الـمـحـيـط الـجـامـع

المحيط الجامع في الكتاب المقدس و الشرق القديم

الخوري بولس الفغالي دكتور في الفلسفة و اللاهوت
دبلوم في الكتاب المقدس و اللغات الشرقية
تقديم

منذ بضعة أعوام , و خلال إقامة قصيرة في بلجيكا , بدأت أولى التمتمات لما سميناه حين أطلقنا المجموعة الكتابيّة , أسماء العلم في الكتاب المقدس . و كتبنا أولى الكلمات , و تكاثرت الوريقات لتقدم أسماء العلم و أسماء الأماكن في الكتاب المقدس و الشرق القديم . فهل نستطيع أن نفصل الأرض المقدسة , فلسطين , عن سائر الممالك التي تحيط بها و قد سبقتها أجيالاً و أجيالاً على مستوى الحضارة ؟ و هل نستطيع أن نفصل عالم التوراة عن عالم آداب البلدان المجاورة في هذا الشرق الذي يمتد أقلّه من بلاد فارس حتى مصر مروراً بهذه الممالك الصغيرة التي اسمها أوغاريت و صور و صيدا و جبيل و نوزو و بابل , التي انطلق بعضها من مدينة و امتد فصار إمبراطورية كالآشوريين و البابليين و الفرس و يونان الاسكندر الكبير , بانتظار الرومان الذين في أيامهم ولد يسوع المسيح . فهذا الذي كان عنوانه أسماء العلم في الكتاب المقدس لم يكتفي بأن يضم أسفار العهد القديم و أسفار العهد الجديد , بل ذهب أبعد من ذلك , فتحدث عن الأسفار القانونية في الكتاب المقدس , كما تكلم عن الأسفار المنحولة و توقف عند الحضارات و العادات التي نجدها في هذا الشرق . تكلم عن المجتمع المدني من خلال الزواج و الطلاق و شريعة السلفيّة . كما عن النظم السياسية و الدينية , فذكر الهيكل و المجمع و الذبائح و الكهنة , و أعياد بني إسرائيل التي أخذوها عن العالم الكنعاني بعد أن دخلوا إليه متحولين من البداوة إلى الحضارة , عاملين في الزراعة قبل أن يسكنوا في المدن . و ما اكتفى العمل بهذا المقدار , بل امتد إلى زمن المسيح و ما بعد المسيح , فرافق تطور الفكر اليهودي حتى زمن تدوين تلمود بابل في القرن الخامس ب م و في الوقت عينه , توسع في ترجمات التوراة و العهد الجديد إلى لغات العالم أجمع مع السريانية و اللاتينية و القبطية و الحبشية ... حتى ترجماتنا العربية المعاصرة . لهذا السبب صار هذا الكتاب أكثر من كتاب بسيط , فضم المجموعات التي تعاطت مع الكتاب المقدس , في العالم اليهودي و في العالم الإسلامي , ثم في جميع الكنائس من قبطية و حبشية و سريانية ... و من أرثوذكسية و إنجيلية و كاثوليكية . فالكتاب المقدس لم يكتب مرة واحدة . بل مرت عليه أجيال , بل قرون بالنسبة إلى العهد القديم , منذ اللفظة الأولى في زمن موسى , عبر داود و سليمان و مدارس الكتبة و معابد اللاويين و هيكل الكهنة في أورشليم حتى زمن المسيح . أما العهد الجديد فقد بدأ مع يسوع و انطلق في جماعة الرسل و الكنيسة الأولى , و ما انتهت الكتابة فيه قبل بداية القرن الثاني . امتزجت الكتب القانونية التي هي قاعدة الإيمان و الحياة مع كتب منحولة ستفرزها الكنيسة لتقدم للمؤمنين كتاباً مقدساً في عهديه القديم و الجديد . و ها نحن الآن نقدم هذا البحث الطويل الذي قمنا به من خلال القواميس و المعاجم و الكتب العديدة , نزيد و نستزيد إلى أن صار هذا الذي بين أيدينا . فسميناه المحيط الجامع في الكتاب المقدس و الشرق القديم . لم يعد موضوعه موضوعاً واحداً محدداً . و لم تعد دراسته محصورة في ناحية من النواحي بل هو ضم العدد الكبير من المواضيع و توقف عند مختلف النواحي التي تتصل بالكتاب المقدس من قريب أو بعيد . لهذا أعطيناه إسماً يفهمنا أننا معه ندخل في رحاب الكتاب المقدس . ذاك هو المحيط الجامع في الكتاب المقدس و الشرق القديم . إنه خطوة أولى على مستوى التاريخ و الجغرافيا و الحضارة و طرق التفسير و أساليب الترجمات . و نحن نرجو أن تتبعها خطوتان : واحدة تدرس ألفاظ العهد الجديد من الناحية اللغوية و اللاهوتية و ثانية تدرس ألفاظ العهد القديم و هكذا نكون مع المدخل إلى الكتاب المقدس الذي ظهر في المجموعة الكتابية في ستة أجزاء , و مع إزائيّة الأناجيل الأربعة , و مع العهد الجديد , ترجمة بين السطور و مع هذه الموسوعة التي سميناها المحيط الجامع في الكتاب المقدس و الشرق القديم , قد بدأنا نقدم للقارئ العربي ما يحتاج إليه من مراجع ليدخل في عالم من الأدب الإلهي تعدت ترجماته ألفي لغة و لهجة في القارات الخمس و مازال يلهم الكتاب و الشعراء و الرسامين , بل كل أهل الفن . فبعد قاموس الكتاب المقدس الذي صدر أول مرة سنة 1894 ( الجزء الأول ) و 1901 ( الجزء الثاني ) , ثم أعيدت كتابته سنة 1981 على يد عدد كبير من المعلمين , و بعد أن أخذت دائرة المعارف الكتابية تظهر عن دار الثقافة في مصر , و بعد أن كانت محاولات صغيرة هنا و هناك , أردنا أن نقدم بدورنا المحيط الجامع في الكتاب المقدس و الشرق القديم . فنرجو من وراء هذا الإصدار أن نفتح عالمنا العربي على حضاراته الشرقية القديمة التي كانت منبع فكر مازال العالم كله يغرف منه حتى الآن . نشير هنا إلى أننا أخذنا النصوص من الترجمة المشتركة التي عمل فيها المرحوم يوسف الخال حتى وفاته فنقل مع أنطونيوس نجيب , مطران المنيا في مصر , العهد الجديد , و مع الأب بولس الفغالي العهد القديم . و بعد وفاته تابع الأب فغالي العمل مع الشاعر أسعد خير الله ثم مع الشاعر فؤاد رفقة . أما اختيارنا لهذه الترجمة فسببه اقترابها من النص الأصلي و انتشارها الواسع في كل العالم العربي , كما لدى الناطقين بالعربية في مختلف أصقاع العالم .