كلمة لاتينيّة الأصل تعني "تسجيل الديون". والكلندار هو نظام تقسيم الزمن، مؤسّس على أهمّ الظواهر الفلكيّة : دوران الأرض حول الشمس، دوران القمر حول الأرض. وها نحن نتوقّف عند الكلندار البيبليّ بحسب الشهر والسنة. نبدأ فنميّز بين السنة الشمسيّة والسنة القمريّة. السنة الشمسيّة ترتكز على الشمس وتكون أيامها 365 يومًا وربع اليوم تقريبًا. في مصر، نجد 12 شهرًا في السنة، وكل شهر 30 يومًا. وكانت تزاد خمسة أيام إضافيّة. في نظامنا الحاليّ المسمّى النظام الغريغوري (1582) وهو تعديل للنظام اليولياني (46 ق. م.)، تعدّ السنة 12 شهرًا. بعضها 31 يومًا، والآخر 30 وشهر شباط 28 أو 29 يومًا. وتتأسّس السنة القمريّة على الشهر القمريّ الذي يعدّ 29 يومًا ونصف اليوم تقريبًا. وهكذا تكون السنة 354 يومًا. في هذا النظام تنتقل الأشهر من سنة إلى أخرى. وإذ أراد علماء الفلك أن يتجنّبوا هذا الفارق بين السنة الشمسيّة والسنة القمريّة، كانوا يزيدون من وقت إلى آخر شهرًا على أشهر السنة، بحيث يقع الشهر القمريّ في ذات الفصل من فصول السنة تقريبًا. ماذا كان الوضع في الزمن السابق للمنفى؟ كان لبني اسرائيل، شأنهم شأن سائر الساميّين القدماء، كلندار من هذا النمط. تأسّس على القمر (رج مز 104 :19، صنع القمر للأوقات). وكانوا يقومون ببعض التصليحات بحيث يقع كل شهر في موقعه من الفصل تقريبًا. فكلّ شهر هو "إقمار" أي فترة تنقضي بين قمرين جديدين متتابعين. ولا ننسى أن الشهر يسمّى باسم القمر "ي ر ح" (رج كلندار جازر؛ سي 43 :6-8). ولكن قبل نهايةالحقبة الملكيّة، دلّوا على الشهر بلفظة "ح د ش" (حديث، جديد في العربيّة) أي القمر الجديد. فمنذ تلك الحقبة، أخذوا يعدّون الأيام بالنسبة إلى القمر الجديد. والطابع القمريّ للسنة الاسرائيليّة، هو أن بداية كلّ شهر تحدّده مراقبة مباشرة للقمر الجديد، وأنّهم كانوا يحتفلون بعيد القمر الجديد (الهلال) وملء القمر (البدر)، شأنهم شأن سائر الشعوب في الشرق الأوسط. ونلاحظ حتى اليوم، أن أهمّ الأعياد اليهوديّة يُحتفل بها في يوم البدر أو في مسائه كما هو الحال بالنسبة إلى عيد الفصح. والسنة (ش ن هـ ) الاسرائيليّة كانت تعدّ 12 شهرًا قمريًّا (1مل 4 :7؛ 1أخ 27 :1-15؛ رج إر 52 :31؛ حز 32 :1؛ دا 14 :26). كانت السنة تبدأ في القديم، في الخريف (رج خر 23 :16؛ 34 :22 بالنسبة إلى عيد الغلال أو القطاف. رج بالنسبة إلى الحملات العسكريّة ما يقول النصّ عن "عودة السنة" أي الربيع : 2صم 11 :1) وهذا ما يوافق تقريبًا تواتر سنة زراعيّة، لأنّ مجمل غلال الأرض (ما عدا الزيتون) كانت قد قُطفت ووضعت في مخابئها خلال شهر أيلول. وكان تواتر الأعمال الزراعيّة يدلّ على حياة بني إسرائيل إجمالاً. كما وُجدت كلندارات زراعيّة تدلّ على النشاطات المهمّة في كلّ شهر (لويحة جازر). ولكن في بداية الحقبة الملكيّة في اسرائيل، كانت أسماء الأشهر التي من أصل كنعاني مرتبطة بظواهر الطبيعة. فنحن لا نعرف بشكل أكيد إلاّ شهر "ابيب" (اذار - نيسان)، بول (تشرين الأول - تشرين الثاني)، زيب (نيسان - أيار)، ايتانيم (ايلول - تشرين الأول). وقد زيد على هذه الأسماء "جبعل" (شباط - آذار. خر 9 :31)، افيلوت (نيسان - أيار، خر 9 :32). ولكن يبدو أنّ هذين الاسمين الأخيرين ليسا بأكيدين. يبدو أن السنة وأسماء الأشهر كانت هي هي في يهوذا واسرائيل. ولكن بما أنه كان على السلطة السياسيّة أن تقحم شهرًا إضافيًّا من وقت إلى آخر لكي ترافق السنةُ تواترَ الفصول، وبما أن المملكتين لم تخضعا دومًا لسلطة سياسيّة واحدة، صار هناك فرق شهر بين السنة الإسرائيليّة والسنة اليهوذاويّة (1مل 12 :32). إنّ الطريقة التقليديّة في جعل السنة تبدأ في الخريف، وفي تسمية الأشهر بحسب الظواهر الطبيعيّة، سوف تزول خلال الحقبة الملكيّة، وربّما في القرن السابع ق.م. وهذا ما تشهد له بوضوح نهاية 1-2مل؛ إر، وشحفات عراد. ففي نهاية الحقبة الملكيّة لم يعودوا يقولون "ي ر ح" (بالنسبة إلى القمر)، بل "ح د ش" (بالنسبة إلى القمر الجديد). وبدلاً من أن يكون لهم اسم خاص بكل شهر، جُعل للشهر رقم : الشهر الأول، الشهر الثاني... وأخيرًا بدا بوضوح أن السنة لم تعد تبدأ في الخريف بل في الربيع كما في بلاد الرافدين خلال تلك الحقبة. ودلّت شحفات عراد بوضوح أن هذا التبدّل في الكلندار، قد تمّ في فلسطين، وتمّ قبل المنفى. في أيام المنفى والحقبة الفارسيّة. وثبّت زمنُ المنفى والتقليد الكهنوتيّ هذا التبدّل الأساسيّ في الكلندار، فنشر التسميات البابليّة لمختلف أشهر السنة. نيزان، أيار، سيوان، تموز، آب، أيلول، تشري، مرحشوان، كسلو، طابت، شباط، ادار. وكانوا يقحمون شهرًا إضافيًّا في نهاية السنة فيزيدون "ادار الثاني". في زمن المنفى، أثّر علم الفلك في بلاد الرافدين على التدوين الكهنوتيّ المهتمّ كلّ الاهتمام بالتواريخ. وهكذا عرفنا عدد أيام السنة الشمسيّة : 365 يومًا (تك 5 :23، هي أيام أخنوخ). ويبدو أن بابلونية هي التي ثبّتت سنة 480 ق.م. تقريبًا دورة 19 سنة تتضمّن سبعة أشهر ادار، لكي تتطابق السنة الشمسيّة والسنة القمريّة. ولكن لن يُعترف بهذه الدورة بشكل رسميّ، ولن تُطبّق إلاّ في منتصف القرن الرابع ب. م. في العالم اليهوديّ. ولكن يمكن أن تكون قد طبّقت قبل ذلك الوقت بشكل غير رسميّ. في الحقبة الهلنستيّة، أي بعد دخول الاسكندر الكبير إلى الشرق. منذ تلك الحقبة بدأ استعمال الكلندار السلوقي وأشهر السنة المكدونيّة التي أوردت بعضها الأسفار البيبليّة المتأخّرة (2مك 11 :21-30، 33-38؛ طو 2 :12 : دستروس، كسنتكس، ديوسكور). أما كتابات قمران وسفر أخنوخ الحبشيّ وكتاب اليوبيلات، فتتحدّث عن كلندار آخر يختلف عن الكلندار الكهنوتيّ والكلندار السلوقيّ : هو كلندار شبه شمسيّ. يتألّف من 364 يومًا، وقد تأسّس على توالي الأسابيع. فالسنة تتضمّن 52 أسبوعًا، وتُقسم ثلاثة فصول، وفي كل فصل 14 أسبوعًا، مع أشهر من 29، 30، 31 يومًا. بمثل هذا الكلندار كانت الأعياد تقع دومًا في ذات اليوم من أيام الأسبوع. ونصل إلى السنة الدينيّة. مع توالي الأعياد التي كانت في الأصل زراعيّة، استطاعت السنة الدينيّة أن تحافظ على نفسها مع بعض تحوّلات وتكيّفات تمّت على مدّ تاريخ هذه النظرات الزراعيّة والرعائيّة خلال السنة. فعيد الفصح الذي فيه يذبحون حملاً من القطيع، قد انضمّ إلى عيد الفطير (خر 12 :1-20) وتقدمة الحزمة الأولى (لا 23 :10) في بداية حصاد الشعير، قد حدّد في بدء الربيع، في اليوم الرابع عشر من شهر أبيب، وهو الشهر الأول في السنة (خر 12 :2؛ لا 23 :5)، الذي يتماهى مع شهر نيزان في أس 3 :7. وإليك كلندار الأعياد اليهوديّة : 14-15 نيزان : عيد الفصح. 15-21 نيزان : عيد الفطير. 16 نيزان : بداية عدّ سبع مرات سبعة أيام حتى عيد الأسابيع. 6 سيوان : عيد الأسابيع. 1 تشري : رأس السنة أو السنة الجديدة. 10 تشري : يوم التكفير، يوم كيبور. 15-22 تشري : عيد المظال. 25 كسلو : عيد التدشين، عيد حنوكه. 14 ادار : عيد الفوريم. هناك يومان يصوم فيهما اليهود : 17 تموز، 9 آب. وهما يرتبطان بدمار الهيكل. وهناك فترة من الاستعداد تسبق عيد الفصح، وهي أربعة سبوت في شهر ادار. قد يكون أن هذه الاستعدادات للفصح كانت تبدأ في الشهر الحادي عشر (شباط) المسمّى السنة الجديدة للأشجار في المشناة. مثل هذه الحقبة تقابَل مع الصوم في الكلندار المسيحيّ. وهناك حقبة أخرى من الاستعداد تسبق عيد المظال. هي الشهر السادس (شهر أيلول) وربما الشهر الخامس. في التوراة يتذكّرون موت هرون في اليوم الأول من الشهر الخامس (عد 33 :38). وموت موسى في اليوم الأول من الشهر الحادي عشر (تث 1 :3). قد يكون السامريّون عادوا إلى هذين التاريخين ليحتفلوا حتى اليوم بما يسمّى "زموت" (القرائن)، وذلك شهرين قبل عيد الفصح وشهرين قبل عيد المظال. وماذا على مستوى فصول السنة؟ تنقسم السنة في فلسطين فصلين (تك 8 :22؛ مز 74 :17) : فصل حار وجاف (ق ي ص، رج في العربيّة قيظ) يقابل الصيف في المعنى الواسع للكلمة. وفصل بارد (ح ر ف، رج الخريف في العربيّة) يقابل تقريبًا الخريف والشتاء. وكان الأغنياء يكيّفون حياتهم في هذين الفصلين، فيبنون بيتًا للصيف وبيتًا للشتاء (عا 3 :15؛ رج إر 36 :22). أما السنة الملكيّة فتبدأ عادة مع مجيء ملك جديد وتتويجه، ولو حدث ذلك في أيام أبيه وهو حيّ. ويبدو بحسب إشارات مختلفة أنهم كانوا يحسبون السنة الجارية ساعة التتويج وكأنها "السنة الأولى" (ولو بدأت في الشهر العاشر أو الحادي عشر). والإشارة إلى السنة الملكيّة (الأولى، الثانية...) لدى ملوك يهوذا أو اسرائيل (رج شحفات السامرة) أو لدى ملوك الفرس (رج برديات وادي دالية)، أو عظماء الكهنة الحشمونيّين، كانت الطريقة العاديّة في تأريخ الوثائق الإداريّة في فلسطين القديمة. وبفضل هذه الوثائق نستطيع أن نثبّت الكرونولوجيا أو تسلسل الأحداث التاريخيّة في الزمن.