أوّلاً : الأرض منذ العهد الهليني تُسمَّى بابلونية (انطلاقًا من العاصمة بابل أو بابلونة) الوحدة الجغرافية (أو السهل) التي يحدّه المجري العالي لدجلة والفرات والخليج الفارسي. فالقسم الشمالي من هذه المنطقة يسمّى أكاد (في السومري : أورى). والقسم الجنوبي سومر (في السومري : كنجي). مساحتها : 30000 كلم مربع. وخصب الأرض يتبع فيضان دجلة والفرات (من أذار إلى حزيران) اللذين تتوزّع مياهما في قنوات الريّ عبر كل البلاد. وحين يكون الفيض عظيما، تستطيع البلاد أن تُطعم شعباً كثيراً. المدن المهمة هي. في الجنوب : إريدو (ابو شهرين)، أور (مقيّر)، لارسا (سنكري) أوروك (وركة) لجش (تلو)، شوروفاك (فارا)، نيبور أو نيفور (نوفر)، ايسين (تل زبليه؟). في الشمال : أكاد (دير؟)، سيفار (أبوهبة)، أشنونا (تل اسمر)، أوفي أو اكشاك (أوفيس اليونانية)، سلوقية أو قطاسيفون : (طقسكرا)، كوتا (تل ابراهيم)، دور كوريجلزو (قرقوف قرب بغداد)، كيش (تل احمير) بابل أو بابلونة، برسيفا (بير نمرود)، دلبات (تل دلم). ثانيًا : السكان إن أقدم السكان الذين أقاموا في السهل البابلي (كما نعرفُ، أي منذ سنة 800 3 تقريبا) هم السومريون. حوالي السنة 3500، جاء بعدهم الساميون (أكاديون)، فأقاموا أولا في الشمال ثم في الجنوب. وبعد اجتياح ساميّ آخر (أموريون)، تسلّطت بابلونية على كل السهل. في ذلك الوقت بدأ التاريخ ًّبالمعنى الحصري. اذًا البابليون هم أكاديون امتصوا العنصر السومري. يشبه شكلهم شكل الأشوريين (كانوا يحلقون الشفة العليا) ولكننا لا نعرفهم تمام المعرفة، لأننا لا نجد إلأ القليل من الجدرانيات التي تصوّرهم. ثالثًا : التاريخ نحن نعرف تاريخ بابلونية أكثر مما نعرف تاريخ أشورية. وينابيع المعلومات هي الكتابات الملكية الأشورية، ولا سيّما هدد نيراري ورسائل ووثائق خاصة، ولوائح أسماء وكرونيكات ولوائح ملكية وكتب اليونانيين. وحسب النموذح الأشوري، يُقسم تاريخ بابلونية الى سلالات. نحن نعد عشر سلالات من السلالة الثانية والعشرين إلى السلالة الواحدة والثلاثين (إن السلالات الأولى ليست بابلية) موزّعة على ثلاث مراحل. أما التاريخ فمحدّد انطلاقا من سنة 747 ق.م. ولهذا نصحِّح حساب السنين على ضوء نصوص ماري. 1) دخل البابليون على مسرح الكون للمرة الأولى مع مملكة بابل القديمة (السلالتان 22 و23). المؤسِّس هو الأموري شومو أبوم الذي استفاد من خلافات المدن المستقلة التي من أصل أكادي مثل لارسا، ايسين (السلالتان 20 و21). وبفضل انقسام الخصوم، توصّل إلى فرض سيادة مدينة بابل (حوالي 1830 ق.م.). والملك السادس من سلالته هو الشهير حمورابي (1718-1676) الذي خلق دولة منظّمة عُرفت خاصة بقوانينها. ووسّع حمورابي مملكته إلى حدود ماري ًّوأشور ونينوى. ولكن خلفاءه لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه قوّة مزاحمة في الجنوب (أرض البحر أو المنطقة الساحلية في الجنوب والمحاذية للخليج الفارسي). ولكن ليست هذه القوّة هي التي دمّرت بابل (حوالي 1530)، بل مورسيلي، ملك الحثيين. 2) وسيطر على البلاد أسياد جدد : الكاسيون (السلالة 24)، الكسفيون والعيلاميون الآتون من الشمال. حملوا لغتهم وحضارتهم الخاصة، ولكنهم تخلّوا عنها شيئًا فشيئًا حين وصلوا إلى بابل. وما استطاعوا أن يجعلوا من بابل قوة عظمى. نحن نعرف الوضع الدولي في تلك الحقبة بفضل رسائل تل العمارنة. كرانيداش الأوّل وكوري جلزو الثاني تبادلا الرسائل مع أشورية ومصر. واتصل كدشمان انليل (حوالي 1390-1380) مع امينوفيس الثالث، وبورنابورياش الثاني (حوالي 1370-1345) مع أمينوفيس الرابع. في أيام أشوروباليت صارت أشورية قوة عظمى وسيطرت على بابلونية. حاول الملوك أن يستعيدوا استقلالهم، ولكن هاجمهم العيلاميون (شدتروك نحونتي الأول). حوالي سنة 1170، انطفأت سلالة الكاسيين. وما عتّمت أن جاءت مجموعة جديدة من الساميين : لقد اجتاح الكلدائيون أو الكلدانيون (الأراميون) البلاد ونحجوا في إعادة بناء القوة البابلية. ولكن ظلت البلبلة مسيطرة مدة من الزمن حيث كان يتعاقب على الحكم ملك أشوري وملك بابلي. الى هذه الفترة ينتمي مردوك افلا إدّينا (مرودك بلادان). 3) المملكة البابلية الحديثة (625-539، السلالة 31). في سنة 625، اعتلى العرش البابلي في شخص نبوفلاسر ملكٌ حازم. استفاد من الصعوبات الداخلية في أشورية، فعقد معاهدة مع كياكسار (أواكشترا) ملك ماداي. وفي سنة 612 احتلّ نينوى. وفي سنة 606 انتهت الحرب ضد أشورية. وتوسّعت السلطة البابلية وحضارتها ووصلت الى الأوج في أيام نبوخذ نصر الثاني (604-561). فهذا تغلّب على مصر سنة 605 ولم يكن بعد إلاّ وليّ العهد، لا الملك. في سنة 586 احتلّ أورشليم وفي سنة 576 احتل صور (؟) وسيطر على شاطئ البحر المتوسط. ولكن جاء الانحطاط سريعا مع خلفائه. فابنه اويل (أي رجل) مردوك (في العبرية : أويل مروداك : 561-559 شوّه الاسم ليعني المجنون والملعون) قُتل على يد صهره نرجال شرأوصور (559-556). وابن هذا، لباشي مردوك، قُتل هو أيضا سنة 556. وكان نبونيد (556-539) آخر ملوك بابلونية. في سنة 539 احتل كورش مدينة بابل وصارت بابلونية مقاطعة في المملكة الفارسية. رابعًا : الحضارة اللغة الأكادية. الكتابة المسمارية. بين إله البابليين، يذكر العهدُ القديم : بال، مردوخ، نبو، نرجال، سين، شمش، تموز. لا نستطيع أن نتعرف الى الآلهة التي تحمل اسماء مثل ادراملك، انا ملك، نباحاز، نسروك، سوكوت بتوت، ترتاك. خامسًا : اليهود في أرض بابل. (أ) الجذور. يعود اليهود العائشون في أرض بابل إلى جلاء النخبة اليهوذاويّة سنة 597، وسنة 587. أقام الملك يوياكين وبعض الوجهاء في بلاط بابل، ولكن المنفيين عاشوا في الضياع والقرى، على شاطئ القنوات (مز 371 :1 حز 1 :1) أو في الاماكن المتروكة مثل تل أبيب (حز 3 :15)، تل الملح، تل حرشا (عز 2 :59؛ نح 7 :61). أعادوا بناء ها وزرعوها (رج إر 29 :4-5). ولم تعُد إلى أورشليم سوى أقليّة ضئيلة مع زربابل، ثم مع عزرا. أما أكثرية المنفيّين وأولادهم فظلوا في بابلونية. شكلوا ثلاثة في المئة من عددالسكان، ولكنهم تسلّموا ستّة في المئة من الوظائف الاداريّة. قد لا تمثل هذه اللوحة مجمل بابلونية لأن مراجعنا المباشرة تعود إلى نيفور، ولاسيّما أرشيف موراشو. هذا يفّر غياب أصحاب الصناعات والجنود والموظّفين الكبار مثل نحميا، وذاك اليهوديّ الذي حُفر اسمه على نصب جنائزي يعود إلى الحقبة الفارسيّة وقد وُجد في اناتولية (سرديس). حسب يوسيفوس (العاديات 11 :338). ثبّت الاسكندر حقوق يهودي بابل، وقد وقد خدم عدد كبير منهم في الجيش المكدوني (أبيون 1 : 192)، ونحن نجد فرقة يهودية في الجيش السلوقي (2مل 8 :20) وحسب يوسيفوس (العاديات 12 :147-153)، نقل أنطيوخس الثالث الكبير ألفي عائلة جنود من بابل إلى أناتوليّة الغربية.نجدهم في النصف الثاني من القرن الخامس، ولا سيّما في منطقة نيفور، حيث عملوا في تربية المواشي والزراعة وصيد السمك. (ب) الحقبة الفراتيّة والاسانية : المعلومات التي نمتلكها عن اليهود البابلونيين في الحقبة الفراتية، نادرة. وإن الوثائق التي دُنت على السارق او البردي قد تلفت. غير أن يوسيفوس يقول إن يهوديًا (زماريس) هاجر مع كل عشيرته إلى باتانية (بيت عانوت)، حيث منحه هيرودس الكبير امتيازات (العاديات 17 :23-31). وفراتيّو أع 2 :9. دُونِّت هم على ما يبدو من مملكة الفراتيين الذين أقاموا في باتانية. في أيام ارتبان الثالث (12-38 ب.م.) وُجدت إقطاعة يهودية في منطقة نهارديا (العاديات 18 :310-379) ظنّت جماعتها أن الملك يوياكين المنفيّ هو الذي أسّس مجمعها في بداية القرن 2 ب.م.، زار رابي حقيبة نهارديا (مش يبموت 16 :7) التي وقعت على ملتقى الفرات ونهر مالي الحالي، جنوبي شرقي بغداد. في ذلك الوقت، كانت المدينة مركز رئيس الجلاء اليهوديّ وإحدى الاكادميات المشهورة لحكماء بابل اليهود. دُمِّرت المدينة سنة 262 ب.م. بيد أذينة. سيّد تدمر، حين هجم على المدائن (قطاسيفون)، فانتقلت الحماعة إلى بوبيديتا. إن تل بابل جطين 14ب وتل أور قدوشين 3، 4، 64 أ يتحدثان عن يهود بابلونيين تسمّوا بأسماء فارسيّة. وارتدوا الملابس الارستوقراطيّة الفراتيّة. ووصول الساسانيين إلى الحكم، سنة 224 ب.م.، كان بداية معوقات على حرّية اليهودي الدينيّة، مع أن اللاتسامح الاردشتي لدى يردشير الاول (224-241) وشهبور الأول (241-272) ونرسيس (293-302) ظلّ مخفّفًا. فظلّت اكادمية بومبيديتا الواقعة على الفرات، غربي بغداد، تواصل التقليد القديم في ما يخصّ العصور اليهودية في بابل، فوصلت إلى الذروة مع شهبور الثاني الكبير (310-379). في ذلك الوقت أيضًا، نمت اكادميّة محوزا، على جانب دجلة الايمن، في لقائه مع نهر مالي، وعلى بعد 35 كلم إلى الجنوب الشرقي من بغداد، ساعة عرفت اكادمية سورا سنوات مشعّة في أيام رابي أشي (367-427). كانت قد تأسست في نهاية الحقبة الفراتيّة، حوالي سنة 219. على بعد 80 كلم جنوبي غربي بغداد، على ملتقى شطّ النيل وفرع الفرات الشرقيّ، المدعو هيلة. ولكنها نُقلت في أيام رابي آشي من سورا إلى موقع قريب من ماته محسيا. حفظت هذه الاكاديمات تراون و تريون. كما حفظت مش وتوس. كما كان لها نفوذها الثابت في الاوساط اليهودية، حتّى خارج بابلونية. وهكذا صار تل بابل حين انتهى (القرن 6) القاعدة التي يسير عليها العالم اليهوديّ. غير أن التدوين الأخير تمّ في ظروف صعبة. فتعصّب مزداك الديني، الذي سانده الملك خواز الاول (488-531) كان السبب لاضطهاد اليهود الذين دافعوا عن نفوسهم، سبع سنوات، في منطقة محوزا، إلى أن هُزم رئيس الجلاء، مار زوترا الثاني، وقُطع رأسه سنة 520. وتحسّن الوضع وثبُت في أيام كسرى الاول (531-579). غير أن تأثير المجوس كان أقوى من أي وقت مضى، بحيث لم يعد من شيء شرعي وصالح إن لم ينل موافقة أحد المجوس (كما قال اغاتيوس اسكو لشيلي في الآباء اليونان 88 : 1388).