1. الحنان الإلهي:إن الأم التي ترضع وليدها هي رمز من الرموز الطبيعية جداً في الدلالة على الحنان والتفاني دون حدّ (2 مكابيين 7: 27). فلا غرو لو استخدم إسرائيل هذه الصورة لوصف حنان الله اللامتناهي وصنوف رعايته وسهره على شعبه، خصوصاً في إطار الخروج من مصر والمسيرة نحو أرض الميعاد (عدد 11: 12). ولذلك فإن صاحب المزامير يدعو الشعب إلى تسليم أمره إلى الله، على نحو الرضيع الذي شبع من ثدي أمه (مزمور 131: 2-3)..2. صورة للبركات الإلهية والوعود بالمسيَّا:إن وفرة اللبن جزء من التعيين التقليدي للوعودّ. فالأرض التي سيدخلها إسرائيل كثيراً ما توصف في العهد القديم بأنها "أرض تدرّ لبناً وعسلاً" (خروج 3: 8، 13: 5، تثنية 6: 3، 11: 9، إرميا 11: 5، حزقيال 20: 6 و15 الخ). وبغنى ثروات الحياة البدوية، توصف "هذه الأرض الطيّبة الواسعة" (خروج 3: 8، راجع تثنية 32: 12- 14)، بأنها "فخر جميع الأراضي"، (حزقيال 20: 6 و15). وفي بركة يهوذا (تكوين 49: 8- 12) التي تنفتح على تطلعّ الى المسيّا، فإن الخصوبة غير العادية لأرض اليهودية توصف بوفرة الخمر واللبن. وعند الأنبياء يستخدم مشهد الرخاء هذا لوصف الأرض المثالية في الأزمنة المستقبلة (يوئيل 4: 18، إشعيا 55: 1، 60: 16)، وهو صورة العزاء والخلاصّ بالمسيّا (إشعيا 66: 11- 13). وفي النشيد، يرمز اللبن إلى ملذات الحب بين الزوج وزوجته (نشيد 4: 11، 5: 1). وفي أزمنة القحط يصبح هذا الغذاء الصحراوي، مرة أخرى، الطعام الأساسي لعمانوئيل وللناجين معه ولكنّ وفرته تصح بمثابة تذكرة بالوعود (إشعيا 7: 15 و22). وإذا كان الرخاء عربون البركات الإلهية، فإن نقص اللبن والخراب العام علامة لعقاب الله ولعنته. وبسبب جرائم إسرائيل، فإن هوشع يسأل الله أن يعطيهم رحماً عقيماً وأثداءً جافَّة (هوشع 9: 14). وفي تطلعات العهد الجديد ستكون دينونة الأزمنة الأخيرة مريعة لدرجة أن يسوع يعلن الطوبَى للنساء اللواتي لا يُرضعن في تلك الأيام (لوقا 23: 29، راجع 21: 23//).3. لبن أولاد الله:يتكلّم العهد الجديد عادة عن اللبن بالمعنى المجازي، ويشير بذلك إلى التعليم باعتباره غذاء أبناء الله. فبالنسبة الى بولس، الذي يرى في الطفل خاصةً عدم النضوج، فإن اللبن (الحليب) المعطى للكورنتسيين، لأََنَََّهم ما يزالون بشراً جسديين، إنما هو لهم التعليم المسيحي البدائي، على عكس الطعام الصلب الذكي هو الحكمة المخصص للكاملين (1 كورنتس 3: 2، راجع عبرانيين 5: 12- 14). وفي 1 بطرس 2: 2 نجد بالعكس، أن المؤمن المولود. للحياة الجديدة ينبغي أن يستمرّ في الرغبة في لبن "الكلمة "، لينمو وينال خلاصه، لأنه يظل دائماً طفلاً في حالة نموّ، وسوف يحتاج دائماً إلى لبن "كلمة" الله. هذه "الكلمةة" هي في الواقع المسيح نفسه (2: 3)، كما أوضحه جيداً العديد من الآباء: " نحن نستقي الكلمة، غذاء الحقيقة " (أكليمندس الإسكندري).