1. توطّد العناية الثقة الكاملة:سوف يتحقق حتماً قصد الله الذي هو قصد الرحمة (مزمور 103: 8- 10، 33: 11). فعلى الإنسان أن يحيا في جو الثقة. يسهر الله على نظام العالم (تكوين 8: 22). ويضمن خصوبة الأرض (أعمال 14: 17). يطلع شمسه وينزل غيثه للجميع، أبراراً كانوا أم أشراراً (متى 5: 45)، ويدبر كلّ شيء، بحيث يطلبه الجميع (أعمال 17: 24- 28). أ) يظهر لنا العهد القديم عناية الله بالآباء (تكوين 20: 6- 7، 28: 15)، ويشير خاصةً على عمله الخفي والفائق في قصة يوسف الصديق حيث يسخر الشرّ نفسه في خدمة قصده الخلاصي: "فالآن لا أنتم بعثتموني إلى ههنا، يقول يوسف لأخوته، بل الله... أنتم نويتم عليّ شراً والله نوى به خيراً... لكي يحيي شعباً كثيراً" (تكوين 45: 8، 50: 20 ). يستطيع الشعب المختار إذاً، أن يواجه الصحراء، فسوف يقوته الله يومياً، "على قدر أكله " (خروج 16: 15- 18). يعلن الأنبياء سلطان الله هذا، حيث يعلم أزليّاً كلّ ما سيحدث (إشعيا 44: 7) وعليه تتوقف السعادة أو التعاسة (عاموس 3: 6 إشعيا 45: 7)، وهو يدبر كل شيء، ويولي السلطة لمن يريد (إرميا27: 5- 6). وبحسب أقوال "الحكماء" أيضاً: الإنسان في التفكير والرب في التدبير (أمثال 96: 1 و 33، 19: 21، 20: 24). كال شيء يأتي من الله (سيراخ 11: 14): الخير والشر، الحياة والموت، الفقر" والغنى. يملك الله على العالم، وكل ما فيه ينفذ أوامره (سيراخ 10: 4، 39: 31). نجد صدى هذا اليقين في الصلاة: إنّ الله الذي يتسلط على خلقه ويمنح له الخصب (مزمور 65: 7- 14)، عمل شعبه في كل شيء وفي كل حين (مزمور 121) وبدونه، باطل هو مجهود البشر وباطلة حراستهم (مزمور 126: 1). وهو، كراع صالح، يقود نعاجَه مطمئنّة إلى قلب الظلمات نحو السعادة (مزمور 23). وباختصار: "فوض إلى الرب طريقك وتوكل عليه وهو يفعل " (مزمور 37: 5).ب) يردد يسوع هذا التعليم، كاشفاً للبشر أبوة الله لهم، فيجب أن يتضرعوا إليه ببساطة: "يا أبانا، أرزقنا اليوم خبزنا" كفافنا" (متى 6: 11)، وألا يبالوا بالغد، ولا يخشوا على حياتهم، لاًن "أباكم يعلم " كل ما تحتاجون إليه وكل ما يحدث (متى 6: 25- 34، 10: 28- 31، لوقا 6: 34، 12: 22- 32، 21: 18). هذا الإيمان كافٍ لإقامة المؤمن في الرجاء الراسخ، لأنه كما يقول بولس الرسول: "يسخّر الله كل شيء لخيره "، ولن يستطيع أي شيء أن يفصل المؤمن عن محبة" الله له في ربنا يسوع المسيح (رومة 8: 28، و 31- 39)، ولا حتى أصعب المحن. وعلى خلاف المتوقع سيستخدم المؤمن هذه المحن ليكشف لأخونه الوجه الحقيقي لعناية أبيه.2. تتطلب العناية الثبات في الأمانة:حقاً لا يدعو الله الإنسان إلى السلبية، ولا إلى النزول عن حريّته، بل يعمل بالعكس على تربيته ". وبواسطة المحن، يمكنه من التعاون معه، عن طريق مبادراته الحرة، بينما بوعوده الإلهية، ينعش ثقته ويحرره هكذا من المخاوف التي من شأنها أن تعوق مسيرته، إزاء مخاطر المشاركة هذه. يدبر الله حاجات من يدعوهم ليكونوا أبناءه، لكي يساعدهم على الثبات في الأمانة نحو دعوتهم كشهود لمحبته.أ) منذ العهد القديم، عرف أصدقاء الله ضرورة التلبية بأمانة كاملة على نداء هذا الذي، بعد ما اختارهم، يحوطهم بحمايته. لا يتردد ابراهيم، وهو على يقين أن "الله سوف يرى" (تكوين 22: 8 و13- 14)، أن يضحّي بابنه طاعة الربّ. كذلك يوسف الصديق، إذ كان لا يود أن يخطئ ضد الله، لم يخش أن يعرض نفسه لغضب امرأة مولاه (تكوين 39: 9- 10). و لكن منذ نشأته، لم يكن الشعب الإسرائيلي أميناً، لهذا السبب بالذات، انه لم يضع كل ثقته في الله الذي حرره من العبودية وغذاه في الصحراء. فبدلاً من أن ينتظر منه تعالى قوته يومياً، أراد، بالرغم من الأمر الإلهي، أن يستبق لنفسه مؤونة الغد (خروج 16: 20). وقد دوّن كتاب يهوديت لتذكير إسرائيل بمتطلبات دعوته. ترفض يهوديت أن تجرّب الرب في عنايته (يهوديت 8: 12- 16) ولكنها لا تتردّد في أن تجعل ذاتها أداة لهذه العناية، مع حرصها على الأمانة لكلّ متطلبات الشريعة (9: 9، 12، 2، 13: 18- 19). ونرى صدى لهذا التصرف المثالي في حكمة صاحب المزامير: "توكّل على الرب واصنع الخير " (مزمور 37: 3). ب) إذا كان يسوع يكشف للناس عن المحبة اللانهائية التي تعبّر عنها العناية الإلهية، فهو يعلّمهم أيضاً، بمثله وكلامه على السواء، كيفية التجاوب مع هذه العناية. فيكون هذا التجاوب في البحث، قبل كلّ شيء، عن ملك هذا الحب الإلهي، ورفض الخضوع لأي سيد آخر غير الله (متى 6: 33 و24). كما يقوم أيضاً في التوسل إلى الآب بأن تتم مشيئته على الأرض كما هي في السماء. ويقوم أخيراً على أن ننتظر من الله، علاوة على ذلك، بمثابة المزيد، خبزنا كفاف يومنا، وكل ما يحتاج إليه أبناء الله، لينفّذوا مشيئة أبيهم (منى 6: 10- 11). يحتاج أولاد الله، قبل كل شيء، إلى الثبات في الشدائد التي لم ترفعها العناية الإلهية عن يسوع نفسه الذي عرف شعور الخذلان من أبيه (متى 27: 46)، والذي، إذ كان مطيعاً حتى الموت، أكد ثقته البنوية بكلمته الأخيرة على الصليب: "يا أبتاه، في يديك أجعل روحي" (لوقا 23: 46 ). بهذه الأمانة المقترنة بالثقة، عبر الراعي الصالح الموت، وأعطانا الضياء الوحيد الذي يسمح لنا بأن نعبر ظلمات الشر والشقاء. و باقتداء التلميذ بالمسيح، سوف يتبعٍ سبل العناية الخفية، ويحظى بفرح الشرف أن يكون شاهدا للحب الذي وضع ثقته فيه وشريكاً أميناً له في العمل.