1. انتظار الرب المعزّي:لقد اختبرت أورشليم في تاريخها ذلك الشعور بالهجر الكلي. وإذ حرمت، خلال انحطاطها وسبيها من أية تعزية من قبل حلفائها القدامى (مراثي 1: 19)، ظنت أنّ ربّها قد نسيها (إشعيا 49: 14، 54: 86)، فغرقت في القنوط. إلاّ أنّ الربّ في الحقيقة لم يهجرها "هنيهة" (إشعيا 54: 7)، إلا لكي يجعلها تدرك أنه هو الوحيد المعزّي الحقّ. لا هو في الواقع يرجع نحو أورشليم: " عزّوا، عزّوا شعبي، يقول إلهكم " (إشعيا 40: 1، 49: 13...). وهكذا يجيب الله على شكوى أورشليم المهجورة بعد عقاب السبي، سوف يتدخّل لصالحها لإنجاز المواعيد النبوية (إرميا 31: 12- 16، راجع سيراخ 48: 24). وهذا التدخل الخلاصي هو عبارة عن مبادرة حب، يفصح عها الكتاب بصور متنوعة. يعزي الله شعبه بطيبة الرأي (إشعيا 40: 11، مزمور 23: 4) وعطف الأب، وحمية الخطيب والزوج (إشعيا 54) وحنان الأم (إشعيا 41: 14- 15، 66: 11- 13). لذلك سوف يعبّر إسرائيل عن رجائه في الخلاص الإسكاتولوجي، بمثابة انتظار التعزية النهائية (زكريا 1: 13). وهناك مرسل غامض الملامح ألا وهو عبد الرب الذي سيحقق هذا العمل (إشعيا 61: 2). ويطلق التقليد اليهودي، المشهود له في الإنجيل ذاته، على المسيا، لقب " مناحن" أي " تعزية إسرائيل"، (لوقا 2: 25- 26). وريثما تحلّ أيام المسيا هذه، يعلم المؤمنون أن الله لم يتخل عنهم، وإنما أعطاهم، لتعزيتهم في أثناء غربتهم الأرضية، وعده (مزمور 119: 50) وحبه (119: 76) مع الشريعة والأنبياء (2 مكابيين 15: 9)، والأسفار المقدسة (1 مكابيين 12: 9، رومة 15: 4). وهكذا يمتلئون قوة، ويستطيعون أن يحيوا في الرجاء خلال محنهم.2. المسيح، معزّي الحزانى:وأخيراً نرى الرب الذي يعزّي يأتي نحو بنى البشر في شخص المسيح. يتقدم يسوع باعتباره العبد المنتظر: "روح الرب نازل عليّ..." (لوقا 4: 18 21)، ويبشر الحزانى والمساكين " برسالة التعزية بإنجيل السعادة في ملكوت أبيهم (متى 5: 5). فهو يأتي لكي يمنح الشجاعة لأولئك الذين يرزحون تحت ثقل خطاياهم " أو وطأة المرض الذي يرمز إليها (متى 9: 2، 22). وهو يقدم الراحة إلى المرهقين والمثقلين (متى 11: 28- 30). ولا تتَوقف هذه التعزية مع انتقاله إلى أبيه: فيسوع لا يشك خاصته، فهو يهبهم روح العنصرة الذي لا يكفّ عن غمر الجماعة المسيحية بكل ألوان التشجيع الداخلي ة مما يبيح بمواجهة العقبات والاضطهادات 4 (أعمال 9: 1). كذلك يعمل الرعاة الذين ائتمنهم يسوع على كنيسته على تقوية المؤمنين بإرشاداتهم المعزية (15: 33). وأخيراً يرى المسيحيون في معجزات الرب علامات من الله الذي يعزي، ويدخل بها الفرح إلى قلوبهم (20: 12). وقد وضع بولس الرسول الأسس اللاهوتية للمفهوم المسيحي للتعزية. فخلال محنة شديدة قاربت الموت، اكتشف أن التعزية تنبع من الشدة ذاتها، عدما تكون متحدة بآلام المسيح (2كورنتس1: 8- 10). وهذه التعزية نتعكس بدورها على المؤمنين (1: 3- 7)، لأنها تتزود من الينبوع الوحيد ألا وهو فرح القائم من الموت. فالمسيح فعلاً هو ينبوع كل تعزية (فيليبي 2: ا)، وبخاصة بالنسبة إلى الذين فرق الموت بينهم و بين أحبائهم (1 تسالونيكي 4: 18). وفي الكنيسة، تظل خدمة التعزية أساسية، فهي تشهد أن الله يعزّي على الدوام المساكين والحزانى (كورنتس 14: 3، رومة 15: 5، 2 كورنتس 7: 6، راجع سيراخ 48: 24).