أولاً : الاكتشاف. على بعد حوالي 300 كلم إلى الجنوب من القاهرة وعلى شاطئ النيل الأيمن، اصطدمت امرأة من قبيلة البدو العمارنة بلوحات من الطين في نهاية سنة 1887. ولمّا تفحّصها العلماء وجدوا أنّهم أمام أرشيف السياسة الخارجيّة في عهد أمينوفيس الرابع (أمينحوتف الرابع 1372-1359). هذا الفرعون الشاب والمتعصّب، حرمه بعض اللاهوتيّين في مملكته. وذلك لأنّه قرّر أن يجعل من عبادة أتون، القرص الشمسيّ، الديانة الوحيدة في مصر. وكان صراع بينه وبين كهنة أمون في طيبة، عاصمة المملكة. وفي السنة الخامسة لملكه صار اسمه اخناتون (حبيب اتون) وأسّس مدينة أخيت أتون (أرض النور أو أفق أتون) جعلها عاصمته الملكيّة (بعد اكتشاف سنة 1887 سمّيت العمرنا. واسم تل العمارنة ينطبق على تل الركام الواقع على بضعة كلم إلى الجنوب). ولكن هذه العاصمة ستُترك بعد موته المبكر. أما غرفة الأرشي فالتي وُجدت فيها اللوحات فهي جزء من قصر أخيت أتون. ثانيًا : عدد اللوحات. ما انتشر خبر الاكتشاف حتى حاولت المتاحف أن تقتني اللوحات. اشترت برلين 200 لوحة (نشرت سنة 1889-1890)، ولندن (المتحف البريطاني) 80 لوحة (نشرت سنة 1892) وأوكسفورد 22 لوحة (نشرت سنة 1894). وبقي في القاهرة 50 لوحة تقريبًا. إذًا كان عدد اللوحات 358. نُسخت في حرف أوروبي وتُرجمت. ثمّ اكتشفت لوحات أخرى، فصار العدد الإجمالي 377 لوحة. ثالثًا : اللغة. دوّنت رسائل تل العمارنة في اللغة الأكاديّة مع تأثير مصريّ وحثيّ وحوريّ وكنعانيّ (حسب لغة كاتب الرسالة). هناك حوالي 300 رسالة دوّنها كتّاب كنعانيّون من فلسطين وفينيقية وسورية الجنوبيّة، ولهذا نجد فيها حواشي كنعانيّة. إنّها تعطينا فكرة عن اللغة المحكيّة في كنعان في ذلك الزمان والتي تختلف بعض الشيء عن العبريّة. هناك رسائل دوّنت كلّها في الكنعانيّة ما عدا بعض عبارات أكاديّة. وكُتبت رسالتان في لغة ارزاوا (دولة في آسية الصغرى) ورسالة في لغة ميتاني تساعدنا على التعرّف إلى اللغة الحوريّة. كل هذه الرسائل دوّنت في الخط المسماريّ. رابعًا : طبيعة الرسائل - هناك عدد من الرسائل تبدو عملَ تلاميذ يتدرّبون على المراسلات الدوليّة في إحدى الغرف الملحقة بالقصر. في هذه السلسلة نجد النصوص الميتولوجيّة. ولكن أكثر اللوحات هي رسائل حقيقيّة. 11 رسالة ترجع إلى وزارة الخارجيّة المصريّة : رسالتان وجّههما أمينوفيس الثالث إلى كدشمان إنليل الأول، ملك بابل، ورسالة وجّهها إلى ملك ارزاوا، ورسالة وجّهها أمينوفيس الرابع إلى بورنابورياش الثاني ملك بابل. ووجّه أمينوفيس الرابع سائر الرسائل إلى ملوك خاضعين له في فلسطين وفينيقية وسورية. وهناك مجموعة ثانية من الرسائل أرسلتها الممالك إلى مصر، نذكر اسم كدشمان انليل الأول، بورنابورياش الثاني، ملكي بابل. أشوروباليط ملك أشور، توشراتا ملك ميتاني، سوفيليليوماش ملك حاطي، ترحوندرابا ملك أرزاوا والملك الاشيا (قبرص؟). ولكن معظم الأسماء تعود إلى ملوك سورية وفينيقية وفلسطين الخاضعين لمصر (نذكر ريب ادي ملك جبيل). وتتضمّن المجموعة رسائل من عبدي اشيرتي وابنه أزيرو، ومن ملوك المدن الساحليّة وغيرها : أوغاريت، بيروت، صيدون، صور، عكا، أشقلون، حاصور (في نفتالي)، مجدو، بلا، جازر، أورشليم، لاكيش (لخيش)، حبرون. تتوجّه الرسائل إلى أمينوفيس الثالث وأمينوفيس الرابع وممثّليهم وموظّفيهم المصريّين. خامسًا : مضمون الرسائل. تشدّد مدن كنعان على تعلّقها بفرعون وتعلن أن أوامره نُفّذت. وتحاول أن تبرّئ ساحة الملوك وتتشكّى من الموقف المعادي الذي يقفه جيرانهم، ومن جبن بعض الموظّفين. وتطلب دومًا المساعدات العسكريّة. فإن تأخّرت المساعدات كانت سلطة فرعون في خطر. هناك رسالة بعثت بها ملكة وأرفقتها بإناء عطور إلى ملكة مصر. وفي رسالة ثانية يطلب نكمادا ملك أوغاريت خادمين وطبيبًا ليعملوا في البلاط. أما فرعون فيطلب في رسائله الأمانة له والخضوع لموفديه ويفرض تأمين الطعام لجيوشه وإرسال النساء إلى حرمه لقاء الفضة والذهب والحجارة الكريمة. وتتعّلق الرسائل مع الملوك جيرانه بالعلاقات السياسيّة ولا سيّمَا بالزواجات السياسيّة. كل هذا يعطينا فكرة ملموسة عن الوضع السياسي في الشرق الأوسط خلال القسم الأول من القرن الرابع عشر ق.م.