عرّف قانون الايمان هذه العقيدة بالقول ((نؤمن باله واحد الآب والابن والروح القدس اله واحد جوهر واحد متساوين في القدرة والمجد)) .
في طبيعة هذا الاله الواحد تظهر ثلاثة خواص ازلية، يعلنها الكتاب في صورة شخصيات (اقانيم) متساوية . ومعرفتنا بهذه الشخصية المثلثة الاقانيم ليست الا حقاً سماوياً اعلنه لنا الكتاب في العهد القديم بصورة غير واضحة المعالم، لكنه قدّمه في العهد الجديد واضحاً، ويمكن ان نلخص العقيدة في هذه النقاط الست التالية :
1 - الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله .
2 - هؤلاء الثلاثة يصفهم الكتاب بطريقة تجعلهم شخصيات متميزة الواحدة عن الاخرى .
3 - هذا التثليث في طبيعة الله ليس مؤقتاً او ظاهرياً بل ابدي وحقيقي .
4 - هذا التثليث لا يعني ثلاثة آلهة بل ان هذه الشخصيات الثلاث جوهر واحد .
5 - الشخصيات الثلاث الآب والابن والروح القدس متساوون .
6 - ولايوجد تناقض في هذه العقيدة، بل بالاحرى انها تقدم انا المفتاح لفهم باقي العقائد المسيحية . ولقد كانت هذه الحقيقة متضمنة في تعاليم المسيح (يو 14 : 9 - 11 و يو 14 : 26 و يو 15 : 26) وقد تمسكت الكنيسة بما جاء واضحاً في مت 28 : 19، وتحدث الرسل مقدمين هذه الحقيقة في كو 13 : 14 و 1 بط 1 : 2 و 1 يو 5 : 7 ولا نستطيع ان نغفل منظر معمودية المسيح وفيه يسمع صوت الآب واضحاً موجهاً إلى المسيح، ويستقر الروح القدس على رأس المسيح الابن في شكل حمامة (مت 3 : 16 و 17 و مر 1 : 10 و 11 و لو 3 : 21 و 22 و يو 1 : 32 و 33).
ولقد كان يقين الكنيسة وايمانها بلاهوت المسيح هو الدافع الحتمي لها لتصوغ حقيقة التثليث في قالب يجعلها المحور الذي تدور حوله كل معرفة المسيحيين بالله في تلك البيئة اليهودية او الوثنية وتقوم عليه .
والكلمة نفسها ((التثليث او الثالوث)) لم ترد في الكتاب المقدس، ويظن ان اول من صاغها واخترعها واستعملها هو ترتليان في القرن الثاني للميلاد . ثم ظهر سبيليوس ببدعته في منتصف القرن الثالث وحاول ان يفسر العقيدة بالقول ((ان التثليث ليس امراً حقيقياً في الله لكنه مجرد اعلان خارجي، فهو حادث مؤقت وليس ابدياً)) . ثم ظهرت بدعة اريوس الذي نادى بان الآب وحده هو الازلي بينما الابن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخلقة، واخيراً ظهر اثناسيوس داحضاً هذه النظريات و واضعاً اساس العقيدة السليمة التي قبلها واعتمدها مجمع نيقية في عام 325 ميلادية .
ولقد تبلور قانون الايمان الاثناسيوسي على يد اغسطينوس في القرن الخامس، وصار القانون عقيدة الكنيسة الفعلية من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا.
ولا يستطيع دارس هذه العقيدة ان ينسى المصلح جون كلفن، الذي عاش في القرن السادس عشر، ونبرّ على التساوي التام بين الاقانيم الثلاثة في هذه العقيدة، التي يلزمها مثل هذا التنبير من وقت إلى آخر على مر الزمن.
واخيراً نود ان نشير إلى ان عقيدة التثليث عقيدة سامية ترتفع فوق الادراك البشري ولا يدركها العقل مجرداً، لانها ليست وليدة التفكير البشري بل هي اعلان سماوي يقدمه الوحي المقدس، ويدعمه الاختبار المسيحي. وهكذا تصير كل ديانة يبتدعها البشر خالية من عقيدة التثليث. وفي سبيل قبول هذه العقيدة واعتناقها لا بد من الاختبار العميق للحياة المسيحية.