1. يوحنا السابق ومعموديّته:إن يوحنا، حتى قبل أن يولد، من امرأة كانت إلى ذلك الوقت عاقراً، تكرّس الله، وامتلأ من الروح القدس ( لو1: 7 و15، راجع قضاة 13: 2- 5، 1 صموئيل 1: 5 و11). وذلك الذي قدّر له أن يكون إيليا الجديد لوقا1: 16 - 17)، يذكّرنا بهذا النبي العظيم بملبسه وبطريقة الحياة الخشنة (متى 3: 4) التي مارسها في البريّة منذ شبابه لوقا1: 80). ويتساءل البعض إن كان انتمى إلى جمـاعة قمران الأسينّية. مهما كان الأمر، فلما حان وقت ظهوره لإسرائيل، وهذا ما يحدّده لوقا بدقة (3: 1- 2)، بدا بهالة المعلّم الذي يحيط به عدد من التلاميذ (يوحنا 1: 35)، يدرّبهم على الصوم والصلاة (مرقس2: 18، لوقا 5: 33، 11: 1). ويهزّ صوته القويّ كل أنحاء اليهودية. وهو ينادي بتوبة تظهر عملياً بواسطة اغتسال طقسي مقترن بالاعتراف بالخطايا، وهي توبة تتطلّب جهداً في تجديد الحياة (مرقس 1: 4- 5): لا يفيد المرء أن يكون ابناً لإبراهيم إن لم يمارس البرّ (متى 3: 8- 9)، الذي يحدّد يوحنا التزاماته لجمهور البسطاء ( لوقا 3 : 10- 14). ما الفريسيون والكتبة فللم يؤمنوا به (متى 21: 25 و32). فالبعض عامله معاملة من به شيطان (متى 11: 18، لوقا 7: 33). فعندما أتوا إليه، أنذرهم بأن غضب الله سوف يقضي على كل شجرة غير مثمرة (متى 3: 10). كما ندّد بزنى الملك هيرودس، فتعرّض للسجن ثم للقتل (متى 14: 3- 12//، لوقا 19:3- 20، 9:9). ويظهر يوحنا بما فيه من غيرة متّقدة أنه إيليا الجديد المنتظر الذي عليه أن يعدّ الناس لمجيء المسيح (متى 11: 14)، لكن لم يبالِ اليهود برسالته ويشير استشهاده مقدّماً إلى آلام ابن الإنسان (مرقس 9: 11- 13//، يوحنا 5: 33- 35). 2. الشاهد للنور، وصديق العروس:تقوم شهادة يوحنا أساسياً بأنه ليس إلا مجرّد سابق للمسيح، ردّاً على تساؤلات الجموع عن هويته. وفي استجواب رسمي، أقرّ المعمدان أنه لا يستحقّ أن يحلّ سير حذاء الذي يأتي بعده، مع أنه "كائن قبله" (يوحنا1 : 19-30، لوقا 16:3-17). وإن "من يأتي" ويعمّد بالروح (مرقس 1: 8) والنار (متى 3: 11- 12) هو يسوع الذي نزل عليه الروح أثناء اعتماده (يوحنا 1 : 31- 34). ولما أعلن يرحنا عن يسوع أنه حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم (يوحنا 1 : 29)، لم يكن يعرف كيف سيرفع الخطيئة، كما كان لا يدرك سبب رغبة المسيح في الاعتماد منه (متى 3: 13- 15). ولكي يرفع يسوع الخطيئة، كان علية أن يقبل معمودية أخرى لم تكن معمودية يوحنا إلا مجرّد مثال لها، وهي معمودية آلام (مرقس 10: 38، لوقا 12: 50). وسيتمّم يسوع هكذا كل برّ (متى 3: 15)، لا بإهلاك الخطأة ، بل بتبرير الجموع الذين حمل خطاياهم (راجع إشعيا 7:53 - 8 ،11- 12). ومن قبل الآلام ذاتها، أدهش موقف يسوع يوحنا وتلاميذه الذين كانوا ينتظرون منه أن يكون ديّاناً صارماً، فيعيد إلى أذهانهم أقوال الأنبياء عن الخلاص الذي يحقّقه ويدعوهم إلى عدم التعثّر (متى 11: 2- 6، راجع إشعيا 61: 1). ولا يقتصر الأمر على أن بعض تلاميذ يوحنا سيجهلون طويلاً مدى أهميّة مجيء يسوع والاعتماد في الروح، بل سنشهد نزاعاً، تلمح إليه الأناجيل تلميحاً (راجع مرقس 2: 18)، يقوم بين أتباع المعمدان و بين الكنيسة الأولى، ولم يكن على الكنيسة الأولى، لكي تبيّن سموّ المسيح، إلا أن تلجأ إلى شهادة يوحنا نفسه (يوحنا 1 : 15). فهو صديق العروس الحقيقي الذي يستولي عليه الفرح لهتاف العروس وعليه بعد ذلك أن يتوارى عن الأنظار (3: 27 - 30)، حاثّاً تلاميذه على اتّباعه (1: 35- 37). وفي مقابل هذا، يمجد يسوع شاهده الأمين، داعياً إيّاه "السّراج المتّقد المنير" (5: 35)، و"أعظم نبيّ في أولاد النساء" (متى 11: 11)، ولكنه يستدرك " أن أصغر الذين في ملكوت السموات أكبر منه"، مظهراً بذلك تفوّق نعمة الملكوت على موهبة النبوّة، دون أن يحطّ من شأن قداسة يوحنا المعمدان. ويبرز مجد صديق العروس المتواضعهذا في مقدّمة الإنجيل الرابع، فهي تحدّد وضع يوحنا من الكلمة : المتجسّد: " لم يكن يوحنا هو النور بل شاهد1 للنور"، وبالنسبة إلى الكنيسة، "جاء ليشهد للنور، فيؤمن على يده جميع الناس " (يوحنا 1: 7-8).