1. العقاب علامة للخطيئة:من خلال عقاب المخلوق الخاطئ الذي يتحمله في ألم، تستطيع إرادته أن تشعر بانفصالها عن الله. وإن الخليقة بإجمالها تجتاز هذا الاختبار: الحيّة المغرية والقاتلة (تكوين 30: 14- 15، يوحنا 8: 44، رؤيا 12: 9- 10 )، الإنسان وهو يكشف أنه "بسبب إنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبواسطة الخطيئة الموت "، العذاب والعمل الشاق (رومة 12: 5، تكوين 3: 6 ا- 19)، المدن التي عوقبت من أجل عدم إيمانها: بابل، صدوم، كفرنحوم، أورشليم، نينوى، أعداء شعب الله: فرعون، مصر، الأمم، حتى لو استخدمها الله أداة لمعالجة شعبه (إشعيا 10: 5)، شعب الله ذاته الذي فيه ينبغي أن يظهر بالأحرى الهدف الإيجابي للعقاب (باروك 2: 6- 10 و 27- 35)، الوحش لا وعبدة صورته (رؤيا 14: 9- 11، 19: 20)، وأخيراً الخليقة المادية التي أخضعت للباطل بسبب خطيئة آدم (رومة 8: 20). 2. العقاب ثمرة الخطيئة:نستطيع أن يميّز ثلاث مراحل في كيفية نشأة العقاب. فني البداية هناك معاً هبة الله (الخلق، الاختيار)، والخطيئة، ثم يحدث أن يرفض الخاطئ نداء الله بالاهتداء (عبرانيين 12: 25)، وهو يحب، مع ذلك، من خلال النداء ،، بإنذار العقاب (إشعيا 8: 85، باروك 2: 22- 23). وعندئذٍ، ونظراً لهذه القساوة، يقرر القاضي إنزال العقاب: "فالاَن..." (هوشع 13: 7، إشعيا 5: 5، لوقا 13: 34- 35). وتكون نتيجة العقاب مزدوجة بحسب انفتاح القلب ": بعض أنواع العقاب تكون "مغلقة" وتنزل دينونة بالشيطان (رؤيا 20: 10)، بابل (رؤيا 18)، حنانيا وسفيرة (أعمال 5: 7- 11)، وبعضها الآخر تكون " مفتوحة " وتدعو إلى الاهتداء (1 كورنتس 5: 5، 2 كورنتس 2: 6). وهكذا يكون العقاب سداً منيعاً في مواجهة الخطيئة: فيكون بالنسبة إلى البعض مأزق إدانة، وبالنسبة إلى البعض الآخر دعوة "للرجوع " إلى الله (هوشع 2: 8- 9، لوقا 15: 14- 20 ). غير أنه بناء على ذلك يكون العقاب دينونة عن الماضي وإيذاناً بقضاء نهائي، إن لم يتحول القلب إلى الله. فليس العقاب هو الذي يفصل عن الله، وإنما الخطيئة هي التي يترتّب العقاب جزاء لها. إنه يشير بقوة إلى أن الخطيئة لا تستقيم مع القداسة الإلهية (عبرانيين 10: 29- 30). وبالتالي إذا كان المسيح قد ذاق العقاب، فليس بسبب خطايا يكون قد ارتكبها، بل من أجل خطايا البشر التي يحمل ثقلها ويتحملها (1 بطرس 2: 24، 3: 18، إشعيا 53: 4).3. العقاب وحي من الله:والعقاب، بحكم منطقه الداخلي، يوحي بالله: فهو يمثل ظهور الله على نحو يناسب الخاطئ. فمن لا يتقبل نعمة الافتقاد الإلهي يصطدم بالقداسة ويلقى الله نفسه (لوقا 19: 41- 44). وهذا ما يردده النبي باستمرار: "حينئذٍ ستعلمون أني يهوه " (حزقيال 11: 10، 15: 17). ولأن القلب هو وحي، فإن الكلمة هو الذي ينفذه (حكمة 18: 14- 16، رؤيا 19: 11- 16) وهو بفضل المصلوب يبلغ أبعاده تماماً (يوحنا 8: 28). وهكذا، فباتصاله بالاعتراف ليهوه و بيسوع، يزداد العقاب نكالاً بقدر ما يكون من ناله أقرب إلى الله منزلة (لاويين 10: 1- 3، رؤيا 3: 19). فحضور الله ذاته المحبب إلى القلب الطاهر، يصبح مدعاة للعذاب بالنسبة إلى القلب المتحجر، ولو أن كل عذاب ليس عقاباً. وأكثر من ذلك فإن العقاب يكشف عن أعماق قلب الله: غيرته التي تتحرّك لمجرد الدخول في عهده (خروج 20: 5: 34: 7)، غضبه (إشعيا 9: 11- 13)، انتقامه من أعدائه (إشعيا 10: 12)، عدله (حزقيال 18)، رغبته في الغفران (حزقيال 18: 31)، رحمته (هوشع 11: 9)، وأخيراً محبته الملحّة: "ولم تتوبوا إليّ" (عاموس 4: 116، إشعيا 9: 12، إرميا 5: 3). ولكنّ هناك عقاباً في قلب تاريخنا، حيث المجرب والخطيئة قد أصيبا إلى حد الموت، إنه عقاب الصليب حيث تتجلى حكمة الله (1 كورنتس 1: 17، 2: 9). ففي الصليب تتطابق الدينونة "المغلقة" على الشيطان، وعلى الخطيئة وعلى الموت، مع العذاب المفتوح، ينبوع الحياة (1 بطرس 4: 1، فيلبي 10: 3). ظلت هذه الحكمة سارية طوال العهد القديم (تثنية 8: 5- 6، حكمة 10- 12، عبرانيون 5: 12- 13)، وإن تربية" الحرية ما كانت لتتم دون "تأديب" (يهوديت 8: 27، 1 كورنتس 11: 32، غلاطية 3: 23- 24). وهكذا فالعقاب مرتبط بالشريعة: من الناحية التاريخية، قد تجاوزنا هذا الزمن، غير أن الكثيرين من المسيحيين ما زالوا عند هذا الطور من الناحية النفسية: فالعقاب يكون بالنسبة إليهم إحدى الروابط التي ما زالت تربط الخاطئ بالله. ولكن المسيحي الذي يعيش بحسب الروح، قد تحرر من العقاب (رومة 8: 1، 1 يوحنا 4: 18). فلئن اعتبره جائزاً من جانب محبة الآب، فلأنه من أجل الاهتداء (1 تيموتاوس 1: 20، 2 تيموتاوس 2: 25). و بالنسبة إلى آخر الأزمنة، فإن العقاب الحقيقي الوحيد إنما هو قساوة القلب النهائية (2تسالونيكي 2: 10 -11، عبرانيين 10: 26- 29). إن قرب الدينونة الحاسمة وهي جارية منذ الآن، يضفي على عقاب الإنسان " الجسدي " معنى الإشارة: إنه مقدمة الدينونة لكل ما لا يمكن أن يرث الملكوت ". ولكن بالنسبة إلى الإنسان " الروحي " فالدينونة تكون تبريراً، فالعقاب يصبح عندئذ تكفيراً في المسيح (رومة 3: 25- 26 غلاطية 2: 19، 2 كورنتس 5: 14). وإذا قبله الإنسان عن اختيار، فإنه يعمل على إماتة الجسد في سبيل الحياة بحسب الروح (رومة 8: 13، كولسي 3: 5).
عقاب تربية