مقدمة
إن الكتاب المقدس يتكلم عن هذه الحقيقة الواقعية التي نسميها عامة الخطيئة، في كل صفحة تقريباً من صفحاته. والألفاظ التي يشير بها العهد القديم إلى الخطيئة كثيرة، وهي مأخوذة عادة من مفردات العلاقات البشرية: مخالفة، إثم، تمرد، ظلم.. الخ، وتضيف اليهودية إليها لفظ "دَين"، الذي سوف يستخدمه كذلك العهد الجديد. وبصفة عامة يقدم الكتاب المقدس الخاطئ على أنه "من يصنع الشر أمام عيني الله"، ومقابل "البار" (بالعبرية: "صاديق") يقوم عادة "الشرير" (بالعبرية: "راشاع"). إلا أن طبيعة الخطيئة الحقيقية، وشرها، وأبعادها، نظهر خاصة خلال التاريخ المقدس. ونتعلم فيه أيضاً أن هذا الكشف الخاص بالإنسان ينطوي في الوقت نفسه على كشف عن الله، عن محبته التي تقوم الخطيئة بمناقضتها، وعن رحمته التي تفسح الخطيئة مجالا لممارستها. ذلك أن تاريخ الخلاص ليس سوى تاريخ المحاولات التي لا يمل الله الخالق من تجديدها لإنتزاع الإنسان من براثن الخطيئة.
أولاً: خطيئة الأزمنة الأولى
بين كل قصص العهد القديم نقدم قصة السقوط، فاتحة تاريخ البشرية، تعليماً غنياً غير عادي وإن أردنا إدراك ماهية الخطيئة لا بد لنا من أن نبدأ من هذا التعليم ولو لم يرد في ذكر اللفظ صراحة.
1. فخطيئة آدم:
ظاهرة في هذا التعليم بصفة أساسية على أنها معصية، أي فعل يقاوم به الإنسان الله، عن معرفة وإرادة، بمخالفته واحدة من الوصايا (تكوين 3: 3). إلاّ أن الكتاب المقدس، يذكر صراحة فضلاً عن التمرد الخارجي، فعلاً باطنياً يصدر عنه هذا الفعل الخارجي: فآدم وحواء عصا الله، لأنهما بقبولهما مشورة الحية أرادا أن يصيرا كالله، عارفي الخير والشر" (3: 5)، أي تبعا للتفسير الغالب، أن يقوما مقام الله للبت في الخير والشر. فهما إذ اعتبرا ذاتيهما المقياس، "ادّعيا" أنهما هما السيدان الوحيدان لحكم مصيرهما، ولهما أن يتصرفا في شخصيهما كما يحلو لهمـا. فيرفضان أن يكونا تابعين لمن خلقهما، فيفسدان على هذا النحو العلامة التي كانت تربط الإنسان بالله. غير أن هذه العلاقة، بحسب تكوين 2، لم تكن علاقة تبعية فحسب، بل كانت علاقة صداقة أيضاً. إن إله الكتاب لم يبخل بشيء على الإنسان، الذي خلقه "على صورته كمثاله" (تكوين 1: 26- 27)، ولم يحتفظ لنفسه بشيء، ولا حتى بحياته (راجع حكمة 2: 23)، على عكس الآلهة المشار إليهم في الأساطير القديمة (مثلاً جيلجاميش 10: 3). وها أن حواء أولاً، ثم آدم، بغواية الحية، أخذهما الشك في هذا الإله السخي سخاء لا نهائياً: كأن الوصية الصادرة لصالح الإنسان (رومة 7: 10) لا تكون سوى حيلة ابتدعها الله للمحافظة على امتيازاته، ويكون التهديد الملحق بالوصية مجرد أكذوبة: " لا ولن تموتا، إنما الله عالم بأنكما في يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفين الخير، الشر". (تكوين3: 4- 5). فلا يثق الإنسان بإله صار منافساله. إن مفهوم الله يلحقه الفساد: فبدلاً من مفهوم الله المنزّه عن المصلحة نزاهة فائضة، بحكم كونه كاملاً كمالاً فائقاً، ولا ينقصه شيء ولا يمكنه إلا أن يعطي، يحل محله مفهوم كائن معوز، له أغراضه، شغله الشاغل حماية نفسه من خليقته. فقبل أن تحرك الخطيئة الإنسان على الفعل، قد ألحقت الفساد بروحه. وبما أنها تمسه في صميم علاقته بالله، الذي الإنسان صورته، فلا نتصور فساداً أعمق رسوخاً ولا نعجب لما يجرّه وراءه من عواقب جسيمة للغاية.
2. عواقب الخطيئة:
فكل ما بين الإنسان والله قد تغير، ذلك هو حكم قضاء الضمير". فقبل حلول العقاب بمعناه الحقيقي (تكوين 3: 23// 2: 25) بينهُم آدم وحواء اللذان كانا يتمتعان حتى تلك اللحظة بالعشرة الألهية (راجع 2:25). أن يختبئا من وجه الرب الإله بين شجر الجنة (3: 8) . لقد جاءت المباشرة من الإنسان، فعليه يقع عبء المسئولية" عن ذنبه. إنه هو الذي شاء أن ينبذ الله ويهرب من وجهه، وسيكون طرده من الفردوس تصديقاً على مشيئة الإنسان هذه. إلا أنه سوف يختبر إذ ذاك أن الوعيد بالعقاب لم يكن أكذوبة: فبعيداً عن الله، لا سبيل للبلوغ إلى شجرة الحياة (3: 22)، فلا يبقى بعد ذلك سوى الموت الذي لا رجعة فيه. وفضلاً عن القطيعة بين الإنسان والله، تدخل الخطيئة قطيعة بين أعضاء المجتمع البشري، ابتداء من الفردوس الأرضي، بين الزوجين الأولين بالذات. فعقب ارتكاب المعصية مباشرة، يتنكر آدم لتضامنه مع هذه التي اعطاها الله له معينة (2: 18) "عظماً من عظمه ولحماً من لحمه " (2: 23)، وذلك بإلقائه تبعة تلك المعصية عليها، فيأتي العقاب تثبيتا لهذه القطيعة: " إلى بعلك تنقاد أشواقك، وهو يسود عليك، (3: 16). وفيما بعد تمتد هذه القطيعة فتشمل أبناء آدم: فيقع قتل هابيل ثم يسود العنف وشريعة الأقوى التي يتغنى بها نشيد لامك الوحشي (4: 24). على أن هناك ما هو أبعد من ذلك. فإن سر الخطيئة يتجاوز العالم البشري. فبين الله والإنسان قد ظهر على المسرح شخص آخر، لا يتكلم عنه العهد القديم قط، على الأرجح خشية أن يقام منه إلها ثانياً، ولكن كتاب الحكمة (حكمة 2: 24) سوف يحدد أنه الشيطان أو إبليس، الذي سوف يعود يظهر خلال العهد الجديد. وأخيراً فإن قصة الخطيئة الأولى لا تنتهي دون أن يحصل الإنسان على رجاء: لا شك أن العبودية التي حكم الإنسان بها على نفسه، بينما ظن أنه يفوز بالخزية، هي في حد ذاتها نهائية: فالخطيئة، وقد دخلت العالم مرة، لا يمكن إلا أن تنمو وتتكاثر، وبقدر ما ستتضاعف فالحياة ستنقص بالفعل، حتى تتلاشى تماماً مع الطوفان (تكوين 6: 13- 15) وإذ أتت المبادرة بالقطيعة من الإنسان، فمن الواضح أن مبادرة المصالحة لا يمكن أن تأتي إلا من الله. على أنه منذ هذه القصة الأولى على وجه التحديد، جعل الله أملاً يلوح في الأفق، بأنه تعالى سيتخذ هو يوماً هذه المبادرة (3: 15) . على أن صلاح الله، الذي تنكر له الإنسان، سوف يغلب في النهاية، "سوف يقهر الشر بالخير" (رومة 12: 21). ويحدد كتاب الحكمة بالضبط أن آدم "قد أنقذ من زلته " (حكة 10: 2). وعلى كل فإن كتاب التكوين يرينا مسبّقاً هذا الصلاح يعمل: فهو الذي يحفظ نوحاً وأسرته من الفساد العام ومن عقابه (تكوين 6: 5- 8)، ليخلق به، لو جاز التعبير، عالماً جديداً (8: 17 و20- 22 بالمقارنة مع 1: 22 و 28، 3، 17). وعلى الأخص، عند اتفاق لفيف الأم على الشر (حكمة 10: 5)، اختار ابراهيم فأخرجه من العالم الخاطئ (تكوين 12: 1 راجع بشوع 24: 32 و 14)، لكي "يتبارك به جميع عشائر الأرض " (تكوين 12: 2- 3 رداً ظاهراً على لعنات 3: 14 - 16) .
ثانياً: خطيئة إسرائيل
كما وصمت الخطيئة أصول تاريخ البشرية منذ بدايته، فقد وصمت أيضاً تاريخ شعب بني إسرائيل. فمنذ نشأته أخذ هذا الشعب يعيش درامة آدم. إنه بدوره يتعلم من اختباره الخاطئ، ويعلمنا كيف تكون الخطيئة، فهناك حادثان يبرران على جانب خاص من المغزى.
1. السجود للعجل الذهبي:
مثل ما قيل عن آدم، بل بمزيد من المجانية إن أمكن القول قد أغدق الله النعمة على شعب إسرائيل: فبدون أي استحقاق من جانبه (تثنية 7: 7، 9: 64، حزقيال 16: 2- 5)، وبمحض محبة الله قط، لأن شعب إسرائيل كان خاطئاً مثل سائر الشعوب، سواء بسواء، (راجع يشوع 24: 2 و 14، حزقيال 20: 7- 8 و 18)، اختير ليكون الشعب الخاص، المميز بين جميع شعوب الأرض (خروج 19: 5)، فأقيم "ابنا بكر الله" (4: 22). وفي سبيل خلاصه من عبودية فرعون ومن أرض الخطيئة (تلك التي لا يمكن أن يخدموا الله فيها، حسب 5: 1)، ضاعف الله من معجزاته. غير أنه في ذات اللحظة التي فيها "يعقد الله عهداً مع شعبه، ويرتبط معه بتسليم موسى "لوحي الشهادة" (31: 18)، بطلب الشعب إلى هارون: " اصنع لنا إلهاً يسير أمامنا " (32: 1). وبالرغم من الأدلة التي قدمها الله إثباتاً، "لأمانته "، فإن شعب إسرائيل يراه بعيداً البعد كله، وأعظم من "أن يرى" فلا يؤمن به، ويفضل عليه إلهاً يكون في متناول يديه، ليستطيع أن يهدئ ثورة غضبه بالذبائح، وعلى أي حال إلهاً يحتمل النقل بحسب هواه، بدلاً من الإلتزام بإتباعه وإطاعة وصاياه (راجع 40: 36- 38). فبدلاً من أن "يسير مع الله "، يرغب في أن يسير الله معه. إن خطيئة إسرائيل الأصلية هي رفض الطاعة لله، بل أعمق من ذلك رفض الإيمان بالله والاستسلام له، وهي الخطيئة الأولى التي يذكرها كتاب التثنية في 9: 7، وستتجدد في الواقع عند كل تمرد من تلك التمردات العديدة التي يديرها "الشعب قاسي الرقاب ". عندما يسقط هذا الأخير في الأغراء، فيما بعد، بتقديم عبادة "للبَعْليم" بجوار تلك التي يقدمها الله، سوق يكون ذلك دائما لأنه يرضى أن يرى أن الله هو الواحد "الكافي"، والإله الذي يدين له بالوجود، ويرفض أن يخدمه هو وحده (تثنية 6: 13، راجع متى 4: 10). وعندما يصف القديس بولس الشر الخاص المتمثل بخطيئة عبادة الأصنام، حتى عند الشعوب الوثنية، فإنه لن يتردد في الإشارة إلى خطيئة إسرائيل هذه الأولى (رومة 1: 23= مزمور 106: 20).
2. قبور الشهوة:
يذكر كتاب التثّنية 9: 22، بعد حادث العجل الذهبي مباشرة، خطيئة أخرى لشعب بني إسرائيل، سوف يذكرها القديس بولس أيضاً على أنها بمثابة نموذج "خطايا البرية" (1 كورنتس 10: 6). فمعنى القصة واضح بما فيه الكفاية: إن شعب بني إسرائيل يفضلون على الطعام المختار من الله والموزع عليهم إعجازاً، طعاماً معداً بحسب اختيارهم: "من يطعمنا لحماً، ... والآن فنفوسنا يابسة، لا شيء أمام عيوننا غير المنّ (عدد 11: 4- 6) . يرفض بنو إسرائيل أن يقودهم الله، وأن يستسلموا له، وأن يخضعوا لما كان في فكر الله عتيداً بأن يشكّل الإختيار الروحي في البرية (تثنية 8: 3، راجع متى 4: 4). إن جشعهم سوف ينال بغيته، ولكنهم مثل آدم، سوف يعرفون مدى ما يتكبده الإنسان إذا ما استدل بطرق الله طرقه الخاصة (عدد 11: 33).
ثالثاً: تعليم الأنبياء
ذلك هو بالضبط الدرس الذي لن يكفّ الله عن تلقينه لهم تكراراً بواسطة أنبيائه. فكما أن الإنسان الذي يحاول أن يبني نفسه بنفسه، لا يمكن أن يؤدي به الأمر في النهاية سوى إلى تدمير نفسه، كذلك فإن شعب الله يهدم نفسه بمجرد حياده عن الطرق التي رسمها الله له: على هذا النحو تبدو الخطيئة العائق الأكبر، بل حقاً العائق الوحيد الذي يحول دون تحقيق مخطط الله بشأن إسرائيل، ودون تحقيق "مجده " المتفق ايجابياً مع مجد إسرائيل شعب الله. ولا شك من هذا الوجه أن خطيئة الرئيس، أو خطيئة الملك، أو الكاهن ترتب مسئولية خاصة، ونفهم أنها تذكر في المقدمة، ولكن لا تقوم وحدها. ومن قبل، خطيئة عاكان كانت قد حالت دون دخول جيش إسرائيل برمته مدينة العيّ (يشوع 7)، وكثيراً ما ينسب الأنبياء مصائب الأمة إلى خطايا الشعب بجملته: "إن يد الرب لا تقصر عن الخلاص، ووأذنه لا تثقل عن السماع، لكن آثامكم فرّقت بينكم وبين إلهكم " إشعيا (59: 1- 2).
1. شجب الخطيئة:
ومن ثم فإن كرازة الأنبياء ستقوم في معظمها على شجب الخطيئة، خطيئة الرؤساء (مثلاً 1 صموئيل 3: 11 و 13- 14، 2 صموئيل 12: 1- 15، إرميا 22: 13) وخطيئة الشعب. وعليه ترد قوائم سرد الخطايا، التي تتردد في الأدب النبوي، عادة مع التنويه بعلاقاتها المباشرة أو غير المباشرة بالوصايا العشر، والتي يزداد ترديدها في أدب الحكماء (مثلاً تثنية 27: 15- 26، حزقيال 18: 5- 9، 33: 25- 26، مزمور 15، أمثال 6: 16- 19، 30: 11- 14). وتصبح الخطيئة حقيقة واقعية للغاية، فنتعرف على ما يترتّب على هجر الإنسان ربه: أحداث العنف، والنهب، والأحكام الجائرة، والأكاذيب، وحالات الزنى، وشهودات الزور، والقتل عمداً، والربا الفاحش، واغتصاب الحقوق، وباختصار كل أنواع الفوضى والإخلال بالنظام الإجتماعي.. إن "الاعتراف" في إشعيا 59 يبين ما هي في الواقع هذه الآثام " التي "فرّقت بين الشعب وبين الله" (59: 2): "إن معاصينا معنا وآثامنا قد عرفناها: العصيان والكذب على الرب، والارتداد بعيداً عن إلهنا، والنطق بالجور، والكفر، وترديد كلام الزور والهذيذ به. فأرتد الإنصاف إلى الوراء، ووقف العدل بعيداً، لأن الحق تعثر في الساحة، والاستقامة لم تستطع الدخول " (إشعيا 59: 12- 14). وقبل ذلك بزمن طويل، لم يكن هوشع يتكلم بطريقة مخنلفة: "ليس في الأرض حق ولا رحمة، ولا معرفة الله، بل اللعنة والكذب، والقتل، والسرقة، والفسق، والعنف، قد فاضت، والدماء تلحق بالدماء" (هوشع 4: 1- 2، راجع إشعيا 1: 17، 5: 8، 65: 6- 7، عاموس 4: 1، 5: 7- 15، ميخا 2: 1- 2). إنه درس غاية في الأهمية: من يحاول أن يبني ذاته وحده، بعيداً عن الله سيفعل ذلك في الغالب، على حساب غيره، ولا سيما الصغار والضعفاء. ذلك ما يعلنه المرتل: إن والرجل الذي لم يجعل الله له حصناً" (مزمور52: 9)، "يردد الحديث عن الجرم النهار كله! (الآية 4)، في حين أن البار "يتوكل على رحمة الله مدى الدهر وإلى الأبد" (الآية10). أو ليس ذلك ما كان من قبل يشعر به زنى داود (2صموئيل 12)؟ من هذا المقطع، ونحن نعلم المكان الذي يشغله في المفهوم اليهودي عن الخطيئة (راجع المزمور "ارحمني يا الله "، تنطلق حقيقة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى: إن خطيئة الإنسان لا تمتهن حقوق الله فحسب، بل إنها تطعنه، إذا جاز التعبير، في قلبه.
2. الخطيئة إهانة لله:
لا يستطيع الخاطئ بلا شك أن يصيب الله في ذاته، إنه لشدة اهتمام الكتاب المقدس باحترام التسامي الإلهي احتراماً فائقالا يفوته أن يذكر ذلك في حينه: "إنهم يسكبون سكبالآلهة أخرى لكي يسخطوني. ألعلهم يسخطوني يقول الرب؟ أليس ذلك على أنفسهم لخزي وجوههم؟" (إرميا 7: 18- 19) "فإن أنت خطئت، فماذا تؤثر فيه، وإن أكثرت من المعاصي فإذا تلحق به؟" (أيوب 35: 6). إن الإنسان بإرتكابه الخطيئة ضد الله لا ينتهي إلا إلى هدم ذاته. فإذا وضع الله لنا قوانين، فإنه يصنع ذلك لالصالحه، بل لصالحنا، ولكي نصيب خيراً و... نحيا" (تثنية 6: 24). غير أن إله الكتاب ليس هو إله، أرسطو. الذي لا يهمه أمر الإنسان والعالم.أ) فالخطيئة، وإن كانت لا تجرح الله في ذاته، إلا أنها تجرحه، في كل شيء، بقدر ما تصيب الذين يحبهم الله. ذلك أن داود " بقتل أوريا الحثي بالسيف وبأخذه زوجته "، كان يظن ولا شك أنه قد اعتدى على إنسان فقط، هو، فضلاً عن ذلك، غير إسرائيلي: إلا أنه قد نسي أن الله قد أقام من ذاته ضامنا لحقوق كل شخص بشري، فناتان يذكَره. باسم الله. بأنَه " قد ازدرى اللهَ نفسه. و بأنه بالتالي سيعاقب (2 صموئيل 12: 9-11) .ب) بل أكثر من ذلك، إن الخطيئة بتفريقها بين الإنسان والله، ينبوع الحياة الوحيد، تصيب بذات الفعل الله في تدبير محنته: "إن شعبي استبدل مجده. بما لا فائدة فيه!... تركوني أنا ينبوع الحياة الحية واحتقروا لهم آباراً، آباراً مشققة لا تمسك الماء! (إرميا 2: 11- 13).جـ) ومع تدرج الوحي الكتابي، في كشف أعماق هذا الحب بإطراد، سيسمح بأن ندرك بأي معنى يمكن أن "تهين " الخطيئة الله: إنه جحود الابن إزاء أب محب للغاية (مثلاً إشعيا 64: 7)، بل تجاه أم لا يمكن "أن تنسى مرضعها... ولو أن هؤلاء نسين " (إشعيا 49: 15)، وخاصة عدم أمانة العروس التي تسلَم جسدها لكل عابر سبيل، غير عابئة بحب عريسها الأمين في غير ملل: "هل رأيت ما فعلت المرتدة إسرائيل؟... كنت أظن: أنها بعد أن صنعت ذلك كله، سترجع إليَّ، ولكنها لم ترجع، ارجعي أيها المتمردة إسرائيل! فلا أحوّل وجهي ضدكم، لأني رحيم " (إرميا 3: 7 و 12، راجع حزقيال 16، 23). عند هذه المرحلة من الوحي تبدو الخطيئة بمثابة الخيانة لعلاقات شخصية، الرفض من جهة الإنسان الذي يأبى تسليم ذاته لحب الله الذي يتألم لأنه غير محبوب، وكأن الحب جعله إذا جاز التعبير " قابلا للتجريح " إنه لن يكشف عنه كلية، إلا في العهد الجديد.
3. علاج الخطيئة:
لا يشجب الأنبياء الخطيئة ولا يبيّنون جسامتها إلا لأجل أن يدعوا الناس دعوة أعمق إلى التوبة والاهتداء. ذلك أنه إن كان الإنسان غير أمين، فالله يبقى على الدوام أميناً، فيرفض الإنسان حب الله، ولكن الله لا يكف عن عرض هذا الحب عليه، وطالما يظل الإنسان قابلا للرجوع إليه، فالله يحثه على أن يعود. فكما ورد في مثل الابن الضال، يرتّب الله كل شيء تيسيرا لهذا الرجوع المرغوب فيه، والمرتقب: "لذلك هاءنذا أسيج طريقها بالشوك وأحوطه بحائط، فلا تجد سبيلها فتقفو إثر محبيها فلا تدركهم، وتطلبهم فلا تجد، فتقول أنطلق وأرجع إلى رجلي الأول لأنه حينئذ كان لي خيراً من الآن" (هوشع 2: 6- 7، راجع حزقيال 14: 11، الخ). فإذا كانت الخطيئة، في الواقع، تقوم على رفض الحب، فمن الواضح أنها لن تغفر ولا تمحى ويصفح عنها، إلا بقدر ما سيقبل الإنسان أن يحب من جديد. على أن افتراض أن تكون هناك مغفرة يمكن أن يُعفى معها الإنسان من الرجوع إلى الله، هو تماماً كما لو قدّرنا أن الإنسان قد يحب مع إعفائه من أن يحب... فحب الله بعينه يمنعه من أن لا يشترط هذا الرجوع. فإن كان الله يعلن عن نفسه أنه "إله غيور " (خروج 20: 5، أية 5 تثنية 9، الخ)، فذلك لأن غيرته أثر من آثار حبه (راجع إشعيا. 63: 15، زكريا 1: 14). وإن قال إنه هو وحده يعطي السعادة للإنسان الخلوق على صورته، فلأنه هو وحده يستطيع ذلك. أما عن شروط هذا الرجوع، فإننا نجدها مبينة تحت ألفاظ: رماد، اعتراف، كفارة، إيمان، مغفرة، توبة، 1هتداء، فداء. فالشرط الأول من جهة الإنسان هو بداهة أن يزهد في رغبته في الإستقلال، ويقبل أن يستسلم لعمل الله فيه ولحبه له، وبعبارة أخرى أن يزهد في الأساس الذي تقوم عليه الخطيئة في صميمها. على أنه يلمس أن ذلك في ذاته يفوق قدرته. فلكي يصفح عن الإنسان، لا يكتفي أن يتنازل الله فلا يعود ينبذه، وإنما تدعو الحاجة إلى المزيد: "أن يعيدنا إليه فنعود" (مرائي5: 21). فالله نفسه سيسعى إذن في البحث عن الخراف الضالة (حزقيال 34)، وهو الذي سيعطي الإنسان " قلباً جديداً "، وروحاً جديداً، "روحه هو" (حزقيال 36: 26- 27). حينئذ سيكون العهد الجديد"، عندما لا تعود الشريعة مكتوبة بعد على ألواح من حجر، بل في قلب الناس (إرميا 31: 31- 33، راجع 2 كورنتس 3: 3). فلن يكتفي الله بتقديم حبه، ولا بالمطالبة بحبنا: "إن الرب إلهك سيختن قلبك وقلب نسلك، لتحب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك لكي نحيا" (تثنية 30: 6). لذلك فإن المرتل، إذ يعترف بخطيئته، يسأل الله نفسه أن "يغسله " و"يطهره " و"أن يخلق في قلباً نقياً" (مزمور 51)، لأنه على يقين بأن التبرير من الخطيئة يتطلب فعلاً إلهياً محضاً، شبيهاً بفعل الخلق. وأخيراً يعلن العهد القديم أن هذا التغيير الباطني للإنسان، الذي ينتشله من الخطيئة، سيتم بفضل تقدمة ذبائحية من عبد" سري، لم يكن من قبل تحقيق هذه النبوة، في طاقة أحد أن يتلمس حقيقة شخصيته .
رابعاً: تعليم العهد الجديد
يكشف لنا العهد الجديد أن هذا العبد الذي جاء ليخلص من الخطيئة (إشعيا 53: 11)، ليس سوى ابن الله عينه. وإذا فلا غرابة، أن تحتل الخطيئة فيه مكانا لا يقل عن مكانها في العهد القديم، ولا على الخصوص أن يسمح الكشف الكامل لما فعله حب الله في سبيل الإنتصار على الخطيئة، باكتشاف البعد الدقيق للحقيقة" وفي الوقت نفسه دورها في مخطط الحكمة الإلهية.
1. يسوع والخطأة:
أ) منذ بداية تعليم الأناجيل الزاائية، نرى يسوع وسط الخطأة. فهو في الواقع قد أتى من أجلهم، لا من أجل الأبرار (مرقس 2: 17). إنه يعلن لهم، مسخدماً المصطلحات اليهودية الجارية في ذلك العهد. إنهم " مبرأون " من خطاياهم (أي أنما مغفورة لهم). فإنْ شبَّهَ على هذا النحو الخطيئة "بِدَيْن" بل إن استخدم هذا اللفظ أحياناً (متى 6: 12، 18: 23- 25)، أو لا يقصد بذلك أن يشير إلى أنه كان يمكن أن تغفر (الخطيئة) بفعل من الله دون شرط تغيير روح الإنسان وقلبه. فأسوة بالأنبياء ويوحنا المعمدان (مرقس 4: 1)، يكرز يسوع بالتوبة، بالاهتداء بتغيير جذري للروح، يجعل الإنسان في حالة من الاستعداد لتقبل الخطوة الإلهية والتسليم بعمل الله فينا: "حان الوقت واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقس 1: 15). ومقابل ذلك يبقى يسوع عاجزاً، تجاه من يرفض النور (مرقس 3: 29//)، أو تجاه من يتصور أنه في غير حاجة إلى صفح، كالفريسي في المثل الذي يذكره (لوقا 18: 9 - 11) . ب) لذلك، فإنه أسوة بالأنبياء أيضاً، يشجب الخطيئة أينما وجدت، حتى لدى من يظنون أنهم أبرار لأنهم يحافظون على رسوم شريعة خارجية. إذ إن الخطيئة هي في داخل القلب الذي منه تنبعث مقاصد السوء: الفحش، والسرقة، والقتل، والزنى والجشع، والخبث، والغش، والفجور، والحسد، والنميمة، والكبرياء والسفه. هذه المنكرإت تخرج من باطن الإنسان فتنجّسه (مرقس 7: 21-23//). ذلك لأنه إنما قد جاء "ليكمّل الشريعة" في ملئها، لاليبطلها (متى 5: 17). غير أن تلميذ يسوع لا يمكن أن يكتفي "ببر الكتبة والفريسيين" (5: 20). ولا شك في أن بر ّيسوع قد يلخّص في النهاية في وصية واحدة هي وصية المحبة (7: 1). إلا أن تلميذ المسيح، وهو يرى سلوك معلمه، سيعرف ويداً رويداً ما يعنيه "الحب "، وبالتبعية ما هي الخطيئة. رفض الحب.جـ) إنه سيعرف ذلك خاصة وإنه يسمع يسوع وهو يبين له رحمة الله نحو الخطاة التي لا تدرك. قليلة هي النصوص، في العهد الجديد. التي تبين ما معنى أن الخطيئة تهين الله. وكم يكون شاذأ التفكير في صفح من قبل الله لا يتطلب رجوعاً من جانب الخاطئ بصورة أفضل من تلك الواردة في مثل الابن الضال " أو بالحري مثل الأب الرحيم (لوقا 15: 11- 13)، القريب جداً من التعليم البنوي. ففيما عدا فعل عدم الطاعة، الذي يمكن افتراضه ضمناً ولو أن الأخ الأكبر وحده يشير إليه ليقابل به طاعته الشخصية (الآيتين 29 و30). فإن ما "أحزن " الأب هو رحيل ابنه ورغبته في أن لا يكون ابناً بعد، وفي أن لا يتيح بعد لبأيه أن يحبه حباً ايجابياً: لقد "أهان " أباه بحرمانه من وجوده كابن. فكيف يمكن أن "يعوض " هذه الأهانة، إن لم يكن بعودته، وقبوله من جديد في أن يعامل كمالابن ؟ ولذا يبرز المثل خاصة فرح الأب. فخارج مثل هذا الرجوع، لا يمكن أن يتصور أي صفح، أو بالإحرى منذ البداية كان الأب قد صفح، ولكنّ الصفح لا يصيب خطيئة الابن ايجابياً إلا في حالة رجوع هذا الأخير، وبفعل رجوعه.د) على أن موقف الله هذا بإزاء الخطيئة، يظهره يسوع بأعماله أيضاً أكثر منه بأقواله. فهو لا يقبل فقط الخطأة بنفس الحب وبنفس الرقة الباديين من الأب في هذا المثل (مثلا لوقا 7: 36 38، 19: 5، مرقس 2: 15، 17 يوحنا 8: 10-11)، رغم تعرّضه لايقاع العثار لدى من يشهدون مثل هذه الرحمة وهم عاجزون عن إدراكها على نحو عجز الابن الأكبر (لوقا 15: 28 .3). وإنما يعمل أيضاً مباشرة ضد الخطيئة: فينتصر، هو أولاً، على الشيطان في ساعة التجربة، ثم خلال حياته، العامة ينتزع من ساعته الناس فوراً من سلطان إبليس والخطيئة، القائم في المرض وفي سيطرة إبليس (راجع مرقس 1: 23)، فشرع بذلك في أداء وظيفة العبد (متى 8: 6 1- 17)، ريثما "يفتدي بنفسه" (مرقس 10: 45)، "ويسفك دمه، دم العهد الجديد، من أجل جماعة كثيرة لغفران الخطايا". (متى 26: 28).
2. خطيئة العالم:
يتكلم القديس يوحنا عن المسيح الآتي "ليحمل خطيئة العالم" (يوحنا 1: 29)، أكثر منه عن غفران الخطايا، رغم علمه بهذا التعبير التقليدي (يوحنا 20: 23، 1 يوحنا 2: 12) . فإنه يكتشف فيما يتجاوز الأفعال الشاذة، الوضع الواقعي السري الذي تتولد عنه: إنه قدرة معادية لله ولملكوته، يقف المسيح نفسه على مواجهتها.أ) وتفرض هذه القدرة المعادية أولاً بصورة إيجابية في رفض النور رفضاً مختاراً. ولا غرو فللخطيئة عتمة الظلام: "إن النور جاء إلى العالم، فاستحب الناس الظلام على النور لأن أعمالهم سيئة" (يوحنا 3: 19). إن الخاطئ يقاوم النور لأنه يخشى "أن تفتضح أعماله "، وهو يبغض النور لأن من يعمل السيئات يبغض النور (يوحنا 3: 20). إنه عمى اختياري، عمى محبب، لأنه لا يعترف به كعمى، كما هو في واقعه: "لو كنتم عميانالما كان عليكم خطيئة. ولكنكم تقولون إننا نبصر، فخطيئتكم ثابتة" (يوحنا 9: 41).ب) إن مثل هذا العمى العنيد لا تعليل له إلا بفرض التأثير الخبيث من جانب الشيطان. فالخطيئة في الواقع تجعلنا عبيدا للشيطان: "من يرتكب الخطيئة يكن عبدا" (يوحنا 8: 34). فكما أن المسيحي هو ابن الله، كذلك الخاطئ هو "ابن إبليس الخاطئ منذ البدء"، ويعمل أعماله (1 يوحنا 3: 8- 10). ومن بين هذه الأعمال، يكشف يوحنا عن اثنين، القتل والكذب، "كان منذ البدء مهلكا للناس، لم يثبت على الحق، لأنه ليس فيه شيء من الحق، فإذا نطق بالكذب نضح بما فيه، لأنه كذاب وأبو الكذب " (يوحنا 8: 44). ولقد كان قاتلاً، إذ ألحق الموت بالإنسان (راجع حكمة 2: 24)، وكذلك عندما أوعز إلى قايين بقتل أخيه (1 يوحنا 3: 12- 15). وهو قاتل اليوم إذ يدفع اليهود على قتل من يقول لهم الحقيقة: "إنكم تريدون قتلي، أنا الذي قال لكم الحق الذي معه من الله... إنكم تعملون أعمال أبيكم، وأنتم تريدون إتمام شهوات أبيكم " (يوحنا 8: 39- 44). جـ) وإن القتل والكذب بدور همالا يمكن تعليلهما إلا بالبغض. فالكتاب المقدس، بصدد إبليس، يتكلم عن الحسد (حكمة 2: 24)، ويوحنا لا يتردد في الكلام عن البغض: فكما أن غير المؤمن العنيد "يبغض النور" (يوحنا 3: 20)، هكذا يبغض اليهود المسيح والله أباه (15: 22- 23): اليهود بمعنى العالم المستعبد للشيطان، أي كل من يرفض الاعتراف بالمسيح. وهذا البغض سيؤدي في الواقع إلى قتل ابن الله (8: 37).د) ذلك هو مدى خطيئة العالم، هذه التي ينتصر يسوع عليها. فهو يستطيع ذلك لأنه دون خطيئة (يوحنا 8: 46، راجع 1 يوحنا 3: 5)، وهو واحد مع الله أبيه (يوحنا 10: 30)، و"نور" نقي "لا ظلام فيه" (1: 5 " 8: 12)، وحق دون أدنى أثر لكذب أو لغش فيه (1: 14: 8: 40)، وأخيراً، وربما فوق كل اعتبار آخر، لأنه محبة ولأن الله محبة (1 يوحنا 8:4). وإذا كان خلال حياته لم يكف عن أن يحب، فإن موته سيكون فعل حب، ما من حب أعظم منه، "تمام " الحب (يوحنا 15: 13، راجع 13: 1، 19: 30). ولذا فإن هذا الموت كان نصراً على "رئيس هذا العالم " وقد يظن اللعين أنه يكسب الجولة، ولكنه ضد يسوع لا يستطيع شيئاً (14: 30)، بل هو الذي "قد نبذ" (12: 1 3). لقد غلب يسوع العالم (يوحنا 16: 33).هـ) وما يثبت ذلك لا أن يسوع يستطيع فقط "أن يرتجع الحياة التي يبذلها " (يوحنا 10: 17)، بل ربما أكثر من ذلك، إنه يشرك تلاميذه في نصره: إن المسيحي وقد صار "ابنا لله " بقبوله يسوع (1: 12) "لا يقترف الخطيئة، لأنه مولود من الله " (1 يوحنا 3: 9). وبالأكثر فإنه ما دام يستقر فيه "الزرع الإلهي " أي بالأرجح على حد تعبير القديس بولس، ما دام " ينقاد إلى روح الله! (رومة 8: 14- 15، راجع غلاطية 5: 16)، "لا يسعه أن يخطأ " . ففي الواقع، يسوع "يحمل خطيئة العالم" (يوحنا 1: 29)، ويعمده في "الروح" (الآية 33)، أي وهو يشركه في الروح، الذي يرمز إليه الماء السري الخارج من طعن جنب المصلوب، مثل خروجه من الينبوع الذي تكلم عنه زكريا "المفتوح لبيت داود من أجل الخطيئة والطمث " (يوحنا 19: 35- 37، راجع زكريا 12: 10، 13: 1) والذي كان حزقيال يراه "يخرج من تحت عتبة البيت " ويحول شواطئ البحر الميت إلى فردوس جديد (حزقيال 47: 1- 12، رؤيا 22: 2). إنه بكل تأكيد قد يقع المسيحي في الخطيئة، وإن كان مولوداً من الله (1 يوحنا 2: 1)، إلا أن "يسوع قد صار كفارة لخطايانا " (1 يوحنا 2: 2)، وقد أشرك الرسل في الروح خصيصاً بحيث يستطيعون "أن يغفروا الخطايا" (يوحنا 20: 22 - 23) .
3. لاهوت الخطيئة بحسب القديس بولس:
أ) بفضل المفردات الغزيرة يستطيع بولس أن يميّز بمزيد من الدقة بين "الخطيئة" (باليونانية في صيغة المفرد (hamartia) و"الأفعال الخاطئة" بتسمياتها الخارجة عن العبارات التقليدية " الذنوب " (حرفياً السقطات) باليونانية paraptiomaأو " المخالفات " (باليونانية (parabasis)، دون قصد الإنقاص بشيء قط من ثقل هذه الأخيرة. وعلى هذا النحو، فإن الخطيئة التي ارتكبها آدم في الفردوس، والتي نعلم القدر الذي يعلقه الرسول عليها من خطورة، يسميها على التوالي "مخالفة، ذنباً، معصية" (رومة 5: 14 و 17 و 19) . على كل، فإن الفعل الخاطئ، في تعليم الأخلاق عند بولس، ليس على مستوى خطورة أدنى من مستوى خطورته في الأناجيل الإزائية، مما هو ظاهر بوضوح من قوائم الخطايا التي يتردد ذكرها في رسائله: 1 كورنتس 5:. 1- 11، 6: 9- 10، 2 كورنتس 12: 20، غلاطية 5: 19- 31، رومة 1: 29- 31، كولسي 3: 5- 8 أفسس 5: 3، 1 تيموتاوس 1: 9، تيطس 3: 3، 2 تيموتاوس 2:3- 5. إن كل هذه الخطايا تحرم من دخول ملكوت الله، كما يقرر الرسول ذلك أحياناً صراحة (1 كورنتس 6: 9، غلاطية 5: 1 2). هذا ويلاحظ، تماماً كما ورد في القوائم المماثلة في العهد القديم، مدى التقارب بين أوجه الإختلال في الأمور الجنسية وبين عبادة الأوثان، وحالات اقتراف الظلم الاجتماعي (راجع رومة 1: 21- 32، والقوائم في 1 كورنتس، وغلاطية، وكولسي، وأفسس). كما ينبغي أيضا ملاحظة درجة الجسامة التي بنسبها بولس إلى " الجشع " (باليونانية (pleonexia) تلك الخطيئة التي تقوم على الرغبة في حيازة المزيد أكثر فأكثر، وهي الرذيلة التي كان قدماء اللاتين يدعونها "بخلاً"، والتي تشبه كثيراً، ما تحرّمه الوصايا العشر (خروج 20: 17) تحت تعبير "الأشتهاء" (راجع رومة 7: 7): إن بولس لا يكتفي بالتقريب بين هذه الخطيئة وخطيئة عبادة الأوثان، بل يجعل كليهما واحداً: "ذلك الجشع الذي هو عبادة الأوثان"(كولسي3: 5، راجع أفسس 5: 5) .