في العبريّة "ل ب"، "ل ب ب" (كما في العربيّة، اللبّ). في اليونانيّة، كرديا. 1) العهد القديم. حسب العهد القديم "ل ب" هو أول الأعضاء الخفيّة في الكائن البشريّ. قد يمثّل كل داخل الإنسان كما في العبارة : "قلبي ولحمي" (مز 73 :26؛ 84 :3). وعن طريق الاستعارة يقدر أن يدلّ على داخل السماوات (تث 4 :11) وعمق البحار (خر 15 :8؛ يو 2 :4). القلب عضو الحياة المركزيّ والسريّ. وصار لدى الشعوب الساميّة موضع العواطف : لا الحبّ فقط (تث 6 :5؛ قض 16 :15؛ نش 5 :2)، بل الرغبة (خر 35 :21، 26؛ 1صم 14 :7؛ إر 29 :13)، والفرح (1مل 8 :66؛ أم 15 :13؛ مز 104 :15؛ أس 5 :9)، والندم والحزن (تث 15 :10؛ 1صم 1 :8؛ أم 25 :20؛ نح 2 :2؛ يو 16 :6)، والغضب (تث 19 :6؛ أع 7 :54)، والشجاعة (2صم 7 :27؛ 17 :10؛ مز 27 :14؛ أي 41 :16)، والخوف (تث 20 :3، 8؛ إش 7 :4؛ مز 40 :13؛ 2أخ 13 :7)، واليأس (إش 61 :1؛ مز 34 :19)، والثقة (مز 57 :8؛ 108 :2؛ 112 :7)، والكبرياء (تث 17 :20؛ 2مل 14 :10؛ حز 28 :2، 5، 17؛ أم 16 :5)، والفهم (1مل 3 :9؛ 5 :9؛ أي 34 :10-34؛ أم 6 :32؛ 7 :7)، والمخيّلة (2أخ 7 :11؛ إر 7 :31؛ 19 :5؛ 32 :35؛ حز 38 :10)، والذاكرة (إش 65 :17؛ إر 3 :16؛ 51 :50)، والهمّ (إر 2 :11). ليس القلب فقط ذاك الذي يتقبّل الأفكار والتذكّرات. فهو أيضًا أداة يستعملها الإنسان من أجل العمليّات العقليّة. وعبارة "وضع قلبه" أو "أعطى قلبه" تعني : جعل اهتمامه، انشغاله (خر 7 :23؛ حز 44 :5؛ جا 1 :13، 17؛ 7 :21). وفعل "فكّر" يُقال : "تحدّث مع قلبه" (جا 1 :16؛ 2 :15). والحكيم الحقيقيّ هو "حكيم القلب" (خر 28 :3؛ 31 :6؛ 35 :25؛ 36 :1-2؛ أي 9 :4). هذا يعني براعة في فنّه وفي مهنته. والعلاقة الوثيقة التي نجدها لدى الساميّين بين العلم والفضيلة، الجهل والخطيئة، تجعل في القلب مبدأ الأعمال الصالحة والشريرة (إش 57 :17؛ جا 11 :9). و"مستقيمو القلب" (مز 7 :11؛ 11 :2) هم أصحاب الفضيلة والصالحون. ستُستعمل لفظة "لقب" كثيرًا في زمن الهيكل الثاني، بحيث يدور كل ما في الإنسان حول القلب. 2) العالم اليهوديّ. لا نستطيع القول إنّ حكماء العالم اليهوديّ البعدبيبلي اعتبروا القلب محرّك دورة الدم. وفي أي حال، حسب تلمود أورشليم (تروموت 8، 10، 46ب)، "كلّ أعضاء الجسد تتعلّق بالقلب". في كتابات قمران، ترد لفظة "قلب" قرابة 140 مرّة. والمعنى ليس كعضو الجسد. فإذا كان الكلام عن القلب فلأنه مركز الشعور والعواطف (مد 5 :31؛ 6 :2؛ 10 :30، 33؛ 14 :26؛ وثص 20 :33)، ولأنه بشكل خاص مبدأ الحياة الخلقيّة والدينيّة. وما يميّز هنا الفكر الاسيانيّ، هو الاعتقاد بأنّ إنارة الله للقلب هي علامة الاختيار وتوجيه المصير. وحين يبارك كهنةُ قمران مختاري الله، يقولون : "ليُنر قلبك بفهم الحياة". ولكن المؤمنين الكذبة الذين "يطلبون" الله بقلب وقلب (مد 4 :14)، فهم يلعنونهم قائلين : "ليكن ملعونًا مع أصنام قلبه" (نح 2 :11). "فبليعال هو مع قلبهم كالمشير" (مد 6 :21). "ففي قلب كل واحد يتقاتل روح الحقّ وروح الفساد" (نج 4 :23). ولكن المؤمن الكامل يرذل كل ارتباط بروح الفساد : "لا أحفظ بليعال في قلبي" (نج 10 :21). ويتابع : "أزيل... من فهم قلبي النجاسة والكذب" (نج 10 :24). عند المختار تنتصر فكرة قلب الله (مد 4 :13، 18، 21، 24؛ 6 :7). وهو يتعلّق "بشريعة موسى بكلّ قلبه" (وثص 15 :9، 12). وتتوافق كتابات الرابينيّين مع النظرة البيبليّة إلى القلب كعضو الحياة الخلقيّة، وذلك على مثال كتابات الاسيانيّين. كان رابي اليعازر بن أراخ من التنائيم (الردادين) في المنتصف الثاني من القرن الأول ب. م. سأله معلّمه رابي يوحنان بن زكاي سؤالاً، فقال : "القلب الصالح" و"القلب الشرير" يمليان على التوالي الطريق الذي نتّبع أو نتجنّب. فاعتبر رابي يوحنان أن هذا الجواب يتضمّن سائر الأجوبة (المشناة، أبوت 2 :9). فالقلب هو في فكر الحكماء المبدأ الأخير للأعمال الخلقيّة. 3) العهد الجديد. استعمل العهد الجديد ذات الألفاظ التوراتيّة، وشدّد على بعض وجهاتها، فكان صدى للتعليم الاسياني. فالقلب في نظر بولس الرسول، هو مسكن الروح القدس (رو 5 :5؛ 2كور 1 :22؛ غل 4 :6) والمسيح (أف 3 :17)، كمبدأ أعمال تقود إلى الخلاص. وهكذا يعارض الرسول وضع المسيحيّ، ووضع الكافر كما تصوّره نصوص قمران، لأنّ بليعال يسكن في قلبه (مد 6 :21؛ رج 2 :11). أما حسب رو 5 :5 "فالله سكب محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا". وبعبارة أخرى، يبدأ خلاص الإنسان في قلبه. ويبدو رو 2 :29 (اليهوديّ الحقيقيّ هو في الداخل، والختان هو في القلب) صدى لتفسير قمران لما في حب 2 :16 حيث قيل عن الكاهن الكافر "إنّه لم يختن غرلة قلبه" (فحب 11 :13). ويطلب نج 5 :5 "ختانة غرلة الميل الشرّير" الذي هو في القلب. هذه النظرة تجد جذورها في العالم القديم (تث 30 :6؛ إر 4 :4؛ رج 9 :24-25).