1) العهد القديم. البركة و"اللعنة" هما في الأصل كلمة (أو عمل) تصنع بقوّتها الخاصة السعادة أو الشقاء. هذه النظرة المنقّاة من الوجهة السحرية بالايمان اليهويّ، تميّز البركة في العهد القديم. غير أن استعمال الجذر "ب ر ك" يبيّن أن البركة تحمل دومًا ذات القوّة وذات المدلول، إن هي عبّرت عن العلاقات بين البشر، أو جاءت من الله إلى البشر، أو عادت من البشر إلى الله. (أ) بركة (أو : مباركة) الانسان للانسان. البركة جزء من الخبرة اليوميّة لدى انسان العهد القديم. نستقبل القريب ونودّعه "فنباركه" بمعنى أننا "نحيّيه" (تك 47 :7، 10؛ 1صم 2 :20؛ 15 :13؛ 25 :32؛ 2صم 6 :20؛ 13 :25؛ 19 :40؛ 1مل 2 :45؛ 10 :9؛ أم 27 :14). مثل هذه الفعلة تدلّ على الوحدة، على علاقة الحياة، وهذا أمر خاص بعلاقاتنا في الشرق. وقد تدلّ البركة (ب ر ك هـ) على هويّة (تك 33 :11؛ يش 15 :19؛ قض 1 :15؛ 1صم 25 :35؛ 30 :26؛ 2مل 5 :15) أو على معاهدة سلام (2مل 18 :31 إش 36 :16). المباركة هي أيضًا إكرام نؤدّيه للملك (2صم 14 :21؛ 1مل 1 :47؛ 8 :66)، وعرفان جميل لشخص أحسن إلينا (أي 29 :13؛ 31 :20؛ را 2 :19، 20)، وتحيّة الابن لوالديه (أم 30 :11)، والشعب لأبطاله (قض 5 :24؛ نح 11 :2؛ را 4 :14؛ يه 15 :10). بالبركة نعوِّض وضعًا أثّرت عليه اللعنة (2صم 21 :3؛ رج خر 12 :32). وهناك أيضًا كلمة العرّاف القويّة التي تفعل فلا تُردّ نتيجتُها (عد 22 :6). ومباركة الوالدين (سي 3 :9. في اليونانية : أولوجيا) ولا سيّما الأب على فراش الموت (تك 27؛ 48 :9-20؛ 49 :28؛ 1مك 2 :69) : فهو ينقل بوضع اليد وكلمة لا تعود فارغة (تك 27 :33-36)، كلّ قوى العائلة التي حملها. وهناك البركة المعطاة لصبيّة تنطلق لتؤسّس عيلة (تك 24 :6). وبركات الرؤساء الكبار في اسرائيل (تث 33 :1؛ يش 14 :13؛ 22 :6-8). (ب) بركة الرب للانسان. تاريخ الخلاص هو تاريخ البركة الالهية التي دخلت في العالم مع ابراهيم (تك 12 :2-3)، والتي يشارك فيها الآن جميع البشر بالايمان بالمسيح يسوع (غل 3 :9). إنّ الله لا يتخلّى أبدًا عن هذا العالم الذي خُلق حسنًا (تك 1 :4، 10، 12-18، 21، 25، 31) ونال بركة الله (تك 1 :22، 28؛ 5 :2؛ 9 :1، كهنوتي)، ولكنه قطع علاقته مع الله. وتبلبلُ الالسن الذي جعل الأمم تنفصل بعضها عن بعض (تك 11 :1-9) ليس الكلمة الأخيرة. فالرب بارك ابراهيم المؤمن (12 :2-3؛ 22 :17-18؛ 24 :1، 35)، وجعل منه بركة (ب ر ك هـ، 12 :2). "به تتبارك جميع عشائر الأرض" (12 :3). لقد بارك الله اسحق، ابن الموعد (26 :3-5، 24)، فانتقلت به البركة إلى يعقوب (تك 27 :28 :1-4) أبي القبائل الاثنتي عشرة (خر 1 :1-5) التي حرّرها الربّ من مصر (خر 1-15) وجعل منها شعبه في سيناء (خر 19-24). إن تاريخ اسرائيل هو تاريخ بركات الله، وتاريخ لعناته أيضًا ولا سيّما المنفى (التاريخ الاشتراعيّ). ولكن اللعنة ليست الكلمة الأخيرة لدى الربّ الذي يريد أن يخلّص شعبه ويجعل منه أيضًا بركة (زك 8 :13؛ إش 19 :24). إن بركة الله تُعطى للامناء، سواء كانوا شعب اسرائيل (خر 22 :22-33؛ تث 11 :26-28 :1-12؛ 30 :15-20) أو الأبرار في المزامير (5 :13؛ 37 :26؛ 109 :17؛ 151 :13) أو في الكتب الحكميّة (أم 3 :33؛ 10 :6-7؛ 28 :20؛ أي 1 :10؛ 42 :12). ومضمون هذه البركات يرتبط بالأرض (الحياة الطويلة، الخصب، السلام، الازدهار). ويتوافق مع النظرة إلى السعادة في حياة البدو (تك 24 :35؛ 26 :12-13؛ أي 1 :1-3 :10؛ 42 :12-17)، كما في حياة الفلاّح (تث 28 :1-14؛ 33 :11-13). غير أن بركة الله لا تعفي الانسان من العمل، ولكنها تخصب عمل يديه (تث 2 :7؛ 14 :29؛ 15 :10؛ 28 :8، 12؛ 29 :18) وتُنجح محاولاته ومشاريعه (أي 1 :10). إن بركة الرب التي موضوعها الانسان (ما عدا السبت تك 2 :3؛ خر 20 :11، كهنوتي، والذبيحة، 1صم 9 :13) قد عبّر عنها بعض الرجال المختارين في إطار شعائر العبادة (لا يستطيع الوثني بلعام أن يلعن بني اسرائيل لأنهم مباركون عد 22 :12، بل يجب عليه أن يباركهم، عد 23 :11، 25-26؛ 24 :10). فالملك هو مبارك وهو بركة (مز 21 :4، 7)، وهو يبارك الشعب في بعض الظروف (2صم 6 :18؛ 1أخ 16 :2؛ 1مل 8 :14، 55). والبركة هي في أغلب المرّات عمل قبيلة لاوي (تث 10 :8)، ولا سيّما الكهنة (لا 9 :22، 23؛ عد 6 :23؛ تث 21 :5؛ 1صم 2 :20؛ 1أخ 23 :13؛ 2أخ 30 :27؛ سي 50 :20-26). كل هذه البركات تتمّ "باسم (ب ش م) الرب" (تث 10 :8؛ 21 :5؛ 2صم 6 :18؛ 1أخ 16 :2؛ 22 :13؛ مز 129 :8) في صلاة من أجل طلب البركة (1صم 2 :20؛ 1مل 8 :15، 56-61). ونحن نجد عبارة المباركة الكهنوتية في عد 6 :24-26 (وُجدت على صفحة فضّة في اورشليم، وتعود إلى القرن 7 ق.م.)، وهي صلاة تحمل حضور الله وبركته على شعبه بدعاء اسم الله ثلاث مرّات. بمثل هذا تباركون بني اسرائيل، وتقولون لهم : "يبارككم الرب ويحفظكم. يضيء الربّ بوجهه عليكم ويرحمكم...وأنا أباركهم". (ج) الانسان يبارك الله. لا يستطيع الانسان أن يقدّم بركة (ب ر ك هـ) للرب. ونحن لا نجد اللفظة سوى مرّة واحدة (نح 9 :5) مع معنى "صلاة" في موازاة مع مديح. ولكن حين يلاحظ المؤمن البركة التي تتمّ في حياته وحياة اخوته المباركين، وفي تاريخ شعبه، فهو يبارك الرب ويُقرّ أنه ينبوع كل بركة : فالمباركة المعلّلة (لأن الله فعل كذا) تتجاوب مع البركة التي يجريها الله (تك 24؛ 27، 48؛ خر 18 :10؛ 1صم 25 :32، 39؛ 2صم 18 :28؛ 1مل 1 :48؛ 5 :21؛ 8 :15، 56؛ 10 :9؛ عز 7 :27؛ را 4 :14؛ طو 8 :15-17؛ 9 :5؛ 11 :14-15، 17؛ يه 13 :17-18؛ دا 3 :88؛ 2مك 15 :34). إن صلاة المباركة (التي تحتلّ حيّزًا هامًا في العالم اليهوديّ) هي إقرار بجميل الربّ الذي يكشف عن معجزاته (1مل 8 :15-21؛ طو 12 :6؛ مز 96 :2) في عمله (مز 31 :22؛ 103 :2؛ 241 :6). وأعمال الله تؤسِّس رجاء المتوسّلين (1مل 8 :22-53؛ طو 3 :11-15؛ 8 :5-7؛ نح 9 :3) وتلهم المدائح (مز 510؛ 351؛ 361؛ 414؛ طو 13؛ دا 3 :51-90). 2) العهد الجديد. لا ترد ألفاظ المباركة مرات عديدة في العهد الجديد، وهي تحتفظ بمعناها كما في العهد القديم. فلقب "مبارك" (اولوغيتوس) لا يُعطى إلاّ لله الآب (مر 14 :61؛ لو 1 :68؛ رو 1 :25؛ 2كور 1 :3؛ 11 :31؛ أف 1 :3؛ 1بط 1 :3). ومع أن لوقا يحيط مولد يسوع بالبركة (لو 1 :42، 64؛ 2 :34)، ورؤ 5 :12-13 ينسب البركة (اولوغيا) إلى الحمل، كما ينسب إليه سائر الكرامات الخاصة بالله (رؤ 7 :12)، إلاّ أنه لا يُعلن مباركًا (اولوغيمانوس) إلاّ في إيراد من العهد القديم (مز 181 :26؛ رج مت 21 :9 وز؛ لو 13 :35). بارك يسوع الأولاد (مر 10 :16). وحين ترك تلاميذه باركهم (لو 24 :5-51)، بعد أن وعد بعطيّة الروح القدس (لو 24 :49؛ أع 1 :4-8). فرجعوا بفرح عظيم إلى أورشليم وباركوا الله في الهيكل (لو 24 :52-53). وحسب عادة اليهود، بارك يسوع الله من أجل الخبز (مت 14 :19 وز؛ 24 :26 وز؛ لو 24 :30). إن مباركة مت 26 :26؛ مر 14 :22 تحمل معنى إفخارستيا يرتبط "بكأس البركة التي نباركها وهي مشاركة في دم المسيح" (1كور 10 :16). في المسيح "باركنا الله بكل بركة روحيّة" (أف 1 :3، 4-12)، فشاركنا في هذه البركة في الايمان بالانجيل وعطيّة الروح القدس (أف 1 :13-14). لهذا، جاء بولس رسول الانجيل إلى رومة "مع ملء بركات المسيح" (روم 15 :29). ويسوع الذي أقيم ربًا ومسيحًا بقيامته (أع 2 :36) قد أرسل ليبارك المؤمنين من اليهود (أع 3 :26) والوثنيين، فأشركهم ببركات ابراهيم المؤمن (غل 3 :6-9) بعطيّة روح الموعد (غل 3 :14). والمسيحيون الذين نالوا "عربون ميراثنا" (أف 1 :14)، قد دُعوا ليكونوا "مباركي الآب" (مت 25 :34). فلا يحقّ لهم بعد ذلك أن يلعنوا، بل أن يباركوا حتّى الذين يضطهدونهم (لو 6 :28؛ رو 12 :14؛ 1كور 4 :12؛ 1بط 3 :9).