1. كلمات وداع يسوع:إن خطاب يسوع حول الأزمنة الأخيرة (في مرقس 13) هي آخر تعاليم يسوع للشعب. إنه يستحث المؤمنين على الاستعداد لتحقيق الوعود التي قام لتوه بالإنباء عنها. ولكن نظراً للجدة في شخصيَته الأصيلة، نراه يدخل في خطابه موضوعاً مبتكراً وهو الإنباء بعودته التي من شأنها تحويل كل تحيات الوداع إلى موعد بلقاء جديد. والعشاء الأخير هو الموضع لوداع المسيح. فعند مرقس ومتى، ينتهي تأسيس الإفخارستيا بوعد على رجاء التلاقي في الملكوت (مرقس 14: 25-11). وعند لوقا يمتد هذا التأسيس بخطاب يستحث فيه يسوع الإثني عشر على متابعة الإقتداء بخدمته (لوقا 22: 24- 27)، وهو يعدهم، في صورة وصية بتولي نصيب من سلالته الملوكية (لوقا 22: 28- 30). وعند يوحنا يفتتح الحديث الطويل (يوحنا 13 إلى 17) بغسل الأرجل، حيث يقدم المسيح المثل بخدمته، ثم نجد حديثين متوازنين (14 ثم 16: 16- 33) يشكلان التوديعات بالمعنى الحصري: فالمسيح يعلن رحيله الأليم الوشيك، كما يعلن فرحة عودنه ثانية (خلال "الظهورات الفصحية" في الفصل 16، وفي حضوره في الكنيسة في الفصل 14)، وهو يدعو تلاميذه في نفس الوقت إلى الإيمان والمحبة والسلام، لأن غيابه وقتي، وبحسب الظاهر فقط. وتنطوي ظهوراته للاثني عشر ما بعد القيامة- على نحو وداع مرقس وصموئيل وداود- على تسليم سلطاته. فبعهد يسوع حينذاك إلى أتباعه بتكملة رسالته: فينيط بهم الوعظ والتعميد والغفران (متى 28: 19//). ويعدهم بحضوره معهم إلى الأبد (متى 28: 20).2. إن تحيات وداع الرسل:وهم خدام تدبير الله، أقرب إلى توديعات شخصيات العهد القديم. فالرسالة الثانية إلى تيموتاوس وصية حقيقية، وبولس، إذ يحن بدنو أجله (2 تيموتاوس 4: 6- 8)، يذكر تلميذه الأمين بالخلاص الني نحقق في المسيح (1: 9- 10)، ويشبه بخطر الهرطقة (2: 16- 18)، ويرنو بكل أمله نحو مجيء يوم الرب (1: 12 و 18، 2: 11- 12). وتعود نفس المواضيع تظهر في رسالة بطرس الثانية: قرب موت الرسول (2 بطرس 1: 12- 15)، والخلاص الممنوح (1: 3- 4)، وخطر البدعة (2: 1- 3 و10- 22) وانتظار يوم الرب (1: 16 و19، 3: 8- 10 و12- 13 و18). ولكن أروع وصية هي تلك التي وجهها بولس إلى كهنة أفسس (أعمال 20: 17- 38)، فنلمس فيها قدوة بولس (أعمال 20: 18- 21، 31- 35)، وتوقع القبض عليه قريباً (20: 22- 24)، وإعلان شهادته بأنه أنجز مهمته (20: 25- 27)، والدعوة لمتابعة عمله في خدمة الكنيسة (20: 28)، وللحفاظ على القطيع إزاء مثيري البدع (20: 17- 38). وعلى اختلاف تحيات وداع يسوع، لا نجد في خطابات الرسل أية إشارة إلى مواعيد بلقاء مستقل. لأنهم لا يأملون في التلاقي مع المؤمنين في يوم الرب، ولكنهم حين يفكرون في هذا اليوم، إنما تتجه أذهانهم أساساً إلى الالتقاء بالمعلم، فهو وحده المنتصر على الموت وعلى كل غياب.