نظرة فلسفيّة تعتبر وجود مبدأين في أصل الخليقة وفي تفسير أمور عديدة. إنّ الشيع الغنوصيّة والمناويّة اعتقدت بتعليم ثنائيّ (الشر والخير، النور والظلمة...). أزال العهد القديم كلّ أثر للثنائيّة وأعلن اعتقاده بوحدانيّة الله. فالكون لا تسوده قوّتان متوازيتان تجابه الواحدةُ الأخرى، بل يسوده إلهه واحد خلق كل شيء، النور كالظلمة (إش 45 : 7). ولكن العهد القديم لم ينكر الحريّة وحضور الشرّ منذ البداية (تك 3 : 1). لم يدخل الله في صراع مع الشواش الأول حين خلق. كلمتُه فعلت، ولا تزال تفعل، فتدجّن البحر ( * رهب) الذي هو من بقايا الشواش ورمز القوى المعادية (مز 89 : 10؛ إش40 : 2؛ سي 43 : 23-26). صارت العناصر الثنائيّة لعبة بين يدي الخالق (أي 40 : 15-32). بل راحت التوراة تحارب الثنائيّة فذهبت إلى القول : إنّ الله يُميت ويُحيي. إنّه يخلق السعادة والشقاء (1صم 2 : 6؛ إش 45 : 7). أجل، كل شيء يأتي من الله (أي 2 : 10). ولكن لغة التوراة لغة ثنائيّة. هي تتكلّم عن السماء والأرض، عن الإنسان المؤلّف من لحم ودم، عن الاختيار بين الخير والشر، بين الحياة والموت، بين البرّ والظلم. ولكن الله هو واحد. وإن خلق الإنسان اثنين (رجلاً وامرأة)، فهو يدعوهما إلى الوحدة عبر هذه الثنائيّة (تك 2 : 24). وتأثير إنجيل يوحنا بالأوساط السابقة للغنوصيّة واضح. لهذا نجد واقعين يتعارضان : النور والظلمة، الحقيقة والكذب، السماء والأرض، الروح والجسد، الله والعالم. ولكن هذا التعبير الثنائيّ لا يعني أن يوحنا أخذ بالثنائيّة. نحن نجد تأثير الثنائيّة على العالم اليهوديّ. عند فيلون الاسكندراني : بين الروح والمادّة على طريقة أفلاطون وأفلوطين. في التلمود بين الميل إلى الخير (ياصر طوب)، والميل إلى الشرّ (ياصر رع). ثمّ إنّ الخير والشرّ يتعارضان مثل النور والظلمة. وهذا ما نجده عند الاسيانيّين. في العصر الوسيط سيتخلّص ابن ميمون من الثنائيّة، فيعلن أنّ الشرّ هو غياب الخير. إن التعاليم الإيرانيّة عن الثنائيّة لقيت أرضًا خصبة في تيّار فكري لدى الإسلام هو تيّار الزندقة.