يهوه رفع، يهوه رفيع، يهوه فتح (الرحم). وُلد إرميا حوالي سنة 650 ق.م. في عناتوت، وهي قرية ظلّ متعلقًا بها وقد أثّرت تأثيرًا عليه كبيرًا. أسم أبيه حلقيا الذي كان من عائلة كهنوتية وهو غير حلقيا الذي أطلق اصلاح يوشيا (2مل 22 : 4-23 :24). كان من نسل ابياثار الذي امتلك أراضي في عناتوت حين عزله الملك سليمان (1مل 2 :26 ي). إذا عدنا إلى إر 1 :1؛ 25 :3 نرى أن دعوة ارميا كنبي كانت في السنة 13 ليوشيّا (حوالي 627. من الصعب ابدال 13 و 23). انحصر نشاطه النبويّ في أورشليم تقريبًا وأمتد على 40 سنة، لأن آخر أقواله التي حُفظت لنا جاءت بعد دمار أورشليم (587 ق.م.، ف 44). إذًا تقع رسالته على أيام آخر ملوك يهوذا. أضاءت موهبة النبوءة على إرميا، فما فتئ ينبئ بالشرّ القريب الذي يرسله الله ليعاقب خطايا اسرائيل. ورغم المعارضة القويّة، حارب بشجاعة الأفكار الجارية لدى الشعب كما حارب السياسة الملكية. حاول أن يُقنع الملك صدقيا بأن يخضع لسلطان بابل، ولكن الحزب المصري كان الأقوى وكان السبب في سقوط أورشليم. تألّم ارميا كثيرًا خلال حصار المدينة (ف 37-39). ولكن حين انتصر البابليون أخلوا سبيله وعيّنوا صديقه جدليا حاكمًا على يهوذا. ولكن تبلبلت الحالة من جديد بعد مقتل جدليا. فأجبر اليهوذاويون إرميا على الهرب إلى مصر. وتنتهي حياة إرميا المأساويّة بفشل ظاهر. نحن لا نملك معلومات وثيقة عن حياته فيما بعد وعن موته. نُسب إليه : سفر إرميا، رسالة إرميا، المراثي. كان صديقه الحميم باروك (باروخ). نعرف شخصيّة إرميا من خلال المقاطع التي نجد فيها سيرته والتي سمّيت اعترافات (أو مونولوج) إرميا. نكتشف فيها رجلاً حسّاسًا وديعًا. كانت له وظيفةُ النبي حملاً ثقيلاً وينبوع سعادة كبيرة. كان صادقًا في كلامه وشخصيًا في ديانته. سيطرت على حياته دعوته النبوية. قبل ولادته هيّأه الله ليكون نبيًا (إر 1 :5). ودُعي إلى هذه المهمّة وهو صبي (إر 1 :6). كان في خدمة الله، فامتنع عن الزواج والحياة العائليّة (إر 16 :1 ي). وقضى وقتًا لم يستطع فيه أن يشارك المجتمع في حياته العاديّة (إر 16 :5-9). ويجب أن نلاحظ أيضاً حبّه العميق لشعبه، ولهذا قال فيه التقليد : إنه صديق إخوته. هو يصلّي من أجل الشعب ومن أجل المدينة المقدسة (2مك 15 :14). كيف ارتبطت حياة إرميا بالملوك الذين عاصروه؟ في أيام يوشيّا (640-609). في أيام يوشيّا نال إرميا دعوته وكان بعدُ "ن ع ر" (صبيّ، إذن، سنة 627). أو ربّما يعني "ن ع ر" صاحب عمل محدّد. وهكذا يكون إرميا وُلد سنة 645. في بداياته (627-622) تكلّم إرميا ضدّ عبادة الأوثان التي سيطرت في يهوذا ولا سيّما في أيام الملك حزقيا. شابه كلامُه كلام هوشع (ف 2-6). في هذه الحقبة نجد بلاغ الرجاء الموجَّه إلى أهل الشمال الذين خسروا استقلالهم سنة 721 (ف 30-31). هي حقبة حماسيّة في حياة النبيّ الذي بدأ رسالته في عناتوت قبل أن ينتقل إلى أورشليم (ربّما سنة 622)، ساعة الإصلاح الديني الاشتراعيّ الذي فرض تركيز شعائر العبادة في أورشليم (2مل 22-23). ما هو الدور الذي لعبه إرميا في هذا الإصلاح؟ مشاركة ناشطة، أم معارضة، أم تطوّر انتقل في البداية من الالتزام وانتهى بعد ذلك في التشكيك؟ لا نجد جوابًا. ولكننا نحسّ بالصمت بعد هذا الإصلاح، ولا نجد أقوالاً نبويّة لإرميا بين سنة 622 و 609. إنّ غياب الأقوال النبويّة في هذه الفترة، دفعت بعض الشرّاح إلى القول بأنّ إرميا بدأ رسالته في أيام يوياقيم، لا في أيام يوشيّا، وأنّ السنة الثالثة عشرة لحكم يوشيّا (1 :2) هي تاريخ ولادته. ورأى آخرون أنّه بدأ نشاطه سنة 605. في أيام يوياقيم (605-598). قُتل يوشيا بوجه جيوش نخو المصريّة الزاحفة لمساعدة الأشوريّين على البابليّين. هذا الموت المأساويّ شكّك المؤمنين. أمّا يوياقيم خلفه فما تابع الإصلاح الدينيّ، فعاد الشعب إلى عبادة الأوثان. ومنذ سنة 605، خضعت يهوذا لسلطة نبوخذ نصر ملك بابل. هي فترة من الألم في حياة إرميا. بدأ فتكلّم. ثمّ قام بفعلات رمزيّة (ف 18-20)، بل إنّ حياته كلّها صارت آية. فعزوبته تنذر بالعقاب القريب : أيُّ خير في إيلاد البنين (16 :1-13)؟ واتّهم إرميا المؤسّسات، وهاجم التطمينات الكاذبة (ف 7-20). أزعجت هذه الكرازة (ولا سيّما الخطبة ضدّ الهيكل، 7 :1-15) الملك والموظفين الكبار والكهنة والأنبياء، بل ضايقت عائلته أيضًا. فتمّ توقيفه (ف 26). وما عاد يستطيع الذهاب إلى الهيكل. فلجأ إلى الكتابة لكي ينقل تعليمه بواسطة كاتب اسمه باروك (ف 36). في هذه الحقبة نجد "الاعترافات" التي تتحدّث عن خيبة أمل النبيّ وقنوطه، عن صلواته وما فيها من طلب انتقام، عن اتهاماته لله، عن توبته والتعمّق في دعوته، وعن أمانته لله. في أيام صدقيا (597-587). تمرّد يوياقيم على بابل، فاستسلم خلفه يوياكين إلى نبوخذنصر الذي وضع الحصار على أورشليم. وكان الجلاء الأول سنة 598. فحلّ صدقيا محلّ الملك. هنا نجد "نضوج" النبيّ (ف 21-24 : أقوال؛ 27-29؛ 34-35؛ 37-39 : أخبار سيرويّة). قام حزب محالف لمصر فنصح الملك بأن يتمرّد على بابل. أمّا إرميا فعارض سائر الأنبياء مثل حننيا، ونصح بالخضوع لبابل (ف 29). تمرّد صدقيا، وجُعل إرميا في السجن، واستعدّ نبوخذنصر لاحتلال المدينة. وساعة بدا وكأنّ كل شيء صار منتهيًا، عاد إرميا إلى كلام الرجاء الذي تفوّه به من أجل الشمال. أعلن أنّه سيكون أمل من أجل يهوذا. وتحدّث عن عهد جديد (ف 30-33). سنة 587، سقطت أورشليم، ودُمّر الهيكل، وسارت قوافل المهجّرين. سمّى نبوخذ نصر جدليا، صديق إرميا، حاكمًا على أورشيم. فقتله المتعصّبون. وخاف الناس من الانتقامات فهربوا إلى مصر وأخذوا معهم إرميا (ف 40-44). يروي التقليد أنّ إرميا مات شهيدًا في مصر بعد أن قال آخر أقواله.