مقدمة
تسبّح الطقوس الدينية الله، هاتفة "قدّوس قدّوس قدّوس"، وتعلن أن المسيح "وحده قدّوس"، كما أنها تحتفل بالقديسين. وتتحدث عن الأناجيل المقدسة، وعن الأسبوع المقدّس. ونحن مدعوون لأن نكون قديسين. فتبدو القداسة إذاً أمراً متشعباً، متصلاً بسرّ الله، ولكن أيضاً بالعبادة والسلوك، وهي تشمل مفهومَيّ القدسي والطاهر وتتجاوزهما. كما أنها تبدو صفة موقوفة على الله، ممتنعة المنال، ولكها تناسب مراراً إلى بعض المخلوقات. يشتق اللفظ السامى "قوديش" الذي يعني الشيء المقدس والقداسة من مصدر يفيد دون شك "القطع أو الفصل"، ويوحي بفكرة المنفصل عن الاستعمال العادي. فالأشياء المقدّسة هي تلك التي لا يجوز لمسها أو الاقتراب منها إلا بمراعاة بعض شروط خاصة بالطهارة الطقسيّة. ولمَا كانت مشحونة بديناميكية وبسرية وبجلال، نستطيع أن نستشف منها ما هو فائق الطبيعة، فهي تثير شعوراً مزدوجاً من الرهبة والجاذبية، يجعل الإنسان يعي صغر شأنه أمام هذه المظاهر ذات الطابع الإلهي. إن الكتاب المقدس يعطي لمفهوم القداسة معاني أروع بكثير. أو لا يكتفي بوصف ردود فعل الإنسان أمام ما هو إلهي، وبتحديد القداسة من الناحية السلبية، بنفي ما هو دنيوي، وإنما هو يحتوي على وحي الله نفسه. ويعرف القداسة بالرجوع إلى مصدرها عينه، في الله الذي من لدنه تستمد كل قداسة. ولكن تبعاً لذلك، يعرض الكتاب المقدس المشكلة الخاصة بطبيعة القداسة التي هي في آخر الأمر مشكلة سر الله واشتراك البشرية فيها، فتتّخذ هذه القداسة أولاً طابعاً خارجياً بالنسبة للأشخاص والأماكن والأشياء التي تجعلها "مقدّسة" ولا تصبح حقيقية وباطنية إلا بموهبة الروح القدس ذاته، وعندئذٍ تنتشر المحبة" التي هي الله نفسه (1 يوحنا 4: 8) بانتصارها على الخطيئة التي كانت تحول دون إشعاع قداسته.
العهد القديم
أولاً: الله قدّوس ويظهر قداسته
لا يستطيع الإنسان أن يدنو من قداسة الله. وحتى يتعرف عيها، ينبغي أن "يقدس " الله ذاته أي أن يظهر ذاته قدوساً بإعلان مجده. وإنه ليكشف عن قداسته في عمل الخلق، وفي مختلف ظهوراته: في الكوارث وفي التجارب التي يسمح بها، وفي التأديبات التي ينزلها بشعبه (عدد 20: 1- 13، حزقيال 38: 21- 23). كما أن قداسته تظهر أيضاً ني الحماية العجيبة لشعبه وإنقاذه في الظروف الميئوس منها (حزقيال 25:28- 26). أعلنت قداسة يهوه أولاً خلال التجليات العظيمة في طور سيناء (خروج 19: 3- 20)، وقد ظهرت كقوة مريعة وخفيّة في آنٍ معاً، فهي تستطيع أن تهلك كل من يقترب منها (1 صموئيل 6: 19- 20)، ولكنّها أيضاً قادرة أن تبارك من يقبلون التابوت حيث تقيم (2 صموئيل 6: 7- 11). فهي إذاً لا تتوحّد مع التسامي أو الغضبِّ الإلهي ما دامت تظهر على السواء في المحبة" وفي المغفرة: "لا أنفذ وغر غضبي... لأني أنا الله، لا إِنسان، وفيك قديس" (هوشع 11: 9). في الهيكل، يتجلى يهوه لإشعيا كملك ذي جلال لانهائي، وبصفته الخالق الذي يملأ الأرض كلها كمجده، فهو موضع عبادة لا يستطيع أداءها له إلا السرافون. غير أنهم، هم أيضاً، لا يحوزون على القداسة الكافية التي تمكّنهم من مشاهدة وجهه. ولا يستطيع الإنسان أن يراه و يعيش (إشعيا 6: 1- 5، خروج 33: 18- 23). ومع ذلك هذا الإله البعيد المنال يتجاوز المسافة التي تفصله عن مخلوقاته: هو " قدّوس إسرائيل " ويغدو لهذا الشعب الذي اتحد معه بالعهد (إشعيا 10: 20، 17: 7، 41: 14- 20) فرحاً " وقوة وسنداً وخلاصاً، وفداء. إذاً فليست القداسة الإلهية عبارة عن انفصال وسموّ فحسب، بل هي تتضمن كلّ ما يملكه الله من غنى وحياة، قدرة وجودة. وهي ليست صفة إلهيّة بين صفات أخرى، بل أكثر من ذلك، هي الصفة الأساسية التي تميز الله نفسه، ولذا فاسمه قدوس (مزمور 33: 21، عاموس 2: 7، راجع خروج 3: 14)، يقوم بها يهوه (عاموس 4: 2). وتعكس اللغة ذاتها هذا اليقين، إذ بينما تجهل اسم الصفة " الإلهي "، تعتبر اسمي يهوه والقدوس لفظين مترادفين (مزمور 71: 22، إشعيا 5: 24، حبقوق 3: 3).
ثانياً: يريد الله أن يقدّسه الإنسان
في غيرته على حقّه المطلق في العبادة وفي الطاعة، يريد الله أن يعترف الناس بقداسته، وأن يعاملوه باعتباره الإله الواحد الحقيقي، فيعلن قداسته الذاتية عن طريق البشر. فهو يحدد بدقة المراسيم الخاصة بالذبائح (لاويين 1: 7)، وشروط الطهارة الواجبة للعبادة " (لاويين 12: 2- 8)، كما أنه يحتّم ألا يمتهن اسمه القدوس (لاويين 22: 32)، فذلك لأن الاحتفال اللائق بشعائر الطقس يبرز مجده (لاويين 9: 6: 23 1ملوك 8: 10- 12، راجع لاويين 10: 1- 3، 1 صموئيل 2: 17، 3: 11- 13) ويعلن جلاله. ولكن لا قيمة لهذه العبادة، ما لم تعبر عن الطاعة نحو الشريعة (لاويين 22: 31- 33)، وعن الإيمان العميق (تثنية 20: 12)، والتسبيح الشخصي (مزمور 99: 3- 9)، ففي هذا تقوم مخافة الله وتقديسه (إشعيا 8: 13).
ثالثاً: الله يقدّس الخليقة أي يشركها في قداسته
1. قداسة وتكريس:
وإذ يفرض يهوه قواعد طقسيّة يظهر فيها قداسته، فقد اختصّ لنفسه ببعض الأماكن (أرض مقدّسة ،معابد، هيكل)، والأشخاص (كهنة، لاويين، أبكار، نذيرين، أنبياء ")، والأشياء (تقدمات، ثياب وأشياء خاصة بالعبادة")، والأزمنة (سبوت، سنون يوبيلية) تكرّس له بواسطة مراسيم دقيقة (تقدمات، ذبائح، تدشينات، مسحة"، ورش بالدم)، وتكون بالتالي محرّمة على الاستعمال العادي. فتابوت العهد مثلاً يجب ألا يشخص إليه اللاويون (عدد 4: 19 و20)، ويجب ألا ينجّس السبت (حزقيال 20: 12- 24)، ومسلك الكهنة خاضع لشرائع خاصة، أكثر تشدّداً من الشرائع العامة (لاويين 21). كلّ هذه الأشياء مقدّسة ولكن تندرج قداستها،بمقدار علاقتها بالله. وتختلف طبيعة قداسة هؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء المكرّسة عن قداسة الله. بعكس الحال في النجاسة التي قد تنتقل عن طريق العدوى (لاويين 11: 31، 15: 4-27). لا تكتسب القداسة تلقائياً بمجرد الاتصال بالقداسة الإلهية بل هي تحدث باختيار حر من قبل الله، بحسب شريعته، وبموجب المراسيم التي يحدّدها. وتفسر المراسيم الطقسية بطريقتها الخاصة عن المسافة اللانهائية الفاصلة بين قداسة هذه المخلوقات وبين القداسة الإلهّية (أيوب 15: 15). فالكاهن الأعظم مثلاً لا يحقّ له أن يدخل قدس الأقداس إلا مرة في السنة، وبعد القيام بعدّة أعمال تطهيرية دقيقة (لاويين 16: 1- 16). يجب إذاً أن يميّز بين القداسة الحق، وهي خاصة بالله، وبين الطابع القدسي الذي ينتزع بعض الأشخاص، وبعض الأشياء من الاستعمال العادي، فيجعلها في حالة وسطى تحجب قداسة الله وتظهرها في آن.
2. الشعب المقدس:
إذ اختار الله إسرائيل وفرزه من بين الأمم " أصبح هذا الشعب ميراثه الخاص، مملكة أحبار" و"شعباً مقدساً". بحبّ فائق الوصف، يحيا الله ويسير وسط شعبه (خروج 33: 12-17). يظهر له عن طريق الغمام وتابوت " العهد والهيكل أو بوجه أبسط عن طريق مجده " الذي يصحبه حتى خلال فترة السبي (حزقيال 1: 1- 28) " وفيك قدّيس " (هوشع 11: 9). وحضور الله هذا القتال يسبغ على الشعب لا قداسة طقسية فقط، بل كرامة حقيقية تفرض عليه القداسة الأدبية، ولكي يقدّس الشعب، يعلن يهوه الشريعة (لاويين 22: 31- 33). فلا بقبل إسرائيل مثلاً أن ينحدر في رذائل قبائل الكنعانيين. ويجب عليه أن يرفض كل زواج بالأجنبيات وأن يهلك بالحرم كل ما قد ينجسه (تثنية- 7: 1- 6). وترتكز قوّته " (إشعيا 7: 9) لا على الجنود أو على سياسة ماهرة ولكن على إيمانه يهوه "قدوس إسرائيل " (إشعيا 7: 9). وهو يهوه لا ما يميزه عن الشعوب الأخرى فقط ولكن كل ما يحصل عليه من أمان (إشعيا 41: 14- 20، 54: 1- 5)، ومن عبرة (إشعيا 43: 3 14: 49: 7)، وأخيراً من رجاء لا يقهر (إشعيا 60: 9- 14) .
رابعاً: على إسرائيل أن يتقدّس
إزاء هذا الاختيار الحرّ من قبل الله، يجب على إسرائيل أن يستجيب بتقدير ذاته.1. يجب عليه أولاً أن يطهر نفسه، أعني أن يغتسل من كل نجاسة تتنافى مع قداسة الله، استعداداً لمشاهدة التجليات الإلهية أو الاشتراك في العبادة (خروج 19: 10- 15). ولكن يرجع الفضل الأول والأخير إلى الله وحده الذي يسبغ عليه الطهارة، بدم الذبيحة (لاويين 17: 11) أو عن طريق تنقية قلبه (مزمور 51).2. لم يتوقف الأنبياء وكتاب التثنية عن الترديد أن الذبائح عن الخطيئة لا تكفي لإرضاء الله، بل أنه لا بد من قيام العدالة والطاعة والمحبة (إشعيا 1: 4- 20، تثنية 6: 4-9). فمثلاً هذا الأمر: "كونوا قديسين، لأني أنا يهوه قدوس " (لاويين 19: 2، 0 2: 26) ينبغي أن يُفهم منة لا الطهارة الطقسية فقط، بل أيضاً القداسة التي يعيشها فعلاً الإنسان وفق الفروض العديدة العائلية والاجتماعَية والاقتصادية، مع عدم إهمال الطقسية منها، تلك الفروض المنصوص عنها في الشرائع المختلفة (لاويين 17 إلى 27).3. وأخيراً إن تقديم البشر قابل للارتقاء، ولذا لا يدعى "قديسين" إلا أولئك الذين اجتازوا التجربة وسوف يتمتّعون بالملكوت الإسكاتولوجي (دانيال 7: 18- 22). هؤلاء هم الحكماء الذين عاشوا في مخافة الرب (مزمور 34: 10)، هم "البقيّة الصغيرة" لمن ترك في أورشليم ولمن يكون الله "قد كتب أسماءهم للحياة" (إشعيا 4: 3) .
العهد الجديد
لقد تمثّلت الكنيسة، في عهدها الرسولي، تعاليم العهد القديم واصطلاحاته. فالله هو الآب القدير (يوحنا 17: 11) القدير (pantocrator) المتسامي وديَان اليوم الأخير (رؤيا 4: 8، 6:. 10)0 اسمه قدوس (لوقا1: 49) وكذلك شريعته (رومة 7: 12)، وعهده (لوقا 1: 72) وقديسون أيضاً هم الملائكة (مرقس 1: 38)، والأنبياء والكتبة الملهمون (لوقا 1: 70، مرقس 6: 20، رومة1: 2). وأيضاً مقدس هو هيكله وأورشليم السماوية(1 كورنتس 3: 17، رؤيا 21: 2). و.كما أن الرب،هو قدوس، فأولئك الذين اختارهم " يجب أن يكونوا قديسين (1 بطرس 1: 15- 16، لاويين 19: 2)، يجب أن تتجلى قداسه اسمه " عند مجيء ملكوته (متى 6: 9). غير أن مفهوم القداسة الحاصل بالعهد الجديد يرجع إلى يوم العنصرة أي يوم ظهور روح الله.
أولاَّ: يسوع القدوس
ترتبط قداسة المسيح ارتباطاً حميماً ببنوته- الإلهية وبحضور روح الله فيه إذ حبل به بالروح القدس،" سيكون قدوساً، وابن الله يدعى " 1 لوقا 1: 35، راجع متى 1: 18). وأثناء اعتماده من يوحنا، ينال "الابن الحبيب " مسحة الروح القدس (أعمال 10: 38، لوقا 3: 22). وعند طرده الأرواح النجسة تعلن الشياطين أنه "قدوس الله "، أو "ابن الله " (مرقس 1: 24، 3: 11). وقد أصبح هذان التعبيران مترادفين (يوحنا 6: 69، راجع متى 16: 16). وإذ "امتلأ المسح من الروح القدس" (لوقا 4: 1)، يعلن عن ذاته بواسطة أعماله ". فالمعجزات التي بقوم بها، والتعاليم التي ببشر بها هي علامات نشير إلى قداسته أكثر منها آيات عن قدرة داعية للإعجاب فأمامه يشعر الإنسان أنه خاطئ بمثل ما يشعر أمام الله (لوقا 5: 8، راجع إشعيا 6: 5). والمسيح "عبد الرب القدّوس" (أعمال 4: 27 و 30) الذي احتمل الموت مع أنه هو ملك الحياة، هو القداسة بالذات (أعمال 3: 14- 15)، "ولذلك رفعه الله" (فيلبي 2: 9). وإذ قام من بين الأموات بحسب روح القداسة (رومة1: 4)، فانه ليس من هذا العالم (يوحنا 17: 11). وعليه، فالجالس عن يمين الله (مرقس16: 19) يسوغ أن يسمى "القدوس "، مثلما يطلق هذا الاسم على الله (رؤيا 3: 7، 10:6). فقداسة المسيح هي إذا من نوع آخر سر تلك القداسة النسبية التي يتمتع بها قديسو العهد القديم. إنها تتوحد مع قداسة الله، أبيه القدوس (يوحنا 17: 11) بنفس القدرة الروحية وبنفس الإعلانات المجدة، وبنفس العمق السري. فهي تدفعه إلى أن يحب خاصته لدرجة أنه يشركهم في مجده الذي يقبله من الآب وأنه بذل حياته من أجلهم. هكذا يظهر ذاته قدوساً: "أقدس ذاتي... ليكونوا هم أيضاً مقدسين" (يوحنا 17: 19 - 24).
ثانياً: يقدس المسيح المسيحيين
على خلاف ذبائح وعبادة العهد القديم التي لم تكن لتطهَر العبرانيين إلا تطهيراً خارجياً (عبرانيين 9: 11- 14، 10: 10)، فإن ذبيحة المسيح تقدس المؤمنين "في الحق " (يوحنا 17: 19)، مانحة لهم القداسة الحقيقية. فيشترك المسيحيون في حياة المسيح القائم من بين الأموات بالإيمان والمعمودية التي تمنحهم "المسحة الآتية من القدوس " (1 كورنتس 1: 30 أفسس 5: 26، 1 يوحنا: 2: 20) ولذا فهم "مقدسون في المسيح ". 1كورنتس 1: 2، فيلبي 1: 1) بحلول الروح القدس فيهم (1 كورنتس 3: 16- 17، أفسس2: 22). إنهم "معمدون في الروح القدس "، كما سبق وأنبأ يوحنا المحمدان (لوقا 3: 16، أعمال 1: 5، 11: 16).
ثالثاً: الروح القدس
يقوم الروح القدس بالدور الرئيسي في تقديم المسيحي. فهو الذي يغمر الجماعات الأولى بالعطايا ومواهب الخدمة الروحيّة. غير أن عمله في الكنيسة يختلف: عن عمله في العهد القديم. فانه يحلّ الآن بسعة وشمول يشيران إلى تحقيق الأزمنة المسيانية التي تبدأ بقيامة المسيح من بين الأموات (أعمال 2: 16- 38). ومن جهة أخرى، يرتبط مجيئه بقبول المعموديّة وبالإيمان بسر المسيح الذي مات وقام من بين الأموات (أعمال 2: 38، 10: 47، 19: 1- 7)وحيث حضوره في النفوس ثابت، يستطيع بولس الرسول أن يقرَر أن المفتدين هم "هياكل "الروح القدس"، "وهياكل الله" (1 كورنتس 6: 11 و20، راجع 3: 16- 17)، وأنهم في شركة حقيقية معه (2 كورنتس 13: 13). وكما أن "جميع الذين ينقادون إلى روح الله يكونون حقاً أبناء الله " (رومة 8: 14- 17)، فليس المسيحيون أنبياء فقط، خاضعين لعمل عابر من الروحٍ (لوقا 1: 15، 7: 28)، ولكنهم أبناء الله يحملون دوما ينبوع القداسة الإلهية في ذواتهم.
رابعاً: القديسون
يندر استعمال لفظ "قدَيس" بمعناه المطلق في العهد القديم، وكان مقصوراً على مختاري الأزمنة الأخيرة. أما في العهد الجديد، فيستعمل للدلالة على المسيحيين. فقد أطلق في البدء على أعضاء الجماعة الأولى في أورشليم وخاصة على المجموعة الصغيرة التي حل عليها الروح القدس يوم العنصرة(أعمال 9: 13، 1 كورنتس 16: 1، أفسس 3: 5)، ثم أخذ استعماله يمتد ليشمل الأخوة الذين في اليهودية (أعمال 9: 31-41)، ثمَ جميع المؤمنين (رومة 16: 2، 2 كورنتس 1: 1، 13: 12). إذ إنه في الواقع، بالروح القدس، في يشترك المسيحي في ذات قداسة الله. وإذ يؤلف المسيحيون، "الأمة المقدسة" حقا، و"الكهنوت الملوكي"، ويكوّنون "الهيكل المقدس" (1 بطرس 2: 9، أفسس 2: 21)، عليهم أن يؤدّوا لله العبادة، بتقديم ذواتهم مع المسيح "ذبيحة حيّة مقدّسة" (رومة 12: 1، 15: 16، فيلبي 2: 17). وأخيراً فإن قداسة المسيحيين الناتجة عن دعوة" (رومة 1: 7، 1 كورنتس 1: 2) تتطلب منهم قطع الصلة بالخطيئة والتصرّفات الوثنية (1 تسالونيكي 4: 3). فيجب أن يسلكوا " بحسب القداسة الآتية من لدن الله، لا بحسب الحكمة البشرية" (2 كورنتس 2: 12، راجع كورنتس 6: 9- 11، أفسس 4: 30 إلى 5: 1، تيطس 3: 4- 7، رومة 6: 19). ويعتبر مطلب الحياة المقدّسة هذا أساس التراث النسكي المسيحي كله. وهو لا يستند إلى مثل عليا تلّقمها شريعة لا تزال خارجية، وإنما إلى هذه الحقيقة وهي أن المسيحي قد استولى عليه المسيح، فيجب عليه أن يشاركه في آلامه ويتمثّل به في موته فيبلغ منه القيامة من بين الأموات (فيلبي 3: 10- 14).
خامساً: المدينة المقدسة
إن القداسة، وقد حصلنا عيها مبدئياً، لا تزال في الواقع، في دور كفاح ضد الخطيئة. فلم يأت بعد الزمن حيث القديسون سيدينون العالم 00. (1 كورنتس 6: 2 -3). وإنما يستطيع القديسون بل يجب عليهم أن ينموا في القداسة استعداداً لمجيء الرب (1 تسالونيكي 3: 13، أعمال 22: 11). ففي ذلك اليوم، سوف تظهر أورشليم الجديدة، " المدينة المقدسة " (رؤيا 21: 2) حيث " تزدهر شجرة الحياة وحيث يستبعد كل ما هو نجس أو رجس (رؤيا 21، 22، راجع زكريا 14: 20- 21). وسوف يمجَّد الرب يسوع في قديسيه (2 تسالونيكي 1: 10، 2: 14). ولا شك أن هذا هو غاية سر إشراك الإنسان في قداسة الله الفائقة.