1. تمسّك المرائي بالشكلياّت:ليس الرياء الديني مجرد كذب. إنه غش للغير بقصد كسب تقديره عن طريق ممارسات دينية لا تكون النيّة فيها بسيطة. فيبدو المرائي كأنه يعمل من أجل الله، في حين أنه يعمل في الواقع من أجل ذاته. على أن أكثر الأعمال صلاحاً، كالصدقة، والصلاة، والصوم، تفسد وتنحرف عن صلاحها، عند الاهتمام "بالظهور أمام الناس" (متى 6: 2 و5 و 16، 23: 5). وبتعودِ المرء مغايرة ما في القلب عما على الشفتين، فإنه يتعلم إخفاء نيته الخبيثة تحت شعار المهاودة، كما هي الحال بالنسبة لمن ينتحلون حجة طرح مسالة قانونية، فينصبون فخاخاً ليسوع (متى 22: 18، راجع إرميا 18: 18). وإذ يرغب المرائي في صيانة ماء الوجه، يحاول أن يلتقط من بين الوصايا، تلك التي يتفنن في تدبيرها بحيث يخرج تنظيم فتاوى علنية ماهرة. فعلى هذا النحو يمكنه أن يُصفي الماء من البعوضة، ويبتلع الجمل (متى 23: 24)، أو يخرج بتأويل الوصايا الإلهية بما يُبرِّر نهمه وطمعه (23: 25): "أيها المراؤون! لقد صدق إشعيا في نبؤته عنكم إذ قال: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وأما قلبه فبعيد مني " (15: 7). 2. أعمى يغش نفسه:إن التمسك بالشكليات قابل للشفاء، وأما الرياء فَدَاءٌ قريب من التصلب والقساوة. و" القبور المكلسة " ينتهي بهم الأمر إلى أن يحسبوا حقيقة، ما أرادوا أن يصدقه الآخرون: إنهم يعتبرون أنفسهم أبراراً (راجع لوقا 18: 9، 20: 20)، ويُصبحون صُماً أعجز من أن يستمعوا لنداء التوبة. والمرائي، أشبه بممثل على مسرح (باليوناني hypocrites)، يواصل تمثيل دوره بقدر ما تكون مكانته ذات شأن وكلمتُه مُطاعة (متى 23: 2 -3). فالتهذيب الأخوي سليم، ولكن كيف يستطيع المرائي أن ينزع (من عينه) الخشبة التي تمنعه من النظر، في حين أنه لا يفكر إلا في نزع القذى من عن قريبه (7: 4 5، 23: 3- 4)؟ إن للقادة الروحيين دوراً لا بدّ منه على الأرض، ولكن ألا يأخذون مكان الله نفسه، عندما يستبدلون بالشريعة الإلهية سنناً بشرية إنهم عميان يريدون أن يقودوا غيرهم، (15: 3 - 14)، وتعليمهم ما هو إلا خميرة خبيثة ( لوقا 12: 1). هؤلاء العميان، أعجز من أن يتعرفوا على علامات الزمان، أي أن يكتشفوا في شخص يسوع أنه المرسل من الله، ومع ذلك يطالبون "بآية من السماء" (لوقا 12: 56، متى 16: 31) وإذا أعماهم خبثهم، ينبذون صلاح يسوع، ويتمسكون بأهداب شريعة السبت ليمنعوه من عمل الخير ( لوقا 13: 15). وإن كانوا يجرأون على تصور بعل ذبوب، الأصل في معجزات يسوع، فما ذلك إلا لأن القلب الخبيث لا يمكن أن يُخرج كلمة طيبة (متى 12: 24- 34). على أن يسوع، لكسر أبواب قلوبهم، يفضحهم أمام الآخرين (متى 23: 1- 3)، عن طريق إدانة خطيئتهم الأساسية، وهي فسادهم الخفي (23: 27- 28)، وذلك أفضل من تركهم يشاطرون مصير الأشرار (24: 51، لوقا 12: 46). فكان يسوع هنا يستخدم ولا شك الكلمة الآرامية " هنيفه "، التي تعني عادة في العهد القديم " فاسق، كافر ": فالمرائي يصبح في المآل كافراً. ويستبدل الإنجيل الرابع بلقب مراءٍ لقب أعمى: إن خطيئة اليهود ، تقوم على قولهم "إننا نرى" في حين أنهم عميان (يوحنا 9: 40).3. خطر الرياء الدائم:إنه تَوهُّمٌ، أن نفكّر بأن الرياء وقف على الفريسيين وحدهم. وقد سبق تقليد الأناجيل الإزائيّة فتوسع في تهمة الرياء، حتى شمل بها الجمهور (لوقا 12: 56). ويقصد يوحنا بذكره " اليهود " الإشارة إلى غير المؤمنين من كل الأزمنة. فالمسيحي، ولاسيما متى كان يقوم بدور الرائد، عرضة هو أيضاً لأن يصير مرائياً. حتى بطرس نفسه لم ينجُ من هذا الخطر، في حادث أنطاكيا، الذي جعله يقع في خلاف مع بولس، فسلكه كان "رياء" (غلاطية 2: 13). وبطرس ذاته يوصى المؤمن بأن يعيش بسيطاً لا كطفل حديث الولادة، عالماً بأن الرياء واقف له بالمرصاد (1 بطرس 1:2- 2) أو أنه قد يقوده إلى الارتداد عن الإيمان (1 تيموتاوس 4: 2).