السريانيّة لهجة من لهجات الاراميّة الشرقيّة. كانت في الاصل لغة منطقة الرها. وما يدلّ على ذلك، مدوّنات وثنيّة وُجدت في القرن الأول المسيحي. صارت السريانيّة لغة المسيحيين في سورية وبلاد الرافدين، فتميّزت بترجمات قديمة للكتاب المقدّس وبأدب مسيحيّ واسع جدًا. وتنقسم السريانيّة بين سريانيّة شرقيّة يتحدّث فيها نساطرة المملكة الفارسية ثم الاموية والعباسيّة، وقد نشرها المرسلون النسطوريون حتى تركستان والصين. وبين سريانية غربيّة استعملها اليعاقبة في الامبراطوريّة البيزنطيّة،وقد امتدّ تأثيرها حتى الحبشة. 1) السريانية العتيقة والبسيطة (أ) العهد القديم إن أصول الترجمة السريانيّة للعهد القديم ما زالت غامضة وينقسم الاخصائيون فيتساءلون : هل توجّهت الترجمة الأولى إلى مسيحيّي الرها أم إلى اليهود المهتدين في مملكة حدياب والذين اعتنقوا اليهودية في القرن الأول المسيحي؟ إن الترجمة المسماة "بسيطة" (فشيطتو ) هي مزيج من نصوص مختلفة. أما شكلها المنمَّط اليوم فيعود إلى القرن التاسع. عكسَ البنتاتوكس وأش والانبياء الصغار والمزامير تأثيرَ السبعينية بدرجات متفاوتة. أما حز وأم، فسفران تأثّرا بالتراجيم. أي هو ترجمة حرفيّة عن العبريّة. را نص مسهب وكذلك قسم من 1، 2أخ. أقدم مخطوط سرياني نعرفه للكتاب المقدس هو الموجود في المكتبة البريطانيّة (14425)، والذي يعود إلى سنة 464، فيتضمّن أسفار التكوين والخروج والعدد والتثنية. هذا المخطوط، شأنه شأن عدد من المخطوطات القديمة، هو قريب من التوراة العبريّة، وهو يتيح لنا أن نستنتج أن البنتاتوكس نُقل مباشرة عن العبرية. وهناك بعض اختلافات جاءت من الفترة السابقة للماسوريّة. أما التحوّل في النص على ضوء السبعينيّة والتوسعات الترجوميّة، فقد جاء على مرّ العصور. وهذه المسيرة وصلت في النهاية إلى النصّ الشرقي الذي استعمله النساطرة فصار النصَّ المقبول في البسيطة. أما النص الغربي فارتبط بمخطوطات من القرن 7-8، ولكن حلّ محلّه النص المقبول، وهكذا فرض النص الشرقي نفسه على اليعاقبة. لهذا لا نعجب حين نرى الكنائس السريانية تستند إلى النص النسطوري الذي نشر في أورمية سنة 1852، ثم في الموصل سنة 1887-1891، وبعدها في بيروت سنة 1951. أما نشرة صموئيل لي (لندن 1832) فارتكزت على مخطوط في المكتبة الامبروسية في ميلانو يعود إلى القرن 6-7 ويمثّل التقليد النصوصيّ الغربي. هذا المخطوط نُشر بعد ذلك في ايطاليا فصار اساس نشر البسيطة في لايدن بهولندا. وهكذا صارت لنا نشرة علميّة للبسيطة : تك، خر (1977)، أي (1982)، قض، 1 و 2صم (1978)، مز (1980)، 1 و 2مل (1976)، دا (مع خبر بال والتنين) (1980) 4 عز (1983)؛ نش، صلاة منسى، مزامير منحولة، مز سل، طو، عز (1972). (ب) العهد الجديد إن مشكلة الترجمة السريانيّة للعهد الجديد تُطرح بشكل مختلف وتُعنى خاصة بالاناجيل. فوجود ترجمة سريانيّة سابقة للدياتسارون ليس أمرًا أكيدًا. ألّف تاتيانس الذي هو تلميذ يوستينوس، الدياتسارون بعد سنة 172. هذا الكتاب هو تناغم الاناجيل القانونيّة الاربعة مع "انجيل خامس" قريب جدًا من انجيل توما المنحول. هذا المؤلَّف الذي يهمّنا كثيرًا من أجل النقد النصوصيّ للعهد الجديد، قد ضاع. وقد وصلت عنه ترجمات وترجمات الترجمات. ولكننا نعرف اليوم النصّ السرياني بفضل تفسير افرام للدياتسارون. إن أول تدوين للاناجيل المفترقة لم يتمّ قبل القرن الرابع. أما المواد التي هي أساس كتب القراءة الانجيلية في السريانية، فتعود إلى زمن الدياتسارون ونحن نجدها في السريانيّة السينائيّة (حوالي 400) ونسخة كيورتون (القرن الخامس). إن استعمال الاناجيل المفترقة بحسب العادة اليونانيّة، قد فرضها في الرها الاسقف ربولا (411-435). وبربولا هذا ترتبط بسيطة العهد الجديد كما نعرفها في مخطوطات تعود إلى القرن 5-6. وهذه المخطوطات لا تتضمن 2بط، 2، 3 يو، يهو، رؤ. وهذه النصوص سوف تؤخذ من الترجمة الفيلوكسينيّـة ليكون النص الذي بين أيدينا اليوم كاملاً. 2) ترجمة الهكسبلة السريانيّة هذه الترجمة هي نقل العمود الخامس من هكسبلة اوريجانس. قام بها الاسقف اليعقوبي بولس التليّ الذي لجأ إلى الاسكندريّة على أثر الغزو الفارسي للمنطقة. عمل بولس مع عدد من المترجمين منهم الشماس توما. ولقد تمّ العمل بوجه التقدير سنة 616-617. جاءت الترجمة حرفيّة، ونسخت باهتمام العلامات التي وضعها اوريجانس. لا نعرف إن كان بولس التلّي قد استعمل المخطوط الاصليّ الذي كان موجودًا في قيصريّة فلسطين، أو مخطوطاً وُجد في الاسكندريّة. قدّمت الهكسبلة السريانيّة في الهامش نصوصاً من أكيلا وسيماك وتيودوسيون (سيترجمها العلماء إلى اليونانية ويجعلونها في هكسبلة اوريجانس) بجانب ما وُجد في العمود الخامس. أشهر مخطوط للهكسبلة السريانيّة هو كودكس المكتبة الامبروسيّة الذي يعود إلى القرن الثامن. إنه يشكّل الجزء الثاني (من المزامير إلى دانيال) في "كتاب" تنظّم ليكون في جزئين. ضاع الجزء الاول الذي يبدو أنه عُرف في القرن السادس عشر. غير أننا نجد عشرين مخطوطاً للهكسبلة السريانيّة تتضمّن بعض الاسفار البيبليّة أو أجزاء منها. وأقدمها يعود إلى القرن السابع (في المكتبة البريطانيّة 14442، 12134). 3) ترجمة يعقوب الرهاوي نحن هنا أمام إعادة نظر في نصّ التوراة السرياني، قام بها سنة 705 تقريبًا أكبر عالم في الرها، يعقوب الرهاوي. انطلق من البسيطة والهكسبلة السريانيّة ليدمجهما، واستعان أيضاً بمخطوطات السبعينيّة التي تعكس نصّ لوقيانس الانطاكي. عُرفت هذه الترجمة في خمسة مخطوطات تعود إلى القرن الثامن. وما بقي، فمقاطع من البنتاتوكس، 1و2صم، 1 و 2مل، أش، حز، دا. ولكن لا شكّ في أن يعقوب كان قد قام بمراجعة العهد القديم كله. 4) الترجمة الفيلوكسينيّة والترجمة الحرقليّة نتحدّث هنا بشكل خاص عن العهد الجديد، مع آراء تختلف لدى العلماء. قالت فئة : نحن أمام ترجمة واحدة، هي ترجمة فيلوكسينس (507-508) التي "نشرها" في القرن السابع توما الحرقلي الذي اكتفى بأن يجعل في الهوامش اختلافات وجدها في مخطوطات يونانيّة. واعتبرت فئة ثانية أن هناك ترجمتين متميّزتين، أن توما الحرقلي أعاد النظر في ترجمة فيلوكسينس. والاختلافات الهامشيّة في المخطوطات تعتبر نصوصاً مهمة ولكنها لا تستحقّ أن تدخل في النسخة الانجيليّة. يعود اسم الترجمة الفيلوكسينيّة إلى فيلوكسينس، أسقف منبج اليعقوبي، الذي دعا الخور اسقف بوليكربوس ليقوم بهذا العمل. وقد تمّ مع اتجاهات لاهوتيّة خاصة بفيلوكسينس. هل ضمّت هذه الترجمة سفر الرؤيا والرسائل الكاثوليكيّة؟ هنا يختلف العلماء. هل ضمّت الترجمة الفيلوكسينيّة أيضاً العهد القديم؟ هناك كاتب سرياني من القرن السادس ينسب إلى بوليكربوس ترجمة المزامير. وقد وُجد جزء من اشعيا في المخطوط البريطاني 17106. فاستنتج بعض العلماء أن بوليكربوس نقل العهد القديم أيضاً. والترجمة الحرقليّة؟ كان توما الحرقلي راهبًا ثم اسقف منبج اليعقوبي. لجأ إلى مصر خلال الاجتياح الفارسيّ وبدأ سنة 616 يعيد النظر في الترجمة الفيلوكسينيّة للعهد الجديد، مستعينًا بثلاثة مخطوطات يونانيّة من أجل الاناجيل، وبمخطوط واحد لأعمال الرسل ورسائل القديس بولس والرسائل الكاثوليكيّة. جاء النصّ حرفيًا حتى العبوديّة ورافقته شروح تدل على اختلافات النصّ اليوناني. نجد الترجمة الحرقليّة في ستين مخطوطاً تقريبًا.