إن "كتاب العهد" هو الاسم الذي أعطاه خبر خر 24 :7 إلى "مقال" يتضمّن متطلّبات العهد الذي عُقد في سيناء. أما حسب 2مل 23 :2، فهذا الاسم يدلّ على مجموعة الشرائع التي وُجدت في الهيكل في زمن يوشيا، سنة 621 ق.م. ويسمّي الشرّاح "شرعة العهد" مجموعة الشرائع التي نقرأها في خر 20 :22-23 :19. 1) مضمون شرعة العهد. تضمّ هذه المجموعة (بدون تصميم دقيق) شرائع من الحقوق المدنيّة والحقوق الجزائيّة (21 :2-12 :16)، وشرائع عباديّة (20 :24-26؛ 22 :28-30؛ 23 :10-19) ودينيّة (20 :23؛ 22 :17، 19؛ 23 :13 ب) واجتماعيّة (22 :18-25) واخلاقيّة (23 :1-9). اختلف فنّها الأدبيّ، فجاءت الجملة الشرطيّة تحدّد الجنحة، والجنحةُ الرئيسية العقوبةَ. مثلاً، "إذا ضرب أحد عين عبده أو جاريته فأتلفها، فليحرّره بدل عينه" (21 :26). ونجد هذه العبارة بشكل عاديّ في خر 21 :2-22 :16 وفي سائر شرعات الشرق القديم. نجد جذور هذه الشرائع في أقوال شيوخ القبيلة، أو لدى المحاكم المحليّة. وجاءت شرائع أخرى في صيغة اسم الفاعل (ضارب انسان) (21 :12، 15-17؛ 22 :18؛ رج تث 27 :15-26). مثلاً "مَنْ ضرب انسانًا ومات، فليُقتل قتلاً" (21 :12) أو بشكل منع قاطع (20 :23 : لا تجعلوا معي آلهة؛ 22 :17، 20-21، 24، 27-28؛ 23 :1-3، 6-9، 13، 18، 19ب؛ رج خر 20 :13-17). مثلاً : "لا تلعن الله، ولا تشتم رئيس شعبك" (22 :27). أو بأمر يقول : أردده إليه (23 :4-5، 10-12، 14-17، 19أ). هذا الشكل يميّز الحقّ المقدس الذي يمليه الله (رج 23 :13، 15 : جميع ما قلته، كما أمرتك). فبنو اسرائيل لا يميّزون المقولات الدينيّة والأخلاقيّة من القواعد الاجتماعية والقانونيّة. 2) زمن تدوين شرعة العهد. هناك جدال. ولكن يعتبر معظمُ الشرّاح المعاصرين أنها في شكلها الحالي تعود إلى القرن 9-8 وربما إلى القرن السابع ق.م. غير أنهم يقولون إنها تحوي عناصر قديمة قد تعود إلى زمن القضاة. فمعظم الشرائع تفترض أن القبائل أخذت بحياة الحضر (تركت حياة البدو )، وبدأ الشعب يزرعون القمح والكرم والزيتون (22 :4-28؛ رج عيد الحصاد في نهاية السنة، 23 :26)، ويقيمون في البيوت (لا في الخيام، 22 :6-7)، ويمتلكون البقر والحمير وسائر الحيوان الداجن، لا الجياد ولا الجمال (21 :33، 35-36). إذن، تتوجّه هذه الشرائع إلى شعب يعيش من الزراعة بعد أن تجاوز حياة البداوة (أو نصف البداوة) التي عرفها في زمن موسى. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لا تعرف بعدُ شرعة العهد "الملك"، بل "الرئيس" (ن ث ي ا، 22 :27). ولا تتضمّن ترتيبًا يتعلّق بالتجارة أو بالحياة في المدن (عكس ما نجد في شرعة حمورابي). كما لا تتطرّق إلى الكهنوت، ولا إلى تركيز شعائر العبادة في معبد واحد (تث 12 :4-5)، أو في معبد أوّل (خر 20 :24) ما عدا في 23 :10 الذي يتحدّث عن "بيت الربّ الهك". لا شكّ في أنّ هذه العبارة تجعلنا نفكّر في هيكل أورشليم، ولكن قد تدلّ أيضاً على معبد محلّي. نستطيع أن نستخلص من هذه الإشارات أنّ شرعة العهد سابقة لسليمان (القرن 10) ولداود، ولكنّها جاءت بعد موسى في صيغتها الحاليّة. قد تعود إلى زمن القضاة وربّما في نهاية زمن القضاة. غير أنّ هذا لا يستبعد أن يعود جزء من هذه الشرائع إلى الزمن الموسوي. 3) علاقة الشرعة بما في الشرق القديم. هناك شرائع قديمة في شرعة العهد (شرعات أخرى في اسرائيل) تبدو قريبة في شكلها وفي فرائضها من شرعة حمورابي، كما من شرعات سومريّة وأشوريّة وحثيّة. لا نستطيع القول إنّ شرعة العهد ترتبط ارتباطًا مباشرًا بشرعة حمورابي. وإلاّ فكيف نفهم توافق بعض فرائض شرعة العهد مع فرائض خاصة بالشرع الحثيّ (نتائج الحريق، 22 :5؛ مجامعة مع البهائم، 22 :18). ومع أنّ شرعة العهد جاءت بعد شرعة حمورابي، فهي تمثّل حضارة أقلّ تطوّرًا من الشرعة البابليّة. فكلتا الشرعتين تصوّران بلا شكّ شرائع قديمة كانت عادات لدى الساميّين. وقد كانت شرعة العهد أقرب إلى هذه العادات من شرعة حمورابي. وبما أنّ سلطة بابل امتدّت إلى فلسطين خلال الألف الثاني، فقد تكون شرعة الغالب أثّرت على شرعة المغلوب. لهذا بدت بعض عوائد الآباء (جاؤوا من أور في الكلداي) موافِقة لترتيبات الشرعة البابليّة (تك16 :2-3؛ 29 :24، 29؛ رج شرعة حمورابي 144؛ 145، 170). أما اتصالات الآباء بالعشائر الحثيّة (تك 23 :3-20؛ حز 16 :3-45)، فقد تفسّر تشابهات مع الشرائع الحثيّة. وإذا كان موسى "كاتب" شرعة العهد، كما يقول التقليد، فلأنه مؤسّس الحق الإسرائيليّ بعد أن جمعه وتوسّع فيه وكيّفه مع متطلّبات الجماعة اليهوديّة (العبادة للربّ، يهوه، عادة ترجع إلى الشرع القديم العرفيّ). وقد اغتنى هذا الشرع بعد ذلك بترتيبات جديدة احتاجت إليها العصور اللاحقة وفرضتها تقلّبات حصلت داخل الشعب الإسرائيليّ. إنّ شرعة العهد تختلف عن الشرع البابلي، لا لأنّها فقط تنقّت من كل شرك، بل لأنها انطبعت بطابع انساني، بطابع الرحمة، بطابع خُلقيّ. 4) علاقة الشرعة مع عهد سيناء. تبدو شرعة العهد في الخبر الحالي (خر 19 :1-24 :10)، وهي في ذلك مثل الدكالوغ (أو : الوصايا العشر)، كإحدى متطلّبات عهد سيناء (20 :1-17). فإنّ خر 24 :3 يرتبط بقطع احتفاليّ للعهد (خر 24 :3-8)، بقبول شعب اسرائيل لكلّ الكلمات التي قالها الربّ (أي الشرائع، خر 24 :3أ). تبدو هذه "الكلمات" وكأنّها تشير إلى قانون العهد (20 :19، 22-23) الذي أقحم في هذا الموضع من الخبر الحاليّ. غير أنّ ما هو واضح، هو أن هذا الخبر يتألّف من تقاليد مختلفة وقد رُبطت به شرعةُ العهد رباطًا مصطنعًا. لهذا يرى مجمل الشرّاح أنّ شرعة العهد لم ترتبط في الأصل بعهد سيناء. وهذا ما يفترضه أيضاً تث 4 :12-13؛ 5 :2-22 الذي لا يذكر إلاّ شرطًا واحدًا يفرضه العهد هو الدكالوغ أو الوصايا العشر (خر 20 :1-17؛ تث 5 :6-11).