يسمّى اليوم : الكنيس. في اليونانية "سيناغوغي" وهو ترجمة العبرية "بيت كنست". كنش في السريانيّة جمع. المجمع هو مؤسّسة دينيّة مركزيّة في العالم اليهودي، وهو موضع معدّ للصلاة العلنيّة وسائر النشاطات الدينيّة والجماعيّة. وقد كان النموذج الأول للعالم المسيحيّ (الكنيسة) والعالم الاسلامي (الجامع). إن لفظة مجمع (سيناغوغي) تدلّ في معنى أول على اجتماعات الصلاة التي تلهمها قراء ة التوراة. أما أصل هذه العادة فيبقى موضوع جدال. غير ان هناك اتفاقًا يرى أنها تعود إلى زمن بعيد، إلى زمن الكرازة النبويّة. ولكنها عرفت أول تنظيم لها خلال المنفى في بابل. وحين بدأ عزرا يعيد بناء الشعب، عقد "مجمعًا كبيرًا" لقراءة علنيّة للتوراة، خلالها جدّد تعلّقه بالعهد. ولكن لا شيء يشير إلى أنه منذ ذلك الوقت، وُجدت اجتماعات منظّمة في بناء خاص بهذا الاستعمال. فما يمكن قوله هو أن هذا النظام تكوّن بشكل تدريجيّ. فنجد في مصر "بيت صلاة" (بروسوخاي)، ولكننا لا نستطيع ان نجزم اننا أمام مجمع. قد نكون أمام مبنى يحلّ محلّ تمثال الملك حيث تمارس عبادة السلالة في نسخة يهوديّة. لا نريد ان نمزج بشكل كامل الحركة الفريسيّة مع المجمع. ولكن يبدو أن المجمع صار نظامًا ومؤسسة خلال الحقبة الحشمونيّة، في موازاة مع توسّع الاخلاقيّة الفريسيّة. ومهما يكن من أمر، فانعقاد اجتماعات منظمة نجده في زمن يسوع (لو 4 :16-27). والابنية المعدّة لهذا الاستعمال لم تكن تتميّز عن مساكن خاصة. ظلّت الشهادات الاركيولوجيّة السابقة للقرن الثالث ق.م. هزيلة : غير ان قاعة اجتماع غمالة قد تعود إلى زمن هرقانوس الثاني، وقاعة مصعدة إلى ما قبل زمن هيرودس. وقد عملت مجامع الشتات بشكل واسع على نشر المونوتاويّة (عبادة الله الواحد) بين الوثنيين (لو 7 :5). هناك مراجع متأخّرة مثل المدراش (يلتوت.شموني، القرن 13، خر 8-4) وأع 15 :21 ويوسيفوس (ضد ابيون 2 :175 ينسبون نظام المجمع إلى موسى. ولكننا أمام محاولة يتوسّلها الواعظ لكي يدلّ على قدم هذه العادة ويربطها بالمشترع الأول في العالم اليهودي. لقد دلّت التنقيبات على أن المجمع كان بناء مستطيلاً. يُقسم ثلاثة أجنحة يفصل بينها عواميد. وكان لكل جناح مدخل خاص به. وبما أن اليهود يتطلّعون إلى اورشليم للصلاة (دا 6 :10)، فقد جُهزّ المجمع بحيث تنظر الجماعة في هذه الاتجاه. أما الابواب (هذا ما نجده في كل مجامع الجليل) أو صدر الكنيس، فكان موجهًا نحو أورشليم. المجمع هو صورة مصغّرة عن الهيكل. ويعبّرون عن هذه الفكرة من خلال ترتيب المجمع : فالموضع الذي تحفظ فيه الاسفار المقدسة يسمّى القدس (الكتاب المقدس). كان يُقفل بستار او حجاب. والقسم الأكبر من البناء (الجزء الثاني) كان المجمعَ بحصر المعنى حيث يجتمع المؤمنون ( لا نجد قدس الاقداس كما في الهيكل، إذ لا وجود للكهنة ولا لرئيس الكهنة). ووُجد على طول الجدران مقاعد للمؤمنين (مت 23 :6). وفي الوسط، من جهة القدس، نجد مكانًا مرتفعا (بيما)، لرئيس الجماعة والقارئ. ويوجد في المجمع أيضا مصابيح وأبواق (تعلن رأس السنة، عيد روش هاشنه) وسجّاد. تتمّ الخدمة في المجمع يوم السبوت والأعياد. هذا في البداية. ثم زيدت بعض الأيام ولا سيّما أيام الصوم. يبدأون بتلاوة "شماع" (اسمع يا اسرائيل) ثم صلوات أخرى. بعد ذلك تأتي القراءة. أما كيف تنظّم كتاب القراءات بدقّة، فهذا يبقى مجهولاً بعض الجهل. كانوا يقرأون في ترتيب متواصل مقاطع من التوراة بالمعنى الحصري (فرشه او سدره). وتضاف مقاطع من الأنبياء مختارة في علاقتها مع توراة موسى (لو 4 :17؛ أع 13 :15). وبعد القراءة، العظة (أع 13 :15). بعد دمار الهيكل، وُزّعت القراءاتُ في دورة تمتدّ على ثلاث سنين. وقد استعمل يسوع وتلاميذه هذه القراءات ليعظوا اليهود المجتمعين في المجمع (مت 4 :23؛ لو 4 :44؛ أع 13 :5). وينتهي الاجتماع بالمباركة كما في عد 6 :24-26... هذا عن الليتورجيا. فماذا عن إدارة المجمع؟ في المواضع التي يقيم فيها سكان يهود فقط، تتسلم إدارة المجمع السطلة اليهوديّة المدنيّة. وحين يكون هناك مزيج من السكان، أو حيث يكون مجامع عديدة، يكون لكلّ مجمع إدارته الخاصة، المؤلفّة عادة من ثلاثة أشخاص. أما نحن فنذكر الرئيس (ارخيسيناغوغوس. مر 5 :35-38؛ لو 8 :49؛ أع 18 :8) الذي يوجّه الخدمة الليتورجيّة، ويسهر على النظام، ويعيّن القارئ والمتكلّم (أع 13 :15؛ لو 13 :14). ونذكر خادم المجمع (هيبيراتيس. في العبرية ح ز ن، الخازن). يحمل الأدراج (أو اللفائف) المقدسّة إلى القارئ، ويعيدها إلى مكانها (لو 4 :20)، ويطبّق عقاب الجلد (مت 10 :17؛ 23 :34)، ويعلن السبت بصوت البوق. أما الاستبعاد عن المجمع وبالتالي عن الجماعة اليهوديّة فيُعتبر عقابًا خطيرًا (لو 6 :22؛ يو 9 :22؛ 12 :42؛ 16 :8).