مقدمة
ليس التاريخ بالنسبة إلى المؤمن تكراراً متواصلاً، وإنما ينطوي على تقدّم وتجديد بفضل افتقادات من الله، في أزمنة، وأيام، وساعات، ولحظات محظوظة. إن الرب قد أتى، ويأتي بتواصل، ليدين العالم ويخلّص المؤمنين. في مثل هذا الإطار الجامع، للدلالة على تدخّل الله بصورة عامة ظاهرة في مجرى التاريخ، تشكّل عبارة "يوم الرب"، تعبيراً مختاراً، يلخّص أحياناً بلفظ "اليوم" أو "ذلك اليوم". ويؤدّي التعبير مفهوماً مزدوجاً ، فيفيد قبل كل شيء حادثاً تاريخياً، لليوم بالذات الذي يشهد نصر الله على أعدائه، ويعبّر أيضاً عن مدلول يتعلّق بالعبادة، أي لليوم المكرّس بنوع خاص لعبادة الله. وهذان المعنيان لا يخلوان من قيام علاقة تربط بينهما. فالعبادة تذكّر بتدخّل الله في التاريخ وتنبئ به. وأما الحادث التاريخي، فبما أنه يصدر عن الله، فهو يبرز على هامش الزمن، ويتعلّق بحاضر الله الأبدي. الذي على العبادة أن تجعله حاضراً في الزمن.
العهد القديم
أولاً: إعلان يوم الرب
يبدو أن إسرائيل كان يتوقّع من يهوه تدخلاً وهّاجاً لمصلحته فقد ورد تعبير مبكر جداً في الاعتقاد الشعبي. إذ كانوا ينتظرون "يوم نور" (عاموس 5: 18). فالواقع أننا خلال مختلف التطبيقات التي جاء بها الأنبياء من القرن الثامن إلى القرن الرابع، نصادف ذات النهج في وصف يوم الرب. فهو يوم قريب (حزقيال 30: 3، إشعيا 13: 6، يوئيل 1: 15)، حيث يطلق يهوه صرخة الحرب (صفنيا1: 14، إشعيا 13: 2)، ويجمع جيوشه من أجل المعركة ( إشعيا 3:13 - 5). إنه يوم غمام (حزقيال 30: 3)، وثأر (صفنيا1: 18، ملاخي 3: 19)، والسماوات تطوى ( إشعيا 34: 4)، والأرض ترتعد (يوئيل 2: 1 و10- 11) ، والعالم يخرب ( إشعيا 7: 23)، غارقاً في عزلة شبيهة بعزلة عامورة (صفنيا 2: 9) والصحراء ( إشعيا 13: 9). يستولي الذعر على البشر (إشعيا 2: 10 : و19). فيختبئون (2: 21) وقد سادهم الاضطراب حزقيال 7: 7)، وأخذهم الهلع (إشعيا 13: 8)، وابتلوا بالعمى (صفنيا1: 17)، وأذرعهم تتهاوى (حزقيال 7: 17)، وقلوبهم ترتجف (إشعيا 13: 7)، فم يعودوا يستطيعون الوقوف كل أرجلهم (ملاخي 3: 2) إنه الفناء العام (صفنيا1: 18) والدينونة، والفرز (ملاخي 3: 20)، والتنقية (ملاخي 3: 3)، إنها النهاية (حزقيال 7: 6 - 7). ولئن كان هذا الوصف، بعد السبي، يشير إلى اليوم الأخير، إلا أنه ينطبق ، أول ما ينطبق، على أحداث مجرى التاريخ. وعلى هذا النحو كان خراب أورشليم "يوم الرب " (حزقيال 13: 5، 34: 12، مراثي 1: 12، 2: 22). ومن ثم فلا ينبغي أن يبحث عن أصل هذا النهج في أسطورة من أساطير حرب الآلهة (وإن كان التصوير الخاص باليوم يحتفظ ببعض الآثار الأسطورية)، ولا أن يبحث عنه حتى في شعائر العبادة (ولو أن الأعياد ذاتها كانت توصف ، "بيوم الرب "). ففي الخلفية يقوم اختبار تاريخي: تدخلات يهوه الذي يحارب من أجل شعبه، أمثال "يوم مدين"، حيث تميّز يهوه بإعطاء إسرائيل نصراً عجيباً (إشعيا 9: 4، راجع قضاة 5: 15- 25)، ويوم يشوع (يشوع 10: 12- 13)، ويوم يزرعيل (هوشع 2: 2)، أو "أيام" نصر عديدة أخرى (إشعيا 28: 21، راجع 2 صموئيل 5: 17- 25). فتبعاً لتقليد الحرب المقدسة، كان يهوه يدخل المعركة بإطلاق صرخة الحرب (عدد 10: 35- 36، مزمور 68: 2)، فيوقف عند الضرورة الشمس (يشوع 10: 12- 14، راجع خروج 14: 20، يشوع 24: 7)، ويدعو لخدمته الغمام (قضاة 5: 4- 5)، أو الرعد (1 صموئيل 7: 10)، أو الحجارة السماوية (يشوع 10: 11). وكان يلقي الرعب في صفوف الأعداء ويفنيهم (خروج 15: 14- 16 ،27:23 - 28، يشوع 9:2 ، 1:5...) . وانطلاقاً من ذكرى ملحمته الوطنية، فقد أخذ إسرائيل يصيغ مفهومه عن يوم الرب، ويثّبت من خلال هذه الصور، إيمانه بأن يهوه هو الرب التاريخ.
ثانياً: انتظار اليوم الأخير
إن يهوه يقود التاريخ نحو نهايته. ولذا فإن إعلان يوم الرب بالنسبة إلى إسرائيل، سيتحوّل إلى إعلان يوم للعالم أجمع. وهذا اليوم لن يقع خلال مجرى الزمن، بل في نهاية الأزمة، عند نهاية العالم الحاضر. في البداية كان أفق يوم الرب مقتصراً على إسرائيل. وبينما كان الأنبياء يقاومون ضد أمان الشعب المغرور باعتقاده أنه لا بدّ وأن يخلص دون ما شرط من كل صعابه، كانوا يسيرون ضد تيار الرجاء الشعبي، مع أو بدون عبارة "يوم الرب" (عاموس 5: 18- 20 ، هوشع ، إشعيا 28: 14- 16، ميخا 1: 2 - 3، إرميا 4). فذلك اليوم سيكون يوم نصر لإسرائيل، بالنسبة إلي البقية الباقية منه فقط. ومع النبي صفنيا (القرن السادس ق. م.) أخذ الأفق يتّسع، وإن اليوم سيشمل الأمم المعادية (صفنيا 2: 4- 15)، وسيعدّ لهدايتهم وتجديد إسرائيل (3: 9- 18). ومع السبي، بعد أن دُمِّرت أورشليم بيوم غضب يحوه (مرائي 1: 12)، يتأكد موضوع "اليوم" مضاعفاً، دينونة الأمم، ونصر لبقيّة إسرائيل. ذلك اليوم يصيب بابل (إشعيا 13)، وأدوم (إشعيا 34). وبالنسبة إلى إسرائيل الذي ينبغي أن يتطهّر على الدوام (ملاخي 3: 2، زكريا 13: 1- 2) فهو حماية مضمونة (زكريا 12: 1- 4). وهبة الروح ساعة الأمم قد أذنت (حزقيال 30: 3- 4)، ذلك هو "يوم انتقام يهوه" (إشعيا 34: 8). وسينتقم لإسرائيل من أعدائه (إرميا 46: 10)، لأن ساعة الأمم قد أذنت (حزقيال 30: 3- 4): ذلك هو "يوم انتقام يهوه" (إشعيا 34: 8). وبنفس الاتجاه ، يمتدّ يوم يهوه إلى الأمم ، ويؤجل حتى آخر الأزمنة. وابتداء من حزقيال، أخذ هذا اليوم يشير إلى"الإنقضاء" (حزقيال 7: 6- 7). ومع دانيال سيكون اليوم "نهاية العالم" (دانيال 9: 26، 11: 27، 12: 13) ، مسبوقة "بأزمنة النهاية" (8: 17، 11: 35 و40، 12: 4 و9). وصور حروبب يهوه ضد أعداء إسرائيل (راجع زكريا 14: 12- 20) تزداد غنى بفضل الصور الكونيّة التي تمثّل معركة يهوه الأصليّة، وقت أن انتصر على الوحوش ، وعلى الخواء. ومع ذلك يظل هناك اتّصال مع التاريخ. فالتحالف المنظم في أربعة أركان العالم ضد أورشليم (زكريا 12: 3) سيحطّمه يهوه، وسيعترفون بأنه قاضي كل الأرض (مزمور 94: 2، 96: 13)، والأرض بأسرها ستخلو من السكان (إشعيا 24: 1)، وستفنى الشعوب التي قادها جوج (حزقيال 38)، كما ستفنى الآلهة التي كانت توجّههم . إن يوم يهوه سيسجّل على هذا النحو نصر الله النهائي على أعدائه. ومزامير الملكوت تحوّل هذا الرجاء إلى صلاة. وذلك باستدعاء إله الثأر (مزمور 94)، وبإعلان أن الله سيملك (مزمور 93، 96- 99 ) .
العهد الجديد
بمجيء يسوع المسيح يكتسب الزمن بعداً جديداً، يبدو في تشعّب المصطلحات المستخدمة، التي تعرض باستمرار للإشارة إلي يوم الافتقاد (1 بطرس 2: 12)، والغضب (رومة 2: 5)، والدينونة (2 بطرس 2: 9)، وإلى "ذلك اليوم" (متى 7: 22)، وإلى يوم الرب (1 تسالونيكي 5: 2، 2 تسالونيكي 2: 2)، ولكن أيضاً إلى يوم الرب يسوع (1 كورنتس 1 : 8)، ويوم المسيح (فيلبي 1 : 6- 10)، ويوم ابن البشر ( لوقا 17: 24- 26). كما نصادف كذلك لفظ epiphaneia الرؤيا (2 تسالونيكي 1: 7، 1 بطرس 1 : 7- 13)، ولفظ apokalypsis الظهور (1 تيموتاوس 6: 14، تيطس 2: 13)، ولفظ parpusia المجيء الثاني المجيد (متى 24: 3 و27، 1 تسالونيكي 2: 19، 2 تسالونيكي 2: 1، 1 كورنتس 15: 23، يعقوب 5: 7- 8، 1 يوحنا 2: 28). ويعني هذا اللفظ الأخير عادة "حضور" (2 كورنتس 10: 10)، أو " مجيء " (2 كورنتس 7: 6- 7). وكان يستخدم في العالم اليوناني- الروماني للدلالة على زيارات الأباطرة الرسميّة. وقد يكون استخدامه في العهد الجديد أيض1 مستمد1 من تقليد العهد القديم الرؤيوي عن " مجيء الرب " (مثل1 زكريا 9: 9). وكما يتّضح من مصطلحات العهد الجديد، فإن يوم الرب يفيد من بدء أمره يوم المسيح. وإن بعض النصوص (2 تيموتاوس 1 : 10) تشير مسبقاً إلى "ظهور" الرب حتى في التجسد ، وبعضها الآخر توضّح حركة روحنة، مع احتفاظها بالمجموعة الرؤيوية في العهد القديم.
أولاً: مجيء الرب
ترى، هل مجيء الرب قد تحقق تماماً بظهور يسوع الناصري، الذي صار رباً على الأرض ؟ لا يزال بعض لتساؤل قائماً بين مفهوم آخر الأزمنة التقليدي وبين تحقيقه في لحاضر. فيعلن المعمدان أن قاضي الأزمنة هو الذي "يأتي" (متى 3 : 11 ). و"يأتي" الروح على يسوع في العماد (3: 16). ومع ذلك يتساءل يوحنا، هل يسوع "هو الذي يجب أن يأتي" (11: 3). وأما يسوع فيعلن أن "ملكوت السماوات هو هنا " ، بصيغة شبيهة بتلك التي كانت تعلن في العهد القديم عن يوم الرب، أنه " قد أتى " (12: 28). تحقّق العنصرة نبوءة يوئيل: إن يوم الرب يفتتح " الأيام الأخيرة " (أعمال 2: 17). كما أن دخول الأمم الوثنية الكنيسة، يحقّق نبوّة عاموس (أعمال 15: 16-18). ومح ذلك فلا الفصح ولا العنصرة، يطلق عليهما، خارج شعائر العبادة، عبارة " يوم الرب ". هذا وان هذه العبارة وقد تحققت بنوع ما في " أيام " الرب يسوع. لا زالت تحمل رجاء المسيحيين، الذين ينتظرون عودته.
1. يوم ابن الإنسان:
ذلك هو المنتظر في آخر الأزمنة، يسوع الممجّد، حاملاً السمات التي أوردها دانيال عن ابن الإنسان، وعلى نحو ما أنبأ به هو نفسه ( لوقا 17: 24- 26). في هذه المجالات يردّد يسوع هنا أوصاف العهد القديم التقليدية، مع مجموعة الظهورات الإلهيّة العظيمة، وعلامات آخر الأزمنة ، وخاصة في الرؤيا الإزائية " ( متى 24// ) . فنصادف ضمنها العناصر الحربية (24: 6- 8)، والكونية (24: 29)، وانتفاضة الوثنيين (24: 15)، وفرز الدينونة (24: 37- 43)، والطابع الفجائي وغير المتوقع لليوم الآتي (24: 44). فالجديد بالنسبة إلى العهد القديم، هو مجيء ابن الإنسان في مجده (24: 30- 31). وقد استخدمت صور مماثلة في النصوص الأخرى الرؤيوية من العهد الجديد. فهكذا يذكر بولس البوق ورئيس ملائكة النهاية (1 تسالونيكي 4: 16- 17، 1 كورنتس 15: 52)، ويذكّر بان ذلك اليوم سيأتي كاللص، جالباً معه آلاماً مبرّحة (1 تسالونيكي 5: 3)، وبأنه سيسجل النصر النهائي على الأعداء (1 كورنتس 15: 24- 28) . إلا أنه يضيف أيضاً، أنه ستحدث إذ ذاك قيامة الأموات والملاقاة مع المسيح النازل من السماء (1 تسالونيكي 4: 16- 17). ويحتفظ كتاب الرؤيا كذلك بمجموعة من العبارات الحربيّة (غضب، أسلحة، هتافات، نصر)، والقضائية (جلسات رؤيا 20: 11- 12)، والكونية (21: 1). وباختصار فإن نصر الله سيتلألأ في يوم الرب (العهد القديم) بواسطة ابنه يسوع (العهد الجديد). ففي سبيل الخلاص (1 بطرس 1: 4- 5) سيجدّد كل شيء (أعمال 1: 6، 3: 20)، وستتحوّل أجسادنا إلى جسده الممجّد (فيلبي 3: 20-21).
2. ضوء على الوجود اليومي:
إن الحادث الآتي له أثره في هذه الدنيا، وهو يحدّد تصرف المؤمن وسلوكه. فيتيح مجيء المسيح الثاني المجيد تقدير الأشخاص حق قدرهم (1 كورنتس 3: 13)، والفصل في معنى الأفعال البشرية (4: 3- 5)، وتقييم وزن ورصانة هذا العالم، الذي "صورته في زوال " (7: 31). وينير التطلع إلى المجيء الثاني العديد من أحكام بولس (راجع 6: 12- 14، 7: 26...)، ويحفظ المسيحي في الرجاء (تيطس 2: 13)، ويجعله يتقبّل بفرح الاضطهاد كمقدمة سابقة لليوم الأخير (1 بطرس 4: 13- 14)، الذي ينبغي أن نرجوه : " ليأت ملكوت الله ! ". أأن الله سيقود عمل الخلاص إلى تمامه (فيلبي 1: 6)، بتثبيت المؤمنين وجعلهم بلا عيب (1 كورنتس 1 : 8 ، فيلبي 1: 9- 10، 2 تيموتاوس 1: 12 و 18)، هؤلاء الذين ينتظرون بحب هذا الظهور الأخير (2 تيموتاوس 4: 8). وهذه الثقة ، التي يرغب كتاب الرؤيا، في إثر بولس، أن يبثّها، هي أساس عزة نفس المسيحي، الذي يتطلّع إلى عودة وشيكة للرب (1 يوحنا 2: 28، 4: 17)، فيكون من الآن في مواجهة مع حالات ظهور المسيح الدجّال (4: 1 - 4 ) .
ثانياً: مجيء المسيح الثاني وشيك ومتأخر
إن انتظار الرب، مثل مجيئه، محفوف باللبس، فلئن تأكد المؤمنون بأن " يسوع ، هذا الذي رفع عنهم ، سيعود كما رأوه ذاهباً إلى السماء " (أعمال 1: 11، إلا أنهم يجهلون تماماً ساعة هذا المجيء (متى 24: 42). وأن اعتباره وشيكاً على الدوام أمر قد استحوذ على ضمير إيمانهم بشدة، بحيث إنهم تلقائيا يميلون إلى افتراض أنه قريب الحدوث. ويؤيد تقليد العهد الجديد أنه وشيك الحدوث في جوهره، داخل إطار " تأخير " يبدو بديهياً، أكثر فأكثر: فكونه وشيك الحدوث لا يعني على وجه الدقة اقترابه في الزمن.
1. في اقتراب المجيء الثاني:
يبدو أن المؤمنين، في فجر الكنيسة، وقد لبسوا نور الفصح والعنصرة، قد ظنوا أن المسيح سيأتي من فوره. وتعكس جماعة تسالونيكي أيضاً هذا الاقتناع ببعض التجاوزات التعليمية. فاعتبروا أنه لن يكون للموتى نصيب في بركة المجيء الثاني المجيد (1 تسالونيكي 4: 13...)، وأن العمل لم يعد ضرورياً ما دام الرب يأتي (2 تسالونيكي 3: 6)، بل أكثر من ذلك، إن المجيء قد حدث من قبل. وتصحيحاً لهذه الأوهام لا يقول بولس أبداً بان المجيء الثاني المجيد سيأتي بعد حقبة طويلة من الزمن، بل بالعكس يداعبه الأمل بأن يكون إذ ذاك حياً يرزق (1 تسالونيكي 4: 17). على أنه يلحّ بنوع خاصّ بالقول بوجوب السهر، لأن " اليوم يأتي كاللص ليلاً " (1 تسالونيكي 5: 2). إلاَّ أنَّ صفة الوشيك في المجيء الثاني من الصعب التعبير عنها دون أن تنعكس على إطار الزمن: فإن كل ما هو وشيك يبدو " قريباً ". على هذا النحو فإن من كتبوا العهد الجديد يصنّفون المجيء الثاني المجيد على أنه " أكثر قرباً " الآن منه في البدء (رومة 13: 11): لقد اقترب اليوم، والدينونة قريبة (1 بطرس 4: 5- 7)، إنه بعد قليل يأتي اليوم الآتي (عبرانيين 10: 25 و 37)، ويقول يسوع: "إني آتٍ على عجل " (رؤيا 22 : 20 ) .
2. في تأخر المجيء الثاني المجيد:
ينجم عن ذلك أنه في نظر المؤمن ، يبدو المجيء المجيد آتياً ببطء. وكان يسوع قد أنبأ عن الإبطاء (متى 25: 5 و19)، حاثّاً للسبب عينه، على سهر متواصل (24: 42- 51)، يساعد على حفظ الوصيّة دون ما عيب (1 تيموتاوس 6: 15). فالزمن الذي يفصل عن المجيء الثاني، ينبغي استغلاله في الإنجاز بالوزنات (متى 25: 14- 30)، وفي إغاثة الآخرين من البشر (25: 31: 46)، وباتّباع الوصية الجديدة التي علّمها يسوع بمناسبة انطلاقه، مع إنبائه عن عودته (يوحنا 13: 33- 36). "فما دامت لنا الفرصة، على حدّ قَول القديس بولس ، فلنحسن إلى جميع الناس" (غلاطية 6: 10، راجع كولسي 4: 5، أفسس 5: 16). فإذا ما تأخّر المجيء الثاني، وجب علينا، في الواقع، أن نحذر من الإصغاء إلى المعلّمين الكذبة. لأنَّ المجيء الثاني سيتمّ في أوانه بكل تأكيد (2 بطرس 3: 10)، وإذا كان الآن لم يتغيّر شيء في الظاهر (3: 4)، فذلك لأننا ننتظر عقاب العالم بالنار" (3: 7). وإذا ما تطلّب المجيء الثاني منا الانتظار، فذلك لأن الرب لا يقيس الأزمنة كما يقيسها أبناء البشر (3: 8)، ولأنه تعالى يأمل، في صبره ، اهتداء جميع البشر (3: 8-9). ومن ثم ينبغي للمؤمن أن يصلّي ليأتي المجيء الثاني، لأن إتيانه معناه مجيء الملكوت في ملئه: "إن ربنا يأتي"، كما كان يردّد المسيحيون الأولون (1 كورنتس 16: 22، رؤيا 22 : 17 و20).
ثالثاً: فصح ومجيء مجيد
مهما يكن من أهمية نهاية التاريخ المكلّل بمجيء الرب، فلا ينبغي أن تبهر هذه النهاية المؤمن إلى حد طمس معنى يوم الفصح ويوم العنصرة. فالمسيح هو من الآن في مجده، وهو معنا في كلّ حين.
1. أبناء النهار (1 تسالونيكي 5: 5):
إن بولس باستخدامه هذا التعبير، إنما يعكس الإيمان المشترك بين المسيحيين، فالمؤمن منذ أن ق0ام المسيح، لم يعد متعلقاً بالليل فقط ، وإنما يخص النهار، واليوم لم يعد فقط منتظراً في مستقبل وشيك- الأمر الذي من شأنه إضاءة سلوك المسيحي- بل هو قائم روحياً في باطن المؤمن إلى حد أنه يصبح "ابن النور" (أفسس 5: 8). إن مثل هذا الاعتقاد معرب عنه في مجال آخر، بأسلوب لاهوتي: لقد قمنا مع المسيح من الآن بالعمـاد (رومة 6: 3- 4)، وفزنا بالخلاص منذ الآن (أفسس 2: 5- 6)، وحياتنا في الله (كولسي 3: 3 - 4).
2. في الإنجيل الرابع:
يبقى الخلاف بين المستقبل والحاضر قائماً ، وإن كانت حقيقة الخلاص الحالّية تتغلب على انتظارها في المستقبل، فمواضيع الأيام الأخيرة التقليدية تبرز هنا مجدّداً : الشدّة المسيانية (يوحنا 13: 19، 14: 1 ... ، 16: 1- 4)، اليوم الأخير (6: 39- 40 و44 و54، 11: 24، 12: 48)، مجيء يسوع (22:21- 23)، قيامة الدينونة (5: 28، 11: 24)، النار (15: 6)، العدو المطروح خارجاً (12: 31 )). للا أن كل شيء ويتمّ منذ الآن (5: 25، 12: 31)، وإن صوت ابن الله لا يحلّ مكان بوق الدينونة (5: 25)، والدينونة تتمّ ، والغضب ينزل على غير المؤمن (3: 36)، والحياة الأبدية أعطيت (5: 24)، والمجد أظهر (1: 14، 2: 11، 11: 40). لقد أتت الساعة ، التي هي آلام ابن الإنسان المجيدة (12: 27 و31، 13: 1، 17: 1). ذلك أنَّ فعل الإيمان بيسوع الماثل بشكل مطلق، يجعل يوم الدينونة حاضراً (5: 24، 6: 47)، وأخيراً فإن الكنيسة هي موضع حضور المسيح ، عندما تثبت في وصية المحبة (13: 35 ) . أما بدون الإنجيلي يوحنا، أن يتخلّى عن المجيء المجيد الوشيك. فقد أضفى الروحانية على التقليد، إذ جعل يوم الرب حاضراً بالإيمان .
3. الأحد، يوم الرب:
إن المجيء الثاني المجيد يصبح حاضراً أيضاً في العبادة. ويتحدّث يوحنا في كتاب الرؤيا عن "يوم الرب ". وهو يوم الأحد (رؤيا 1: 10)، الذي حظي فيه برؤياه. والمقصود به هو "اليوم الأول من الأسبوع " (1 كورنتس 16: 2، أعمال 20: 7)، الذي كان فيه المسيحيون يعيّدون للرب، وكان يقع في اليوم الذي يلي السبت. إلا أن اختيار هذا اليوم لم يكن لينافس السبت، بل لكي يحتفل فيه بحدث تاريخي هو يوم فصح الرب حسب التحديد الذي سيعين في أوائل القرن الثاني. والأحد، في الواقع ، يذكّر بانتصار الرب في يوم القيامة الكبير. وبما أنه هو من جهة أخرى يوم الاحتفال بالإفخارستيا، فإنه ينبىء أيضاً بعودة الرب ، بمجيئه الثاني المجيد (1 كورنتس 11: 26). وسيكمّل التقليد هذا التفسير، بتسمية يوم الأحد " اليوم الثامن ": تذكيراً بأنه في يوم الفصح هذا. الذي يعتبر مقدّمة للمجيء الثاني. قد بلغت خليقة اليوم الأول ملء كمالها.