مقدمة
لا يوجد في الكتاب المقدس بحث خاص عن الله. فهو لا ينظر إلى الله عن بعد كما لو أراد أن يصف موضوعاً، وكذلك لا يدعونا إلى التكلم عنه، بل أن نصغي إليه وهو يتكلم وأن نجيب إليه معترفين بمجده ، منصرفين إلى خدمته. وعلى شرط أن نبقى في إطار الخضوع والحمد، فمن الممكن أن نفصح عما يقول الله عن نفسه في الكتاب المقدس. إن الله لا يتكلم عن ذاته على نفس المنوال في العهد القديم والعهد الجديد، عندما يخاطبنا بواسطة أنبيائه وبواسطة ابنه (عبرانيين 1: 1- 2). وأكثر مما يعالجه أي موضوع آخر، يجب هنا أن نميز تماماً بين العهد القديم والعهد الجديد، لأن "ما من أحد رأى الله ، الابن الواحد الذي في حضن الآب هو الذي أخبر عنه" (يوحنا 1: 18) ، وبقدر ما يجب أن نرفض بدعة التضاد بين الله الحقود في العهد القديم والله المحب في العهد الجديد، بقدر ذلك يجب أن نؤكد أن يسوع المسيح وحده يُفضي إلينا بسر الله الواحد في العهدين.
العهد القديم
أولاً: الله هو الأول
منذ البدء (تكوين 1: 1، يوحنا 1: 1) الله موجود ووجوده مفروض كواقع أساسي لا يستدعي أي تفسير. فليس لله بداية ولا صيرورة. ويجهل العهد القديم مذاهب توالد الآلهة (theogonies)، التي تفسر صنع العالم بتكوّن الآلهة في أديان الشرق القديم . فلأنه هو وحده "الأول والآخر"، (إشعيا 41: 4 ، 44: 6، 48: 12) ، كان العالم كله من صنعه وخلقه. ولأن الله هو الأول، فليس عليه أن يقدّم نفسه، فهو يفرض نفسه على عقل الإنسان بمجرد أنه الله. فلا نجد، في أي مكان، محاولة من الإنسان للكشف عن الله أو لسعي منه، يؤدي تدريجياً إلى الإقرار بوجوده تعالى. فمعنى أن الإنسان يعرف الله هو أن يكون الإنسان معروفاً منه (راجع عاموس 3: 2) وأن يكتشفه في مصدر وجوده نفسه، وأن الهرب منه هو أيضاً الشعور بأن الله يلاحقه بنظره (تكوين 3: 10، مزمور 139: 7). ولأن الله هو الأول، فبمجرد أن يكشف عن نفسه، تبرز بوضوح شخصيته، وانفعالاته ومقاصده. ومهما تكن معرفتنا بالله ضئيلة فإننا نعرف، بمجرد أن نكتشفه، أنه يريد شيئاً محدداً، وأنه يعلم تماماً كنه عمله وهدف نشاطه. وهذه الأسبقية المطلقة لله تعبر عنها التقاليد المختلفة في التوراة على طريقتين متكاملتين. في الرواية المعروفة باسم اليهودية، يظهر يهوه منذ بدء العالم، وقبل حادث العليقة المشتعلة بزمن طويل، أنه يعمل مواصلاً تحقيق قصده الوحيد. أما الروايات الإيلوهيمية، فهي بالعكس، تلحّ في الجديد الذي يأتي به إعلان الله باسمه إلى موسى، ولكنها في الوقت نفسه تشير إلى أن الله قد سبق فعرّف نفسه تحت ألقاب مختلفة تكاد تكون كلها نعوتاً للإسم الإلهي "إيل". هذا لأن موسى لم يكن في وسعه أن يكتشف أن يهوه هو الله الحقيقي، لو لم يكن قد عرف الله من قبل، معرفة متميزة وإن غامضة. فالإله الذي يكتشفه العقل بمجرد تيقظه، هو نفسه ذات الله الذي نعرفه بالوحي، والكتاب المقدس يعبر عن هذه الحقيقة بالتطابق المباشر والدائم الذي يضعه بين يهوه وإيلوهيم، أي بين الإله الذي يكشف عن نفسه لإسرائيل والإله الذي قد تذكره الأمم. ولذا، فكلما كشف يهوه عن نفسه مقدّماً ذاته، سمّى نفسه وتمّيز باسم "إيل- إيلوهيم" مع كل ما يوحي به هذا الاسم من ذكريات مثل: إله أبيك (خروج 3: 6) إله آبائكم (خروج 3 :15)، "إلهكم" (خروج 6: 7)، "إله رحيم ورؤوف" (خروج 34: 6): "إلهك" (إشعيا 41: 10، 43: 3) أو بصورة أبسط: "الله" (1 ملوك 18: 21، 36- 37). وتنشأ بين اسم الله واسم "يهوه" صلة حية وجدليّة. ولكي يستطيع أن يكشف عن نفسه أنه يهوه، يعرض إله إسرائيل نفسه كإله، ولكن عندما يعلن أنه يهوه، يكشف لنا بطريقة جديدة تماماً عن ماهيته وجوهره.
ثانياً: إيل، إيلوهيم، يهوه
يعتبر اسم "إيل"، عملياً المقابل القديم والشعري لإيلوهيم. وكما هو الحال في استعمالنا للفظي إيلوهيم، والله، فإن لفظ "إيل"، هو في الوقت نفسه، اسم جنس يدل على الألوهية بصفة عامة، واسم علم يدل عل الشخص الوحيد والمحدد الذي هو الله. أما إيلوهيم فهو صيغة جمع، لا جمع التفخيم- فهذا غير معروف في اللغة العبرية - وليس أيضاً أثراً وثنياً، إذ هذا لا يتفق مع العقلية الإسرائيلية، الحساسة جداً، في مثل هذا الموضوع، ولكن من الأرجح أنه أثر من مذهب مشترك بين الشعوب السامية، يدرك الجوهر الإلهي على شكل قوي متعدد.
1. إيل:
كان "إيل" معروفاً ومعبوداً خارج إسرائيل. كإسم جنس، يدلّ على الألوهية، تقريباً في كل العالم السامي، وكإسم علم، هو اسم إله عظيم، يظهر أنه كان الإله الأعلى، في القسم الغربي من هذه. المنطقة، خاصة في فينيقيا وكنعان. هل كان "إيل"، منذ منشأ السامية، إلهاً مشتركاً، متسامياً، عبادته نقية مع تعرضها للزلل، حجبتها فما بعد وثنيهْ مغرية ومنحرفة ؟ أم هل كان بالحري الرئيس والقائد للعشائر السامية المختلفة، إلهاً وحيداً لكل عشيرة، وكان غير أهل لفرض وحدانيته عند تعرضه لجماعات أخرى، فانحدر إلى مستوى أحد آلهة الوثنية ؟ هذا الموضوع غير قابل للفصل تماماً، ولكن الشيء اليد هو أن آباء الأسباط يسمّون إلههم "إيل" وينعتونه بصفات شتى: الإله العلي (تكوين 14: 22)، الراءِيّ (16: 13)، الله القدير (17: 1، 35: 11، 48: 3)، إله بيت إيل (35: 7) الإله السرمدي (21: 33). وهو، إذ يكون خاصة في حالة الإله العلي، إله ملكيصادق، ملك سالم، فإنه يظهر التطابق بينه وبين إله ابراهيم (14، 20- 22). وتدل هذه الوقائع ليس فقط على أن إله إسرائيل هو "ديان كل الأرض" (18: 25)، ولكن أيضاًًً أنه جدير بأن- تعرفه وتعبده فعلياً كل الشعوب حتى خارج دائرة شعب الله. غير أن هذه الشعوب لم تصل إلا نادراً إلى معرفة الله. ففي أكثر الأحيان لم تكن آلهة الأمم في مصاف الآلهة (إرميا 2: 11، 2 ملوك 19: 18). إن "إيل،/ إيلوهيم" لم يُعرف عملياً، بصفته الإله الحقيقي، إلا عندما كشف عن نفسه لشعبه تحت اسم "يهوه". فالشخصية الفريدة "ليهوه" تعطي الوجه الإلهي- المعَّرض دائماً للشحوب والتشويه تحت تأثير الديانات الوثنية المختلفة - صلابة وحيوية سيتميز دائماً بهما.
2. يهوه:
تحت اسم "يهوه"، يكشف الله عن ذاته وعن عمله. فعمله باهر، لا مثيل له، واسمه عجيب. وبينما يتجلى "إيل" إلى آباء الأسباط في أماكن مألوفة لديهم متخذاً أشكالاً بسيطة وقريبة إلى ذهنهم، يكشف يهوه عن نفسه لموسى في إطار الصحراء الوحشي وفي محنة الغربة، على صورة النار الرهيبة (خروج 3: ا- 15). ويكمل الإعلان المذكور في خروج 33: 18- 23، بإعلان آخر لا يقل رعباً (خروج 34: ا- 7). غير أن هذا الإله ذا القداسة الملتهبة هو إله أمين ومحرر لشعبه. أو يتذكر إبراهيم وذريته (3: 6)، ويعير اهتمامه لبؤس العبرانيين في مصر (3: 7)، وهو عازم على تحريرهم (3: 8) وتأمين سعادتهم. واسم يهوه الذي يكشف به الله عن نفسه ينسجم مع النشاط الذي يواصله. أجل، يشتمل هذا الاسم على سر ويدل بنفسه على شيء ممتنع المنال: "أنا هو الكائن" (3: 14). لا يستطيع أحد أن يمتلكه حتى ولا أن يدركه إدراكاً تاماً. ولكنه يحمل أيضاً معنى إيجابيّاً، يؤكد على حضورْ في غاية النشاط والتيقظ ، وعلى قدرة حصينة ومحررة، وعلى وعدٍ غير منكوث: "أنا كائن".
ثالثاً: الله يتكلم عن نفسه
إن يهوه، بصيغة الغائب، هو ترديد الناس للإعلان الذي قام به الله في صيغة المتكلم: إهيه "أنا كائن". هذا الاسم الكامل في معناه، يفسره الله باستمرار بواسطة التعبيرات المختلفة التي يعطيها عن نفسه.
1. الله الحيّ:
لعل التعبير "إني حي" على لسان الله، هو تعبير متأخر يرجع إلى حزقيال النبي، إلا أنه على كلّ، صدى لتعبير شعبي قديم جداً يفصح عن إيمان إسرائيل: "حي الرب" (قضاة 8: 19، 1 ملوك 17: 1... )، "الله الحيّ" (1 صموئيل 17: 26 و 36، 2 ملوك 19: 16). ويعبّر تماماً عمًَا ينطبع في الإنسان إزاء الله، وهو الشعور الذي يملأ قلب الإنسان أمام كائن يتميز حضوره الدائم بنشاط فائق وتلقائية مباشرة وشاملة "لا يتعب ولا يُعيي" (إشعيا 40: 28)، "لا ينام ولا ينعس" (مزمور 121: 4)، يسرع بالمعونة، بمجرد أن يمس أحد ذويه (1 صموئيل 17: 26 و 36، هوشع 2: 1، دانيال 6: 21). ويعبر كلامه في جبل حوريب، حين يكشف عن اسمه، عن هذه الحياة المتدفقة، وهذا الاهتمام بعمله: "نظرت... سمعت... علمت... نزلت... أبعثك" (خروج 3: 7- 10). ولذا فهذا التعبير "أنا كائن" الذي مهدت له هذه الأفعال المتفجرة، لا يمكنه أن يقلّ عنها حركة وحيوية.
2. الله القدوس:
"أقسم بقداستي" (عاموس 4: 2)، "إني القدوس ..." (هوشع 11: 9). وهذه الحيوية الباطنية التي لا تقاوم، وهنا الحماسة التي تلتهم وتُحيي معاً، هما القداسة. الله قدوس (اشعيا 6: 3)، واسمه قدّوس (عاموس 2: 7، لاويين 20: 3، إشعيا 57: 15...) وإشعاع قداسته يقدس شعبه (خروج 19: 6)، وأما قداسته هذه فتفتح أمام الله هوة لا يستطيع أي مخلوق أن يتخطاها. لا يستطيع أحد أن يحتمل الاقتراب منها، فالسماء تترنح وتسيل الجيال (قضاة 5: 4- 5 ، خروج 19: 16) ويرتعب كل ذي جسد، ليس فقط الخاطئ الذي يرى أنه هالك، بل حتى السرافيم الناريون، فهم أيضاً غير مستحقين أن يظهروا أمام الله (إشعيا 6: 2).
3. إني إله غيور (خروج 20: 5):
إن غيرة الله المتقدة هي مظهر آخر لحيويته الباطنية. فهي الحمية التي يبدو بها في كل ما يفعل وفي كل ما يتصل به. لا يقبل أن تتدخل يد غريبة فتدنس ما هو عزيز لديه، وما "قدسته" وكرّسته عنايته. لا يطيق أن يبؤ عمل من أعماله بالفشل (راجع خروج 32: 12، حزقيال 36 :22... "ولا يعطي كرامته لأحد" ( إشعيا 48 : 11 ). وعندما يكتشف الأنبياء أن هذه الغيرة الإلهية لعمله هي غيرة الزوج، يأخذ الموضوع قوة وعمقاً باطنياً جديدين. فالغيرة الإلهية هي في الوقت نفسه غضب ريب وحنان سريع التأثر.
4. لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي (خروج 20: 3):
تنصبّ غيرة الله خاصة على "الآلهة الأخرى". فليس التوحيد الإسرائيلي ثمرة تفكير فلسفي أو توحيداً سياسياً، أو تطوراً دينياً، إنما هو تأكيد إيماني. وهو في شعب إسرائيل، قديم قدم الإيمان أي قدم اليقين، بأن الله، الذي هو سيد كل الأمم، قد اختاره دون هذه الأمم. وقد يكون هذا الإيمان بالتوحيد تواجداً لمدة طويلة مع تصورات تتضمن وجود "آلهة أخرى"، مثل كموش في موآب (قضاة 11: 23- 24)، أو مع الاعتقاد بتعذر عبادة الله خارج حدود "ميراثه" (1 صموئيل 26: 19، 2 ملوك 5: 17). ولكن منذ البدء لم يستطع الله أن يقبل وجود مزاحمين له، ويسرد تاريخ شعب إسرائيل انتصاراته على منافسيه؛ آلهة ممر و بعول كنعان، والأباطرة المؤلهة في أشور وبابل، حتى الانتصار النهائي الذي يفضح بقوة بطلان الآلهة المزيفة وعدم وجودها. ولئن كان هذا الانتصار يتحقق أحياناً بواسطة معجزات فهو دوماً انتصار إيمان. إن إرميا الذي يبشر بخراب شامل في يهوذا وأورشليم، يلاحظ بطريقة عابرة أن آلهة الأمم "ليست بآلهة" (إرميا 2: 11)، بل هي "لا وجود لها" (5: 7). وفي وسط السبي، وإزاء عظمة عبادة الأصنام الباهرة لا ينفك هذا الشعب المهزوم، المتسربل بالعار، يهتف بهذه التصريحات القاطعة: "لم يصوّر إله قبلي ولا يكون بعدي. أنا الرب ولا مخلّص غيري" (إشعيا 43: 10-11...). إن ذكرى حوادث حوريب تبدو واضحة. والصلة الروحية بين نصوص مختلفة كل الاختلاف لها دلالتها: فيهوه هو الإله الواحد لأنه هو وحده يستطيع أن يخلص؛ "هو الأول والآخر"، هو الحاضر دوماً، واليقظ دون انقطاع. وإذا كانت عبادة الأوثان تصيب منه "مقتلاً" فذلك لأنها تضع قدرته على الخلاص وإرادته في تحقيقه موضع الشك، ولأنها تنفي دوام حضوره، وفاعليته، فتنفي أنه يهوه.
5. أنا الله لا إنسان (هوشع 11: 9):
يختلف الله تماماً عن الإنسان، فالله روحْ والإنسان جسدْ (راجع إشعيا 31: 3)، واهٍ وقابل للفناء مثل العشب (إشعيا 40: 7- 8). وهذا الفرق جذري بحيث يتعذر على الإنسان إدراكه. فيرى، في قدرةْ الله، القوة الفعالة وليس الأمانةْ المخلصة (راجع عدد 23: 19). ولا يرى، بالنسبة إلى قداسته، إلا المسافة التي لا سبيل إلى اجتيازها بدون أن يطرأ على ذهنه، أنها قرب وحنان معاً: "أنا... فيك قدوس... ولا أرغب في التدمير" (هوشع 11: 9). إن سمو الله غير قابل للإدراك، ويجعله في الوقت نفسه "العلي الرفيع" الذي "يسكن في الموضع المرتفع المقدس، ويسكن مع المنسحق والمتواضع الروح" (إشعيا 57: 15). هو القدير وإله المساكين، يدوي صوته في قصف العاصفة (خروج 19: 18- 20) وفي صوت النسيم (1 ملوك 19: 12). إنه غير منظور، وموسى نفسه لم يرَ وجهه (خروج 33: 23)، ولكن، لكي يعلن عن نفسه، يلجاْ إلى ردود فعل القلب الإنساني، فيستسلم لنا. إنه يحرّم كل تصوير له، كل صورة يجعلها الإنسان وثناً تعرضه لعبادة صنع يديه، ولكنه يتقدم إلى مخيلتنا على شكل صور أكثر ما تكون واقعية. هو "الكليّ الآخر" وليس من يشابهه (إشعيا 40: 25) ولكن، في كل مكان هو في بيته، وليس هو بالنسبة إلينا غريباً. فهو يعبر عن انفعالاته وتصرفاته عن طريق حركاتنا العادية جداً: فهو "يجبل" بيديه الإنسان تراباً من الأرض (تكوين 2: 7) ويغلق على نوح باب السفينة (تكوين 7: 16) ليتأكد من سلامة كل سكانها. له النشوة الانتصارية لقائد الحرب (خروج 15: 3) وعناية الراعي نحو غنمه (حزقيال 34: 15)، يحمل العالم في يده ومع ذلك يكنّ لشعب إسرائيل الصغير عطف الكرَّام لِكَرْمِه. (إشعيا 5: 1- 7)، وحنان الأب (هوشع 11: 1) والأم ( إشعيا 49: 15)، وشغف المحبّ (هوشع 2: 16- 17). وقد تكون هذه التشبيهات ساذجة ولكنها تعبر دائماً بطريقة عميقة عن سمة أساسية لله الحقيقي: فإذا كان قد خلق الإنسان على صورته فهو قدير أن يكشف عن نفسه بواسطة انفعالات إنسانية. وإذا كان مختلفاً عنا، إذ هو بدون نسب أو زوجة أو جنس، فهو ليس أقل إنسانية منا، بل بالعكس، هو يشكل المثل الأعلى الذي نحلم به للإنسان: "ليس الله إنساناً فيكذب ولا كبني البشر فيندم" (عدد 23: 19). يتفوق الله دائماً علينا، ودائماً في الاتجاه الذي يصعب أن نتوقع مقابلته فيه.
رابعاً : الأسماء التي يسمي الإنسان بها اللّه
إننا نعرف الله أخيراً، في العهد القديم، خلال تصرف من يعرفونه، والأسماء التي يسمّونه بها. يمكن لأول وهلة، أن نميز بين الألقاب الرسمية، المستعملة في العبادة الجماعية، والصفات التي تبتكرها التقوى الشخصية. ولكنَّا في الحقيقة نجد الصفات نفسها، بما تحتويه من مشاعر، في الصلاة الجماعية والصلاة الشخصية: فالله هو "صخر إسرائيل" (تكوين 49: 24، 2 صموئيل 3:23...) كما هو صخرتي (مزمور 3:18- 4، 144: 1) أو فقط "صخرة" (مزمور 18: 32)، "مجنّي" (مزمور 18: 3، 144: 2) و"مجننّا" (مزمور 84: 10، 89: 19)، "راعي شعبه" (مزمور 7: 14) و "راعيّ" (مزمور 23: 1) وهذا دليل على أن المقابلة مع الله شخصية وحيّة. هذه الصفات هي في غاية البساطة ومستمدة من الحقائق المألوفة في الحياة اليومية. فقد يجهل الكتاب المقدس الطلبات المتكررة، المستعملة في مصر أو بابل، والألقاب العديدة الموجهة إلى الآلهة الوثنية. إن إله إسرائيل لامتناه في العظمة، ولكنه دائماً في متناول اليد والصوت. هو العلي الرفيع (عيليون)، الأزلي (عولام). و القدوس (قادوش). و لكن أيضاً "الله الذي رآني= إيل روئي" (تكوين 16: 13). إن أغلب أسماء الله تصفه من حيث علاقته بذويه: "مهابة اسحق" (تكوين 31، 42، 53)، "عزيز يعقوب" (49: 24) إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب (خروج 3: 6)، إله إسرائيل، إلهنا، إلهي، سيدي. حتى صفة "القدوس"، التي تعبر عن انفصاله المطلق عن كلّ حليقة، تصبح على شفتيه "قدوس إسرائيل" (إشعيا 1: 4) وتجعل من هذه القداسة شيئاً خاصاً بشعب الله. هذا التملك المتبادل يظهر سرّ العهد ، ويبشر بالصلة التي توحّد الله بابنه الوحيد يسوع المسيح.
العهد الجديد
أولاً: التقرب من الله في يسوع المسيح
كشف الله عن نفسه، بطريقة نهائية وكاملة، في شخص يسوع؛ وفي منح الله لنا ابنه بالذات لم يبقَ له شيء يحتفظ به لنفسه، ولن يعود يمكنه إلا العطاء (راجع رومة 8: 32). إن اليقين الأساسي الذي تحيا به الكنيسة، والاكتشاف الذي ينير كل العهد الجديد، يجعلاننا نرى أن الله، إنما قام، بحياة يسوع وموته وقيامته، بفعله الأسمى، وان كل إنسان منذ ذاك يستطيع أن يتقرب إليه. هذا الفعل الفريد والنهائي يستطيع أن يأخذ أسماء مختلفة بحسب وجهات النظر، فأكثر التعبيرات قدماً تقول ببساطة: "يسوع هذا الذي صلبتموه... جعله الله سيداً ومسيحاً... فإن الوعد لكم ثم لأولادكم وجميع الأباعد" (أعمال 2: 36- 39) "على يده ننال التوبة وغفران الخطايا" (أعمال 5: 31). تبدو هذه التعبيرات متواضعة ولكنها تحمل معنى بعيداً، مثل أكثر تعبيرات بولس الرسول جلاءً، عن "سر الله أعني المسيح" (كولسي 1 : 27، 2: 2) "لأن لنا به... سبيلاً إلى الله" (أفسس 2: 18، 3: 12) مثلها تعبيرات يوحنا: "ما من أحد رأى الله، الابن الواحد الذي في حضن الآب هو الذي أخبر عنه" (يوحنا ا: 18). منذ أول يوم، يقرّ الإيمان المسيحي بأن السموات، التي هي مسكن الله، تفتحت على ابن الإنسان (أعمال 7: 56، يوحنا 1: 51، راجع مرقس 1: 10). فأساس الاختبار المسيحي واحد في جوهره، وإن بدا تحت صور مختلفة وأسماء شتى: "ظهور بر الله" (رومة 3: 21)، "المصالحة" (رومة 5: 11، أفسس 2: 16)، "انعكاس مجد الرب على وجوهنا" (2 كورنتس 3: 18)، "معرفة الله" (يوحنا 17: 3)، كل هذه التعبيرات تفيد أن الله في متناول إدراكنا، وهو يقدم ذاته لكل من يريد أن يقبله، في شخص المسيح، الذي به يظهر الله قدرته الفائقة ومحبته العجيبة. ولذا فإنه لشيءٌ واحد أن يتحد المرء بالمسيح بواسطة الإيمان وأن يعرف اللهَ الحق: "فالحياة الأبدية هي أن يعرفوك، أنت الإله الحق وحدك، ويعرفوا الذي أرسلته يسوع المسيح" (يوحنا 17: 3). فأمام ظهور يسوع المسيح، يكتشف الإنسان المؤمن وجه الله الحقيقي وحضوره الفعال، سواء أكان هذا الإنسان آتيا من اليهودية أم من الوثنية ؛ أكان تكوينه مبنياً على الحكمة البشرية أم على التراث اليهودي .
ثانياً : إعلان الله الحق في شخص المسيح
1. موقف عابد الأصنام :
أمام الإنجيل الذي يعرضه بولس الرسول، يكتشف الوثني، في شخص المسيح، الوجه الحقيقي لله وعمق خطيئته الشخصية. فإنجيل المسيح يرفع القناع، في الوقت نفسه، عن فساد الحكمة الوثنية "التي استبدلت بمجد الله الخالد صوراً تمثل الإنسان الزائل" (رومة 1: 23)، وعن مصدر هذا الفساد الظاهر في أن "الناس اتقوا المخلوق من دون الخالق" (1: 25)، "ولم يمجدوه" (1: 21)، كما أن الإنجيل يبين النتيجة الحتمية لهذا الفساد ألا وهي انحطاط الإنسان والموت (1: 32). فالوثني بتركه الأوثان، وهو في انتظار ظهور السيد المسيح، يكتشف "الله الحيّ الحق" (1 تسالونيكي 1: 9)، وهو يعاين، على وجه المسيح ، مجد الله (2 كورنتس 4: 6) الذي كان غريباً عنه (رومة 3: 23).
2. موقف الوثني الذي يبحث عن الله (أعمال 17: 27):
إن الوثني الذي يبحث عن الله بحماسة (أعمال 17: 27)، والذي يقدر أن يصل إلى معرفة الله عن طريق الحكمة البشرية (1 كورنتس 1: 11، رومة 1: 22)، لا يقل اكتشافه لله في المسيح جدة، ولا يقلّ اهتداؤه عمقاً. أجل، إنه يجد في الله الذي أعلنه يسوع المسيح، "الطبيعة" الإلهية، والكائن الأزلي غير المتغير والقادر على كل شيء والعالم بكل شيء والكلي الخير والصلاح. ولكن ليس لهذه الصفات ذاك النور السويّ والخافت، الخاص بيقين الحقائق الميتافيزيقية، بل هي تتميز منذ الآن بالبهاء المتلألئ والعجيب، بهاء المبادرات التي أظهر الله بها نعمته وأدار نحونا وجهه (راجع عدد 6: 25). ويصبح علمه الشامل تلك النظرة الشخصية التي تتبعنا في الخفية (متى 6: 4- 6)، وتسبر غور القلوب (لوقا 16: 15). وقدرته الفائقة هي إمكانه في أن يُخرج من هذه الحجارة أبناء لابراهيم (متى 3: 9) "ويدعو إلى الوجود غير الموجودة" (رومه 4: 17)، سواء أكان هذا الخلق في إيجاد نسل لابراهيم أو إقامة السيد المسيح من بين الأموات (رومة 4: 24). أما أزليته فهي أمانة كلمته، ومتانة وعده وهي "الملكوت الذي أعده الله لذويه منذ إنشاء العالم" (متى 25: 34)، وأما صلاحه فيقوم في هذا الأمر المدهش للغاية: "إن حب الله لنا سابق لحبنا" (1 يوحنا 4: 10 و 19) فقد أحبنا عندما كنا أعداءه (رومة 5: 10). وبدلاً من معرفةْ الله الطبيعية، التي ليست، على حقيقتها، سوى معرفة للعالم أعمق، فإن وحي يسوع المسيح يتيح لنا حضور الله المباشر الحي، واللقاء الشخصي معه. لأن معرفتنا لله إنما هي أن نكون معروفين منه (غلاطية 4: 9).
3. موقف اليهودي:
إن اليهودي، رغم معرفته لله، كان ينتظر منها المزيد. ففي الاختيار أسمعه الله دعوته وفي عهد سيناء تكفّل بوجوده، وبلسان أنبيائه أعلن له حقاً كلمته (عبرانيين 1: 1). لقد كان الله أمامه كائناً حياً يدعوه إلى الحوار. ولكن إلى أي مدى يجب أن يمتد هذا الحوار، إلى أي تعهد من قبل الله، وإلى أي التزام من لدن الإنسان! لم يكن في العهد القديم في مقدوره أن يجيب عن هذه الأسئلة. فهناك البون شاسع بين الرب وأخلص خدامه. فالله، "إله رحيم رؤوف" (خروج 34: 6)، وفيه شغف العريس وحنان الأب، لكن وراء هذه الاستعارات التي تفتح المجال واسعاً أمام مخيلتنا، مع أنها لا تزال تخفي عنا الحقيقة، ما هو السر الذي يدّخره الله لنا؟ هذا السر يكشفه لنا يسوع المسيح. فأمامه، تصير الدينونة وتنكشف أفكار من قلوب كثيرة. والذين يرفضون الإيمان يسوع، يتشدقون عبثاً بإيمانهم بالله أبيه قائلين: "إنه إلهنا"، فهم لا يعرفونه وإنما يرتكبون كذباً (يوحنا 8: 54- 55، راجع 8: 19)، أما الذين يؤمنون فلا يتعثرون أمام أي غموض ، بل إنهم دخلوا في سر الله الذي لا يدرك، وصاروا يألفونه، ويسمعون الابنَ يسرّ إليهم: "أطلعتكم على كل ما سمعته من أبي" (يوحنا 15: 15). لا داعي بعد للاستعارات والأمثال، فيسوع يتكلم عن الآب بكلام واضح (16: 25)، فلا داعي لمزيد من الأسئلة (16: 23)، ولا داعي لأي قلق (14: 1)، فقد رأى الرسل الآب (14: 7).
4. الله محبة:
هذا هو السر (1 يوحنا 4: 8 و 16) الذي لا نصل إلى إدراكه، إلا بيسوع المسيح، عندما نعرف في شخصه محبة الله لنا (4: 16). فقد استطاع العهد القديم أن يستشعر أن المحبة، من حيث هي الوصية الكبرى (تثنية 60: 5 ، متى 22: 37) والقيمة القصوى (نشيد 8: 6- 7) هي التي يمكنها أن تعطي عن الله التصور الأفضل (راجع خروج 34: 6)، ولكن لا يزال الأمر متعلقاً بلغة ابتدعها الإنسان، وبصور يجب تصحيحها. في المسيح، يعطينا الله نفسه الحجة الحاسمة، خالصة من كل التباس، بأن الحدث الذي يتعلق به مصير العالم هو من فعل محبته. إن الله، عندما أسلم "ابنه الحبيب" للموت من أجلنا (مرقس 1: 11، 12: 6)، قد أثبت لنا (رومة 5: 8) أن موقفه النهائي نحونا هو "أنه يحب العالم" (يوحنا 3: 16). وإن هذا العمل السامي للغاية وغير القابل للتراجع، دليل على أنه يحبنا بنفس الحب الذي يحب به ابنه الوحيد، وبه يمكّننا من أن نحبه بالحب الذي يكنّه له ابنه. ولذلك فهو يهبنا المحبة التي تجمع بين الآب والإبن والتي هي روحهم القدوس.
ثالثاً: مجد الله على وجه يسوع المسيح
إن اليقين المسيحي بأن المؤمن أدخل في سر الله نفسه ليس مبنياً على استنتاج عقلي . قد يستطيع التفكير توضيحه، فالله الذي "أسلم ابنه إلى الموت من أجلنا، كيف لا يهب لنا معه كل شيء؟" (رومة 8: 32)، لكن قوة يقيننا ليست مستمدة من منطقنا، بل آتية من الوحي المطلق الذي يحققه لنا ونحن بشر نحيا في الجسد- وجود الكلمة الحيّ في الجسد. في شخص المسيح، ظهرت حقاً "محبة الله للبشر" (تيطس 4:3). هذا الذي "ما من أحد رآه" (يوحنا 1: 18)، لم يكتفِ يسوع بأن يصفه أو يصوره، أو أن يعطينا عنه فكرة صحيحة فحسب، ولكن "إذ هو شعاع مجده وصورة جوهره" (عبرانيين 1: 3) جعلنا نراه وكأنه محسوس: "من رآني رأى الآب" (يوحنا 14: 9). لا يتعلق الأمر فقط بنقل، ولو كامل لصورة طبق الأصل، بل إذ هو الابن الوحيد، هو في الآب والآب فيه (14: 40). لا يستطيع يسوع أن ينطق بكلمة، أو يعمل حركة بدون أن يتحوّل نحو الآب وبدون أن يتقبل منه القوة الدافعة، موجهاً نحوه كل نشاطه (5: 19- 20 و30). وكما أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً بدون أن ينظر إلى الآب، كذلك لا يستطيع أن يفصح عما هو، بدون أن يرجع إلى الآب (متى 11: 27). والنبع الذي يستمد منه كل كيانه وعمله، هو حضور الآب ومحبته. إن في هذا، يكمن سر شخصيته وسر المجد الذي يشع من وجهه (2 كورنتس 4: 6)، وبه تتسم كل تصرفاته.
رابعاً : الله الذي يعلنه لنا سيدنا يسوع المسيح
إن الله الذي يعلنه لنا يسوع المسيح هو أبوه، وعندما يخاطبه يسوع، فهو يفعل هذا بدالة الطفل وتلقائيته: "أبّا". ولكن هو أيضاً إلهه، لأن الآب، الذي له الألوهية بدون أن يستمدها من أحد آخر، يعطيها كلها للابن المولود منه أزلياً، وللروح القدس الذي فيه يتحد كلاهما. وهكذا يعلن لنا يسوع عن مطابقة الآب والله، وعن السر الإلهي، وعن سر الثالوث. ويردد بولس ثلاث مرات العبارة التي تعبر عن هذا الإعلان: "إله ربنا يسوع المسيح وأباه". يكشفه لنا المسيح عن الثالوث الإلهي بالطريقة الوحيدة التي هي في متناولنا، إذا صحّ هذا التعبير، بالطريقة التي اختارها لنا بقضائه الأزلي عندما خلقنا على صورته، صورة العلاقة البنوية. لأن الابن، إزاء أبيه، هو النموذج الكامل للخليقة إزاء الله، والسيد المسيح يعلن لنا في الآب الصورة الكاملة للإله الذي يعرّف نفسه للحكمة المستقيمة والذي كشف عن نفسه لإسرائيل. وإله يسوع المسيح يمتلك السمات التي كان يعطيها عن نفسه في العهد القديم، وهو يمتلكها بملء وأصالة لا يستطيع الإنسان أن يتصورهما. هو للمسيح - كما ليس هو لأي شخص منا - "الأول والآخر" الذي يأتي منه المسيح وإليه يعود، الذي يعطي معنى لكل شيء والذي يأتي منه الجميع، الذي يجب أن تتحقق إرادته بأن ثمن وهي تغني عن أي شيء آخر. فهو القدوس، الصالح وحده، الرب وحده. هو الوحيد الذي بالنسبة إليه لا قيمة لأي شيء آخر. ولكي يبين يسوع مقدار قيمته، ليعرف العالم أنه يحب الآب (يوحنا 14: 31)، فهو يضحي بكل أبّهة الخلق ويواجه قوة الشيطان وهوان الصليب. هو الإله الحي، الدائم النشاط، المعتني بكل مخلوقاته، الثسغوف بأولاده، وها هي حماسته تدفع يسوع بشدة، طالما لم يسلم الملكوت لأبيه (لوقا 12: 50).
خامساً : الله روح
هذا اللقاء بين الآب والابن يتحقق في الروح القدس. في الروح، يسمع يسوع المسيح الآب يقول له: "أنت ابني" ويشعر بأنه موضوع سروره (مرقس 1 : 10). في الروح ، يبادل الابن الآب فرحه ( لوقا 10: 21- 22). وكما أن السيد المسيح لا يستطيع أن يتحد بالآب إلاّ في الروح. كذلك هو لا يستطيع أن يكشف عن الآب بدون أن يكشف عن الروح في الوقت نفسه. وإذ يكشف يسوع المسيح أن الروح أقنوم إلهي، فهو يكشف في الوقت عينه "أن الله روح" (يوحنا 4: 24)، مع كل المعاني التي يتضمنها هذا التعبير. وإذا كان الآب والابن يتحدان في الروح، هذا يعني أنها يتحدان ليجدا سعادتهما لا في التمليك المتبادل بل في البذل والعطاء. لأن اتحادهما هو هبة وينبوع هبة. ولكن إذا كان الروح الذي هو هبة يختم اتحاد الآب بالابن على هذا الشكل، فهذا يعني أن كيان كل منهما يقوم في هبة ذاته، وأن جوهرهما المشترك هو العطاء والوجود في الآخر، وقوة إيجاد الآخر. غير أن قوة الحياة هذه مع قوة المشاركة والحرية، هي الروح. الله روح: هذا يعني أنه في الوقت نفسه قادر على كل شيء ومستعدّ للعطاء بلا نهاية، إنه تأكيد مطلق لذاته الإلهية، وتحرر كامل من كل قيد. هذا يعني أنه عندما يمتلك الله مخلوقاته، يمنحها الوجود بكل أصالته. فقولنا الله روح، لا يعني فقط أن ذاته الإلهية غير مادية فحسب، بل يعني هذا التحرر من كل الحواجز، ومن كل انطواء، وأن يكون دوماً. وفي كل لحظة، قوة حياة ومشاركة جديدة وكاملة.