مقدمة
إن اسم "عريس" هو أحد الأسماء التي اتّخذها الله لنفسه (إشعيا 54: 5) والتي تصدر عن محبّته لخليقته. ونعرض هنا لمعنى الكلمة هذا، وقد خصصنا نبذة أخرى تحت عنوان "زواج" لبيان ما يتعلق بالأسرة.
العهد القديم
لا يعلن الله عن نفسه في اسمه السرّي فحسب (خروج 3: 4 ا- 15)، وإنما هناك أسماء أخرى، مقتبسة من اختبارات الحياة اليومية، مستخدمة للتعريف به في علاقاته مع شعبه، فهو راعيه وأبوه، كما أنه أيضاً عريسه. لسنا هنا في صدد أسطورة مثل تلك المعروفة في الديانة الكنعانية، حيث الإله العريس يخصب الأرض التي هو بعلها (السيد والزوج هوشع 2: 18، راجع قضاة 2: 11- 12)، وحيث يعبر عن هذه الأسطورة بواسطة طقوس جنسية ومنها خاصة البغاء المقدّس. تبدو هذه الطقوس مرتبطة بعبادة الأوثان، حتى إن الله الغيور الذي يستهجن الوثنية، يسمّيها زنى في سبيل وصفها بالعار (راجع خروج 34: 15- 16، إشعيا 1: 21). إن إله إسرائيل عريس لا لأرضه وإنما لشعبه، والمحبة التي تربط بينهما لها تاريخ طويل وتنصب على أحاديث الأنبياء حول رعاية الله المجانيّة وانتصار رحمته على خيانة شعبه. فهي تظهر أولاً لدى هوشع الذي أدرك القيمة الرمزية لهذا اللقب، خلال خبرته الزوجيّة الخاصة.
1. خبرة هوشع، العروس المحبوبة والخائنة:
تزوّج هوشع من امرأة أحبها وأنجبت له أولاداً، ولكنّها تركته لتمارس البغاء في إحدى المعابد. ولكنّ النبي استردّها وأرجعها إلى البيت، وبواسطة زمن تقشف واختبار أهبَّها لاسترجاع مكانتها في البيت (هوشع 1 إلى 3). وهذا هو في الغالب معنى هذه القصة الأليمة. في هذا الاختبار الزوجي، يكشف النبي سر العلاقة الكائنة بين حبّ الله الذي يتحد بشعب معين وبين خيانة العهد من جانب إسرائيل فيتخذ العهد صفة عقد الزواج. ليست الوثنية بغاء فحسب، بل هي زنى" عروس مغمورة متجاهلة كلَ النعم التي حصلت عليها. إن الغضب الإلهي غضب عريس يعاقب عروسه الخائنة، ويودّ أن تُرجع له تلك التي ضلت، ليجعلها ثانيةً جديرة بحبه. وسوف تكون لهذا الحب الكلمة الأخيرة، سيجتاز إسرائيل ثانيةً زمن البرية (2: 6 ا- 17). وستُعد خطبة جديدة لزواجٍ يتمّ في العدل والرأفة. والشعب، بعد تطهيره، سيعرف مجدداً عريسه وحبه الأمين له (2: 20- 22). ومن قبل، كان الإسرائيليون يحيون العهد كأنه ميثاق اجتماعي يجلب فسخه غضب الله. ويظهر الآن هذا الغضب كنتيجة غيرة العريس على عروسه، والعهد كاتَحاد زواج، بقدر ما يتضمن من هبةٍ للذات صحيحةٍ، بقدر ما هي محرمة على أي طرف ثالث. هذه الهبة المتبادلة، الأشبه بهبة الزوجين الواحد للآخر، ستتعرّض لتقلّبات الزمن، وترمز هذه التقلبات إلى التعاقب الذي يتميز به تاريخ إسرائيل منذ زمن القضاة (راجع قضاة 2: 11- 19): خطيئة وعقاب، ندم وغفران.
2. الرسالة النبوية، العريس المحبّ والأمين:
يعود إرميا، وريث هوشع الروحي، إلى رمزية الزواج بصور معبّرة، لإظهار تعارض خيانة إسرائيل وفساده مع حب الله الأبدي لشعبه: "هكذا قال الرب: قد تذكّرتُ لكِ مودّة ضيائك، محبة خطبتك، إذ سرت ورئي في البرية " (إرميا 2: 2)، ولكن "على كل أكمة عالية وتحت كلّ شجرة خضراء اضطجعت زانية" (2: 20)، ومع ذلك، "إني أحببتك حبا أبدياً، فلذلك اجتذبتك برحمة " (31: 3). وبصور أكثر واقعية، يشبه حزقيال أورشليم بطفلة لقيطة، تروّج منها منقذها بعدما ربّاها، ولكنها أخذت تسير في طريق الخيانة. وبالرغم من أنها نقضت العهد الذي كان بربطها بزوجها، أعاد هو إليها هذا العهد (حزقيال 16: 1- 43 و 59- 63، راجع 23). وأخيراً، ها هوذا كتاب التعزية الذي يتقن استعمال النبرات المؤثرة للغاية ليكشف لأورشليم مقدار الحب الذي يحبها بها الله: "لا تخجلي! فإنك لن تفتضحي... لأن بعلك هو صانعك... هل ترذل زوجة الصبا، هنيهة هجرتك... (ولكن) برأفة أبدية أرحمك " (إشعيا 54: 4- 8). إن حب العريس مجّاني وأمين، وأبدي ولا يسبر له غور، وسوف ينتصر ويحوّل الخائنة إلى عروس بكر (61: 10، 62: 4- 5) يتحد بها لعهد أبدي. هل يحقّ لنا أن نقرأ كتاب الأناشيد على ضوء هذه النظرة النبوّية، أو بالعكس نعتبره مقتبساً من حبّ عرس وعروس أرضّين، فسواء سرد لنا مجازاً تاريخ إسرائيل، أو تغنّى بهذا الحب الزوجي الذي جعل منه الأنبياء مثال رباط العهد، أن هذا الكتاب لا يورد مفتاحاً للرموز التي يستعملها. إذ إنه لم يوحّد قط بين الله والعريس صراحة. فهما جاز لنا تفسير هذا النص تفسيراً مجازياً، فإنّ هذا التفسير يتطلّب قدراً كبيراً من المهارة، لدرجة أنه من الأفضل اعتبار كتاب نشيد الأناشيد كمثل من الأمثال. يتغنّى هذا النشيد بمحبّة قوية قوة الموت، لهيبها نار لا تنطفئ، هي صورة حب الله الغيور على شعبه (نشيد 8: 6- 7، راجع تثنية 4: 24). أما بالنسبة إلى المزمور 45، الذي استوحته بمناسبة عرس أحد ملوك إسرائيل، فقد طبّقته التقاليد فيما بعد على المسيح- الملك. وسوف تستخدم الرسالة إلى العبرانيين عناصره التي كانت توفر للملك ألقاباً إلهية، ممهدة للإعلان عن بنوة المسيح الإلهية (مزمور 45: 7- 8، عبرانيين 1: 8).
3. كتب الحكمة والاتحاد بالله:
إنّ واقعيّة الأنبياء قد أبرزت حرارة المحبّة الإلهيّة. ويأتي تأمل كتاب الحكمة فيؤكد الطابع الشخصي والباطني في الاتحاد الذي تحققه هذه المحنة. إن الله يمدّ المؤمن بحكمة هي ابنته (أمثال 8: 22) تقوم إزاء الإنسان مقام أم وعروس (سيراخ 15: 2). وإن كتاب الحكمة يعود إلى هذه الصورة، فاكتساب الحكمة طريق للوصول إلى الصداقة مع الله (حكمة 7: 14). لا بدّ من البحث عنها والرغبة فيها والحياة معها (7: 28، 8: 2 و 9). فالحكمة إذ هي العروس التي يمكن الله وحده أن يمنحها (8: 21)، توفّر الخلود للإنسان الذي تتحد به. وإذ يرسلها الله على غرار الروح القدس (9: 17)، فالحكمة هبة روحيّة وقوة عاملة نشيطة تكمل فينا عمل الله وتغرس فينا الفضائل (8: 76). فتتخذ الرمزية الزوجية هنا طابعاً روحانياً للغاية. وهكذا تهيأ الأذهان لقبول الوحي بالسر الذي بفضله سيتم اتحاد الإنسان مع الله، أي تجسد من هو حكمة الله، وزفافه إلى الكيسة عروسه.
العهد الجديد
1. الحمل، عروس العهد الجديد:
ليست الحكمة المولودة من الله والتي تجد نعيمها بين بني البشر (أمثال 8: 22- 24 و31) هبة روحية فحسب، بل هي تظهر في الجسد: هي المسيح، حكمة الله (1 كورنتس 1: 24). وهو في سر الصليب يكمل عمل الإعلان عن محبة الله لعروسه الخائنة التي يخلصها، ويقدس العروس التي هو رأسها (أفسس 5: 23- 27). هكذا ينكشف سر الاتحاد المرموز إليه في العهد القديم تحت لقبي العريس والعروس. ويقوم هذا السر بالنسبة إلى الإنسان في الاشتراك في حياة الثالوث الأقدس، وفي الاتحاد بابن الله، ليصبح الإنسان ابناً للآب السماوي، والعريس هو المسيح، المسيح المصلوب الذي يثبت العهد الجديد بدمه (1 كورنتس 11: 25). ولذا فلا يستثني كتاب الرؤيا أورشليم عروس الله ولكن يسميها عروس الحمل (رؤيا 21: 9).
2. الكنيسة، عروس العهد الجديد:
من هي أورشليم هذه المدعوة للعهد مع ابن الله، لم تعد الأمة التي تمثل شعب العهد القديم، ولكن المرأة الحرّة، أورشليم العليا (غلاطية 4: 22- 27). منذ مجيء العريس الذي شهد له يوحنا السابق، صديقه (يوحنا 3: 29)، نمثل الشريعة امرأتان ترمزان إلى مدبرين روحيتين: من جهة البغي " مثال بابل عابدة الأصنام (رؤيا 17: 1و 7، إشعيا 47)، ومن جهة أخري عروس الحمل مثال المدينة المحبوبة (رؤيا 20: 9) وأورشليم المقدسة النازلة من السماء التي تستمدّ قداستها من بعلها (21: 2 و9- 10). هذه المرأة هي أم أبناء الله، الأبناء الذين خلصهم الحمل من التنين بفضل دمه (12: 1- 2 و11 و 17). ويظهر هكذا أن عروس المسيح ليست مجموع المختارين فحسب، ولكنها أمهم التي منها وفيها يولد كلّ منهم. إنهم يبرّرون بنعمة المسيح (تيطس 3: 5- 7) ويصبحون أبكاراً جديرين بالمسيح عريسهم (2 كورنتس 11: 2)، متحدين بالحمل إلى الأبد (رؤيا 14: 4).
3. العرس الأبدي:
ويتضمن عرس الحمل والعروس مراحل مختلفة، من حيث إن الكنيسة هي في الوقت نفسه أم للمختارين والمدينة التي تجمع شملهم.