كتب بولس أقلّه 4 رسائل الى الكورنثيّين. بقي لنا منها رسالتان. وها نحن نتحدّث عن الرسالة الأولى. أولاً : 1كور هي أولاً جواب لعدد من الأسئلة طرحتها الجماعة على بولس(7 :1)، وردّة فعل على الأخبار التي وصلت إلى الرسول (1 :11). في النهاية تكلّم بولس عن مسألة عمليّة هي اللمة من أجل الفقراء في جماعة أورشليم (16 :1). أمّا الصعوبات التي قامت في كورنتوس، فمرجعها إلى أن الكنيسة دخلت في العالم الهلينيّ فوجب عليها أن تتكيّف معه. ويمكننا أن نلخّص المسائل في أربع نقاط. - الأولى : الغنوصيّة. رأى الكورنثيّون في المسيحيّة نظامًا فلسفيًّا يجعل الإنسان يتّصل بالله بواسطة المعرفة (غنوسيس). ولكن بولس المتأثّر بفشله في أثينة (أع 17)، لم يرجع إلى المعرفة البشريّة في كورنثوس (12 :1-4). لهذا لامه خصومه. فأجابهم الرسول أنه يكرز بسرّ الصليب الذي هو جنون (أو : جهالة) للإنسان حماقة (1 :8 1ي). فالإنجيل يتضمّن أعمق حكمة عُرفت، ولكن الكورنثيّين لا يقدرون أن يفهموها (2 :6؛ 3 :1ي). فعليهم أولاً أن يأخذوا بتعليم الصليب الذي يُخزي كلّ حكمة بشريّة (1 :27ي). فعلى هذا الأساس وحده يبني الرسول عمله. - الثانية : الثنائيّة. تتضمّن كلّ نظم الغنوصيّة احتقارًا للمادة، التي تقود إمّا إلى نسك مفرط (بدعة الكولسيّين) وإمّا الى انفلات (يرتفع الإنسان فوق المادة فلا تعود تؤثّر عليه : رج 6 :12؛ 10 :23). وعبّر الكورنثيّون عن هذا الميل بطرق متعدّدة. هناك خاطئ مشهور زنى مع أحد أقاربه. كان قد كتب بولس عنه وهو لا يزال مقبولاً في الجماعة (5 :1-13؛ 6 :9-20). وآخرون شجبوا الزواج بحيث إن بولس خصّص ف 7 لمسألة الزواج والبتوليّة. واعتبر بعضهم أكل الذبائح المقدّمة للأوثان أمرًا مسموحًا به لأنّه لا وجود للآلهة (8 :4). ولكنّهم كانوا يشكّكون الضعفاء. فأمرهم بولس بالانتباه إلى الضعفاء للحفاظ على المحبّة (8 :9-13). وهناك أشخاص فهموا التعليم عن القيامة على طريقة الغنوصيّين : الإنسان المتحرّر من الرغبات اللحميّة قد قام. يعارضهم الرسول ويحافظ على حقيقة قيامة الأجساد، ولكنّه يحذّر قرّاءه من نظرة مبسّطة إلى القيامة (ف 15). برهانه الأساسيّ هو قيامة المسيح (15 :1-28). ولكن الرسول يلجأ أيضاً إلى برهان ينطلق من الممارسة اليوميّة : إذا لم تكن قيامة للأجساد فلماذا يتعمّد الكورنثيّون من أجل مائت (15 :29)؟ - الثالثة : الأسرار. كان للديانة السرّانيّة مكانة هامّة في المدينة الهلينيّة. وقد أثّرت على كنيسة كورنتوس الفتيّة. وكانت نساء متحرّرات يحضرن اجتماع الجماعة ولا يضعن شيئًا على رؤوسهنّ، كما كانت العادة في الديانات السرانيّة (11 :2-16). وكانت الفوضى في اجتماعات الاغابي (عشاء المحبة)، ممّا جعلها قريبة من أعياد ديونيسوس الوثنيّة (11 :17-34). وأعطيت أهميّة زائدة للتكلّم بالألسنة. وفي ف 12-14 يعطي بولس القواعد التي تساعد على حفظ النظام في الاجتماعات. - الرابعة : التفرديّة. انحطّت الحواضر القديمة، فخسر اليونانيّون ارتباطاتهم الاجتماعيّة. ووُلدت محلّ الحواضرو تجمّعات تنعم ببعض الاستقلال. استفادت المسيحيّة من هذا الوضع فنمت بحريّة. أقرّ بولس بهذا الواقع ثمّ ذكَّر المسيحيّين بأنّ لهم قضاء مستقلاًّ (6 :1-11). ولكن برزت داخل الجماعة تحزُّبات حول هذا الشخص أو ذاك كما حول الفلاسفة الذين يدور حولهم المعجَبون بهم (1 :11-17؛ 3 :3-9). وهكذا ارتبط تصميم 1كور بالأسئلة المطروحة. أ) تجاوزات وصلت إلى مسمع بولس : تحزّبات، تسامح مع خاطئ، ظلامات في المحاكم، زنى وفحش (ف 1-6). ب) أجوبة إلى الأسئلة المطروحة، الزواج والبتوليّة، سلوك المرأة في الجماعة، الاغابي، التكلّم بالألسنة، قيامة الموتى (ف 7-15). ج) الخاتمة. نصائح شخصيّة ولا سيّمـا تلك المتعلّقة باللمة من أجل القدّيسين في أورشليم. ثانيًا : صحّة 1كور. كلّ الشرّاح يقبلون بهذه الرسالة. فحياة الكنيسة كما هي مصوّرة فيها تتجاوب ووضع المسيحيّة في القرون الأولى. ووحدة الرسالة واضحة أيضاً. ولكن شكّ بعضهم في عرض مبدإ حريّة المسيحيّ (9 :1-11 :1) الذي يبدو غريبًا في الرسالة. فقالوا : هذا العرض هو قسم من الرسالة الضائعة. ولكن كم من استطرادات عند مار بولس؟ ثالثاً : دوّنت 1كور وأرسلت من أفسس، قبل العنصرة، (عيد يوم الخمسين) سنة 56-57 (16 :8). تسلّم بولس بواسطة ابلوس (16 :12) وأهل خلوة (1 :11، كانت تاجرة) ووفد من كورنثوس، معلومات عن كنيسة كورنتوس. كما تسلّم رسالة حملها استفانوس وفورتوناتوس واخائيكس (16 :7)، وفيها عدد من الأسئلة. فأخذ بولس "القلم" وتفحّص هذه المسائل فكانت هذه الرسالة الرعائيّة.