اسرائيل، الذي وعى اختياره ولكنه عاش في اطمئنان كاذب. فأعلن للشعب أن هذا الاختيار سيكون السبب الذي لأجله يعاقب الربّ شعبه (عا 3 :2). فيومُ الرب لن يكون نورًا بل ظلمة (5 :18). وهدّد هوشع وأشعيا الشعب بالخراب. وراح إش 2 :9-21 أبعد من ذلك. كان عاموس قد أنبأ بالشقاء لاسرائيل والشعوب المجاورة (1 :3-2 :3). أما في نظر أش فالبشرية كلها، المتكبّرة والشريرة، ستكون موضوع غضب الرب (اسكاتولوجيا مسكونيّة). واستعاد صف 1 :2-3، 14-18؛ 3 :8 فكرة دينونة عامة (رج إر 25 :30-38). وحذّر إرميا من العدوّ الآتي من الشمال، ولكن عبثًا : فسيكون شاهدًا لدمار شعبه. غير أن هذا الدمار ليس نهائيًا ولا تامًا. فقد أعلن إرميا، في أحلك أوقات حياته، إيمانه باعادة بناء مقبل (31 :23-26؛ 32 :33). "في نهاية الأيام" سيفهم الشعب مدلول عقاب يهوه (23 :19-20) ويعود إليه (رج تث 4 :30-31). حينئذ يحوّله الربّ من الداخل ويعطيه قلبًا جديدًا. وبعد ذلك، يَعقد معه عهدًا على أساس جديد وأبديّ (إر 31 :31-34). وتحدّث حز 36 :26؛ 37 :26-28 أيضاً عن هذا القلب الجديد وهذا العهد الجديد. وفي رؤية عودة الحياة إلى العظام اليابسة، رأى رمز قيامة وطنيّة لشعب خاضع تائه (37 :1-14). كان عا 5 :15 قد أمل بأن الرب سيرحم "بيت يوسف"، وهو أمل عبّر عنه بوضوح هو 2 :1-3، 16-25. وحين احتلّ الأشوريّون الجليل، عزّى أشعيا القبائل المقهورة، فأعلن أن نورًا ساطعًا سيبدّد الظلمة في المستقبل (8 :23-9 :4). فإيمانه بوعد الله تجاه سلالة داود، لا يتزعزع. وإن كان ملوك لاجديرون نجسّوا عرش داود، فسيأتي قريبًا فرعٌ عجائبيّ (عمانوئيل)، فيعيد بناء المملكة القديمة ويقيم زمن سلام أبديّ (7 :14-15؛ 9 :5-6؛ رج إر 23 :4-6؛ 33 :14-17). وتحدث عا 9 :11-12 أيضاً عن هذا المجد الجديد الذي سيكون لبيت يهوذا الملكيّ. غير أن حزقيال تخلّى عن الملكية في الملكوت العتيد الذي نظر إليه بشكل تيوقراطية يكون الهيكل مركزَها (مز 40-48). ويحتلّ نسل داود المركز الهام، ولكنه لا يكون ملكًا بل رئيسًا وأميرًا (34 :23-31؛ 37 :24؛ 44 :3؛ 45 :7-12؛ 46 :2). وكان حزقيال قد ظلّ يأمل بأن مملكة الشمال ستنضمّ إلى مملكة الجنوب، مملكة يهوذا (37 :15-28، 48 : 8ي رج إر 30 :3-21؛ 31 :17، 20، 22، 27-28). في هذه الحقبة الثانية، توسّعت فكرة التجديد لاسرائيل الذي سيُبنى من جديد ببقايا شعب مشتّت، ويتميّز بالبرّ (إش 1 :26-28) والقداسة (إش 4 :2-3). ويكون المركزَ الديني لجميع الشعوب (إش 2 :2-5 مي 4 :1-3؛ إر 12 :14-17). (ج) انبياء ما بعد المنفى. دشّن أشعيا الثاني حقبة التتمّة : إن منفى بابل قد كفّر الخطيئة : والبناء الموعود به صار قريبًا. وشدّد بقوّة على أن هذا البناء الذي بدأ بالعودة من بابلونية، ليس حدثًا تاريخيًا محضًا. هو شيء جديد (إش 42 :9؛ 43 :19؛ 48 :6). هو خلق جديد (رج فعل "ب ر ا"، برأ، خلق، 41 :20؛ 43 :7؛ 45 :8...). هو خروج جديد يتفوّق على الخروج الأول (43 :16-21؛ 48 :20-21؛ 49 :9-13؛ 51 :9-10). لقد تحنّن الرب على المنفيّين. ولهم يحوّل الصحراء إلى فردوس (41 :17-20). فيشاركون في السعادة الأبديّة، لأن الرب نفسه هو معزّيهم (51 :11-13). سيكون الرب ملكًا في أورشليم (52 :7)، وجميع الشعوب يسجدون أمامه (45 :14-16، 23-24). واهتداء الوثنيين هو ثمرة الألم التكفيريّ لنخبة الشعب المختار التي تجسَّدت في صورة عبد يهوه السرّية. استعاد دا هذه الفكرة وطبّقها على استشهاد الحكماء(دا 11 :33؛ 12 :3). ولكنها لن تتحقّق إلا في العهد الجديد بالموت التكفيري الذي يقاسيه زهرة الأمة اليهودية، يسوع الناصريّ. هناك آمال حيّة جدًا تميّز أيضاً كتابات حجاي (2 :6-9، 20-23) وزكريا (2 :15-17؛ 8 :20-23). وفتح زكريا أمام الكهنوت منظورًا مجيدًا (3 :1-7)، فرأى تحقيق الآمال المسيحانيّة في شخص زربابل (4 :6-9؛ رج 3 :8-10؛ 4 :1-14؛ رج أيضاً ملا 2 :17-3 :5). (د) العالم الجلياني، عالم الرؤى. إن التأخّر في تتمّة هذه المواعيد، حرّك في النهاية ردّة فعل كشفت عن نفسها في أشعيا الثالث : لا يمكن أن يكون الخلاص الاسكاتولوجيّ من هذا العالم. ونسمع للمرة الأول :موضوع السماوات الجديدة والأرض الجديدة (65 :17؛ 66 :22). وانتظرت رؤيا أشعيا (ف 24-27) هذا التجديد بعد كارثة كونيّة (24 :21-23). وقد حدّد حز موقعها بعد هجوم جوج (رج يوء 2 :20؛ زك 14). ونقلُ هذه الآمال إلى عالم آخر، يميّز الاسكاتولوجيا الجليانيّة ولا سيّمـا سفر دانيال. فبجانب صيغ قديمة، اتّخذت الاسكاتولوجيات المتسامية أهميّة متزايدة. ففي نظر دا 7، نزل ملكوت الخلاص من السماء. وسبق تأسيسَ هذا الملكوت قيامةُ الشهداء الذين ماتوا في سبيل الايمان. ودلّت لغة الكاتب أن هناك تواصلاً بين هذا الملكوت والزمن الحاضر. وتوافق مُلك الوحش الرابع مع "زمن النهاية" (دا 8 :7؛ 11 :35، 40؛ 12 :4، 9). وتحدّث دا 9 :26؛ 11 :27؛ 12 :13 عن "النهاية" (أو : الانقضاء). هذه الحقبة الأخيرة التي سمّاها الرابينيون والعهد الجديد ومنحولات العهد القديم، "هذا الزمن الشرير"، ترادفت في دا 10 :14 مع الاسم التقليدي، "نهاية الأيام". ساعة تحدّث الأنبياء بشكل عام عن بناء مجيد لأورشليم الأرضيّة، حلم أهل الجليان بأورشليم سماوية يشيّدها الله، فتنزل من السماء في بداية العصر الجديد لتصبح موضع إقامة الأبرار (1أخن 53 :6؛ 90 :28-32؛ روءبا سريانية 4 :2-6؛ 4 عز 7 :26؛ 10 :27، 54-55؛ 13 :6، 36). نجد هذه الفكرة في رؤ 21 :2-22 :5 (رج غل 4 :26؛ عب 12 :22). حسب صعود موسى (10) يُرفع اسرائيلُ الاسكاتولوجيّ إلى السماء (1 أخن 410 :1-6). ونجد أيضاً موضوع تحوّل الكون في 1أخن 54 :4-5؛ 72 :1؛ 90 :14-16؛ 4 عز 7 :31؛ 8 :52-54؛ يوب 1 :9-2؛ صعود موسى 10 :6. كل هذا ساعد على إبراز التمييز بين هذا الدهر والدهر الآتي. ولكن يستحيل آنذاك كل تماهٍ للدهر الآتي مع صورة قديمة مأخوذة من عالم الانبياء عن زمن الخلاص، صورة ترتبط بهذه الأرض وبهذه الأمّة. ولكن حاول بعضُهم أن يمزج بين هاتين الاسكاتولوجيتين : الدينونة العامة ودمار الكون، يتبعهما خلقُ سماوات جديدة وأرض جديدة حيث يملك الله وحده. كل هذا يسبقه زمنُ خلاص ينتمي إلى التدبير الحاضر في ملك المسيح (ألف سنة في منحولات العهد القديم وفي التلمود). ويتدشّن هذا الزمن المسيحانيّ "بآلام المسيح"، وخضوع جميع الأعداء، وقيامة الاتقياء لكي يشاركوا المسيح في فرحه. سيدوم هذا الملكوت المسيحاني 400 سنة حسب 4 عز 7 :28-29. 33000 سنة حسب 2أخن. وكانت أرقام الرابينيين مختلفة : من 40000 سنة إلى 365000. بعد هذه الحقبة، يموت المسيح (ويقول آخرون : يُخطف إلى السماء) وتموت معه البشريّة المسيحانية. عندئذ تحصل القيامة العامة، والدينونة التي ترسل الأشرار إلى العذاب الابدي والأبرار إلى سعادة لا نهاية لها. إذن، يقوم الأخيار مرتين. هنا نتذكّر الالفانية. ثانيًا : العهد الجديد. (أ) الأناجيل الازائية. يرى العهد الجديد أن يسوع الناصريّ يُتمّ التاريخَ. معه وصل الزمن التاريخيّ إلى نقطته الأخيرة. وملكوت الله الاسكاتولوجيّ قد حلّ (مت 3 :2؛ مر 1 :5...). تحدّث عنه يوحنا المعمدان على أنه ديّان نهاية الأزمنة (مت 3 :10، 12؛ 3 :9، 17). واستعاد يسوع نفسه كلمات دا 7 :13، فأعلن أمام قيافا أنه سيظهر قريبًا على غمام السماء (مت 26 :64وز). نقرّب هذا الاعلان من الخطبة النهيويّة (مت 24؛ مر 13؛ لو 21 :5-36) : ظهور ابن الانسان ترافقه انقلابات كونيّة، وردت في مت 24 :4-29 في سياق بعد دمار أورشليم (لا يؤكد مر 13 :24 ذلك). تعاقبُ الأحداث هو في الواقع تزامن. وقد يكون حدثٌ رمزًا إلى حدثٍ آخر. وأقحم لو 21 :24، على ضوء الاحداث، "زمن الوثنيين" بين دمار أورشليم والمجيء الثاني. هذا الظهور يصل إلى ذروته في تجمّع المختارين حيث يرى مت 25 :31-46 الدينونة الأخيرة التي تقرّر مصير الشعوب الابدي والنهائيّ. لا تتحدّث الرؤيا الازائيّة عن قيامة الموتى. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن بولس لم يفعل أيضاً في كرازته الأول في تسالونيكي. ولكن مات بعض مؤمني هذه الكنيسة، فطرح موتُهم سؤالاً تعليمياً على المهتدين الجدد (1تس 4 :11-18) : فكمّل بولس تعليمه عن المجيء بكلام حول قيامة الأجساد. إذن، يبدو أن العرض التقليديّ حول المجيء ما كان يتضمّن هذه النقطة الأخيرة، ولا سيّمـا أنهم كان ينتظرون المجيء قريبًا. وربط 2بط 3 :10-13 بالمجيء الذي هو مرادف ليوم الرب، دمارَ السماء والأرض بالنار (رج مت 3 :11؛ عماد النار ) من أجل سماء جديدة وأرض جديد حيث يملك البرّ. (ب) الانجيل الرابع. مع أن عددًا من العوامل دلّت على أن نهاية الأزمنة قد حصلت (أع 2 :16-2؛ 1كور 10 :11؛ 1بط 4 :7؛ 1يو 2 :18)، فالنهاية المتوقَّعة كانت موضوع انتظار، كما كان الوضع خلال حقبة الهيكل الثاني في العهد الجديد. وهذا الدهر ظلّ يتابع مسيرته دون أن يستطيع أحد أو شيء أن يوقفه (2بط 3 :3-4). كل هذا حرّك تفكيرًا متنبّهًا وتقييمًا جديدًا لكل ما جاء به يسوع، في انجيل يوحنا. فالحياة الأبديّة خير حاضر منذ الآن. من يؤمن بالمسيح لا يخضع للدينونة، بل قد انتقل من الموت إلى "الحياة" (5 :24؛ 6 :40، 47؛ 8 :51). وصحّح 11 :24-26 اعتراف مريم بالقيامة "في اليوم الأخير" بإعلان قال فيه يسوع إنه القيامة. وبما أنه كذلك فهو يمنح منذ الآن الخلود لكل من يؤمن به (رج 5 :25). ومجيء المسيح جاء قبل النهاية : فالمسيح "يعود" ساعة ينتزع مؤمنيه من هذا الدهر ليقودهم إلى "المسكن" حيث هو نفسه (يو 14 :3، 19). عودته هي ابيفانيا وظهور (14 :21، 23). وحسب 16 :16-24، هذه العودة السريعة التي وعد بها المسيح، يجب أن تُفهم بشكل روحي : هي لقاء أبدي معه، بعد آلام قصيرة في هذه الحياة (16 :22). غير أن هذه النظرة لا تستبعد القول بأن الله يضع حدًا للتاريخ في الوقت المحدّد. وتحدّث يوحنا مرارًا عن "اليوم الأخير" الذي فيه يقيم يسوع الموتى ويدين أولئك الذين لم يقبلوا كلمته (6 :39-40، 44؛ 11 :24؛ 12 :48). (ج) الرسائل البولسية. حين نرى كيف تحدّث بولس عن الدهر، نكتشف بين الرسائل الأولى، ورسائل الأسر تطورًا هامًا، يعبَّر عنه في الأهميّة الحاليّة للكنيسة كموضع خلاص (ق أف 2 :5؛ كو 2 :2؛ 3 :1-2 مع رو 8 :24). نشير هنا إلى أن هناك جدالاً حول ارتباط كو وأف ببولس الرسول. (د) سفر الرؤيا. نجد في رؤ نظرات مشابهة،ولكنها دخلت في رسمة عُرفت في 4 عز، تجعل نهاية الأزمنة تسبقها حقبةٌ مسيحانيّة طويلة أو قصيرة. فمُلك ألف سنة الذي تسبقه "آلام المسيح" والقيامة الأولى، هو رمز إلى الانطلاقة الأولى للكنيسة مع الاضطهادات الرومانيّة الدامية (20 :1-6). ويبيّن هذا السفر في الوقت عينه أن هذه الحقبة التي لا تنتهي إلاّ مع نهاية الأزمنة (20 :11-22 :5)، يمكن أن تكون طويلة جدًا. وتفترض 1كور 15 :24-28 النظرة عينها إلى ملك المسيح الذي يسبق نهاية الأزمنة : فبعد أن ينتصر المسيح على عدوّه الأخير (الموت) يسلّم الملك إلى أبيه "فيكون الله كلاً في الكل".