مقدمة
فضلاً عن المعنى الحرفي لفعل جرى- مثلاً في حالة ركوض الحرس الملكي (1 صموئيل 22: 17) للإسراع بإعلان أنباء المعركة (2 صموئيل 18: 19- 27)- يورد الكتاب المقدس معنى مجازياً للفعل (باليونانية، trecho)، وأحياناً dioko بمعنى "يسرع نحو" أو يواصل مسيرته " وبالتالي "يضطهد")، وذلك لتمييز القوة الفعالة لكلمة الله، أو الطابع الحماسي عند الذين يذيعونها. وفيما بعد، تحت تأثير المباريات الرياضية التي كان يمارسها العالم اليوناني، أصبحت الكلمة تنطبق على "مجرى" الحياة أي سير الحياة نحو هدف معين.
1. كلمة الله تجري:
إن كلمة الله سريعة، وفعالة وديناميكية: "هجمت كلمتك القديرة من السماء من العروش الملكية" (حكمة 18: 15، راجع 1 صموئيل 22: 17). فهي "تهجم على أيوب هجوم الجبّار" (أيوب 16: 15)، طبقاً لصورة القفز التي حلت محل إسراع الركض: "يرسل الله كلمته إلينا، وكلمته تركض مسرعة" (مزمور 147: 15، راجع إشعيا 55: 11). ولعل بولس كان يستلهم هذا النص عندما طلب الصلاة من أجل "أن يتابع كلام الرب جريه" (2 تسالونيكي 3: 1). والأنبياء هم أيضا، أسوة بفرسان الملك (1 صموئيل 8: 11)، يركضون لإذاعة الكلمة " وكانت يد الرب مع إيليا، فشذ مَتنيه وجرى أمام آحاب حتى وافى يزراعيل" (1 ملوك 18: 46). وحتى الأنبياء الذين لم يرسلهم الله يفعلون بالمثل: "إني لم أرسل الأنبياء وها إنهم منطلقون يجرون ولم أكلمهم وها إنهم يتنبأون (إرميا 23: 21).
2. الحياة سباق:
كثيراً ما تشب الحياة البشرية بالمسيرة (يوحنا 8: 12، 1 يوحنا 1: 6-7)، وقد تصبح سباقاً، عندما يراد التنويه بسرعة الطاعة أو بمهمة عاجلة. وفي بعض الأحيان، يتعلق الأمر أيضاً بإذاعة كلمة الله، كما حدث بالنسبة ليوحنا المعمدان الذي أنهى سعيه (أعمال 13: 24- 25 ).، أو لبولس الذي يقوم سعيه في تبليغ البشارة (20: 24) . وقد يشير الفعل (يجري) إلى الطابع المرح والنشيط الذي تتًم به حياة البر، مضيفاً إلى استعارة "السيرفي طرق الله، نبرة فرح وحيوية: "أسرع في طرق وصاياك حين تشرح قلبي" (مزمور 11:9: 32)0 "أما من يرجون الرب... فيرتفعون بأجنحة كالنور. يعدون ولا يعيون" (إشعيا 40: 31). وفي أسلوب نشيد الأناشيد، تصبح هذه الغيرة المتواصلة في خدمة الله بمثابة همة العروس التي يغمرها الفرح لدى سماع صوت الريح: "اجذبني وراءك فنجري" (نشيد 1: 4). وقد يوحي إليها جري بطرس ويوحنا إلى قبر السيد بصورة مشابهة (يوحنا 4:20). وفي لغة القديس بولس، يصبح هذا الجري سباقاً رياضياً، يتطلب أنواعاً من الحرمان في سبيل الفوز بالنصر (1 كورنتس 9: 24- 27). وتستخدم الصورة نفسها، ولو باستعمال فعل مختلف، للتعبير عن مغامرة بولس برمتها. ففي طريقه إلى دمشق، إذ كان يسعى diokoبمعنى يضطهد) في اللحاق بالمسيحيين، يلتق به المسيح، ولا يتصوّر حينذاك أنه قد بلغ غرضه بعد: بل أسعى dioko لعلي أستولي كما استولى علي "يسوع المسيح... أنسى ما ورائي وأتمطى إلى الأمام فأسعى إلى الغاية، إلى الجائزة التي يدعونا الله إليها، لننالها من عل في المسيح يسوع" (فيلبي 3: 12- 14). وبدلاً من التراجع أمام العراقيل التي تواجهنا (غلاطية 5: 7)، "إذ يحدق بنا مثل هذا الجمهرة من الشهود (مثل الجالسين في مسرح الألعاب الرياضية، الأبطال السابقين)، فلنجرِ (trechomen) بحزم وثبات في ميدان الجهاد الذي عرض علينا، ولنجعل نصب أعيننا رأس إيماننا (عبرانيين 12: 1- 2)، السابق في الركض (6: 20). حينئذٍ لا يكون جرينا عبثاً (1 كورنتس 9: 26، غلاطية 2: 2، فيلبي 2: 16)، فنستطيع أن نقرر مع بولس: جاهدت جهاداً حسنا ًإلى النهاية، وأتممت شوطي، وحافظت على الإيمان" (2 تيموتاوس 4: 7). لكن في كل هذا، ينبغي إلا تنسى أن كل شيء يأتي من الله وحده. "فليس الأمر إذاً لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل لله الذي يرحم" (رومة 16:9).