وكانت عاصمة يهوذا وفلسطين السياسية لزمن طويل. كما أنها مدينة مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين.
(1) أسماؤها وأول مرة ورد فيها اسم أورشليم هو في نقش مصري قديم يرجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، وفيه تصب اللعنة على أمير هذه المدينة.وربما أن معنى هذا الاسم هو ((اساس السلام)) أو ((اساسس الإله شاليم)) وتدعى هذه المدينة في مز 76: 2 ((ساليم)) ولذا فيرجح أن شاليم التي كان ملكي صادق ملكاً لها هي نفس. أورشليم (تك 14: 18). أما اسماء أورشليم الآخرى فهي: -يبوس (قض 19: 10 و 11) اريئيل (1ش 29: 1) مدينة العدل (1ش 1: 26) والمدينة (مز 72: 16) ومدينة القدس أو المدينة المقدسة (1ش 48: 2 ومت 4: 5) أما اسماؤها في العربية فبالإضافة إلى أورشليم فهي تسمّى أيضاً بيت المقدس والمقدس والقدس الشريف أما الاسم الغالب فهو القدس.
(2) جغرافيتها (أ) موقعها. تقع أورشليم على مسافة أربعة عشر ميلاً غربي الطرف الشمالي للبحر الميت، وعلى بعد ثلاثة وثلاثين ميلاً جنوبي شرقي يافا الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، ةعلى مسافة ستة أميال شمال شرقي بيت لحم، وعلى بعد مئة وثلاثة وثلاثين ميلاً جنوبي غربي دمشق، ويتفاوت ارتفاع المدينة فوق سطح البحر بين 2350 قدماً إلى 2850 قدماً. ولذا فمناخها معتدل كتوسط درجة حرارته على مدار السنة 63 درجة فرنهايت، ومتوسط سقوط الأمطار فيها في السنة يصل إلى 26 بوصة تقريباً. وتسقط معظم الأمطار بين تشرين الثاني (نوفمبر) ونيسان (ابريل).
(ب) تلالها. بنيت أورشليم على خمسة تلال تكون في مجموعها نتوءاً صخرياً يبرز في وسط أرض يهوذا الجبلية في الشمال، وتحيط بها الوديان والتلال من الجهات الثلاث الأخرى. وكانت المدينة اليبوسية الأصلية على التل الجنوبي الشرقي، وهو الآن غير آهل بالسكان كثيراً. وقد دعي هذا التل باسم ((صهيون)) ومدينة داود (2صم 5: 7) وكان اسم عوفل أو ((الأكمة)) يطلق على الطرف الشمالي من هذا التلّ على الأقل (2 أخبار 27: 3 ونحم 3: 26) ويدعو يوسيفوس المؤرخ هذا التل باسم اكرا أو المدينة السفلى. أما التل الشرقي الأوسط فقد كان المكان الذي أقيم عليه الهيكل. ويدعى في تك 22: 2 ((المرّيا)) وقد كان موضع بيدر ارونة أو ارنان، ومنه اشتراه داود ليكون الموضع الذي يبني فيه الهيكل (2 أخبار 3: 1) ويطلق الأنبياء اسم صهيون على التل المقام عليه الهيكل أيضاً (انظر 1ش 4: 5) ويدعو يوسيفوس المؤرخ التل الجنوبي الغربي المدينة العليا. ومنذ القرن الرابع الميلادي واسم صهيون يطلق خطأ على هذا التل. أما التلّ الشمالي الغربي فيرجح أنح لم يكن واقعاً ضمن نطاق المدينة في أزمنة العهد القديم. ويدعوه يوسيفوس الحي الشمالي وهو الآن الحيّ المسيحي في المدينة. وأما التلّّّّ الخامس وهو الشمالي الشرقي فلم يكن جزءاً من المدينة في أزمنة العهد القديم ويدعوه يوسيفوس بيزيثا أو المدينة الجديدة.
وتحيط التلال بأورشليم من ثلاثة جوانب (مز 125: 2) فإلى الشمال الشرقي منها جبل سكوبس، وجبل الزيتون في الشرق وجبل دير أبو طور في الجنوب، ويسمى أيضاً تلّ المشورة الشريرة، ويقول عنه التقليد أن يهوذا خنق نفسه هناك، وسلسلة تلال اليهودية الرئيسية في الغرب.
(ج) الوديان: وادي قدرون وهو يقع بين المدينة وجبل الزيتون إلى الشرق. ويسمى أيضاً وادي يهوشافاط (يؤ 3: 12) ويدعى في العربية وادي سيدتي مريم، وإلى الغرب من المدينة يقع واد يدعى وادي الميس ويتجه شرقاً إلى بركة السلطان ويسير إلى جنوب المدينة ويسمى هذا الجزء منه وادي الربابة. ويرّجح أن وادي الربابة هو وادي ابن هنوم واسمه في العبرية جي هنوم (يش 18: 16) وهو نفس اسم ((جهنم)) في العربية. ويوجد بين التلال الشرقية والتلال الغربية في المدينة واد، وقد امتلأ الآن بقطع الأحجار والطوب وغيرها التي ألقيت فيه على مدى القرون ويسميه يوسيفوس وادي ((تيروبيون)) ومعناه ((صانعوا الجبن)) ويسمى في العربية بالوادي. ويتصل وادي الربابة بوادي سيدتي مريم جنوبي شرقي المدينة ويتكّون منها وادي النار الذي يسير في الجنوب الشرقي إلى البحر الميت.
(د) منابع المياه: 1. الينابيع. توجد في منطقة أورشليم أربعة ينابيع معروفة وهي:
النبع المسمى جيحون في 1 مل 1: 38 ويدعى الآن عين سيدتي مريم أو عين أم الدرج في وادي قدرون شرقي التل الجنوبي الشرقي مباشرة. وقد حفر الكنعانيون سرداباً في الصخر، يصل بين المدينة وبين هذا النبع ليستخدم في وقت الحصار، ويرجح أن يوآب ورجاله دخلوا المدينة من هذا السرداب ليأخذوها لداود (2صم 5: 8 و 1 أخبار 11: 6). وتوجد بئر بالقرب من التقاء وادي الربابة بوادي سيدتي مريم تعرف ببئر أيوب، ويرجح أنها عين روجل التي ورد ذكرها في 1 مل 1: 9. وشمالي الهيكل وبالقرب من كنيسة القديسة آن الموجودة في الوقت الحاضر، توجد بركة بيت حسدا التي يمدها بالمياه نبع متقطع (يوحنا 5: 2-4) وتوجد غرب الهيكل ينابيع تسمى حمّام الشفاء.
2. مستودعات المياه بركة الحمرا في الطرف الجنوبي من التل الجنوبي الشرقي ويرّجح أنها نفس البركة السفلى والعتيقة (1ش 22: 9 11)، وإلى الشمال قليلاً من بركة الحمرا توجد عين سلوان التي هي البركة العليا المذكورة في 2مل 18: 17 ويرّجح أنها نفس بركة الملك المذكورة في نحم 2: 14، وبركة سلوام المذكورة في يوحنا 9: 7 وقد عمل هذه البركة الملك حزقيا (2مل 20: 20)، وإلى شمالي منطقة الهيكل توجد بركة إسرائيل الكبيرة وبركة بيت حسدا (يو 5: 2-4)، خارج الباب الشرقي الذي يدعى باب سيدتي مريم يوجد مستودع مياه يسمى بركة سيدتي مريم، وفي الجزء الغربي من سور المدينة توجد بركة حمّام البطريق، وقد دعاها البعض خطأ، بركة حزقيا. وخارج السور الحالي، وغربي باب يافا أو باب الخليل توجد بركة السلطان، وربما سميت كذلك نسبة إلى السلطان سليمان القانوني. وكذلك يوجد كثير من خزّانات المياه المغطاة والتي تستخدم لخزن المياه فيها وتشمل هذه خزّانات المياه الكبيرة الموجودة تحت منطقة الهيكل. وأقيمت مستودعات حديثة جلبت إليها المياه من عيون قارة.
3. القنوات اكتشف مجرى قديم يصل بين عين سيدتي مريم وبركة الحمرا، ويحتمل أنه نفس,مجرى مياه شلهوب الذي ورد ذكره في اش 8: 6 وربما أن مجرى هذه القناة كان يسير خارج أسوار المدينة فقد كان من السهل على المحاصرين أن يوقفوا سير المياه فيها ولذلك فقد حفر الملك حزقيا سرداباً تحت الأرض في الصخر طوله ألف وسبعمائة قدم ليوصل مياه جيحون أو عين سيدتي مريم، إلى بركة سلوام أو عين سلوان (2مل 20: و 2 أخبار 32: 30) وقد اكتشف نقش عبري يصف هذا العمل في السرداب. وتوجد قناة تصل بين بركة ماملا وبركة حمّام البطريق. ويرّجح أن هيرودس الملك الكبير هو الذي حفر هذه القناة من برك البراق، والتي تدعى أيضاً برك سليمان بالقرب من بيت لحم، إلى الهيكل في أورشليم وقد مدّ بيلاطس البنطي هذه القناة جنوباً إلى بركة أيوب. وتوجد قناة أخرى يرّجح أن الإمبراطور سفيرس الذي حكم أثناء القرن الثالث الميلادي هو الذي حفرها وكانت توصل المياه بين وادي بيار إلى نكان بالقرب من باب الخليل، أو باب يافا. وترفع المياه في الوقت الحاضر بالمضخات من رأس العين بالقرب من يافا إلى أورشليم.
(3) الآثار القديمة:1 الأسوار. ويرّجح أن الأسوار اليبوسية كانت تحيط بالتل الجنوبي الشرقي الذي يقع إلى جنوبي منطقة الهيكل وبعد أن أخذ الملك داود المدينة حصّن هذا السور (2صم 5: 9 و 1 أخبار 11: 8) بما في ذلك ((ملو)) التي كانت على ما يرّجح قلعة للطرف الشمالي للتلّ. وبنى سليمان سوراً حول أورشليم بما في ذلك الهيكل والقصر المشيدان على التل الأوسط الشرقي (1مل 3: 1) ولكن لا يعرف مكان سور سليمان على وجه التحقيق. وأما باب الزاوية المذكور في عصر اميصا (2مل 14: 13) فيحتمل أنه كان بالقرب من مكان باب يافا أو باب الخليل، ويدل هذا على أن المدينة كانت تشمل التلّ الجنوبي الغربي. وكان السور الجنوبي الغربي للمدينة في عصر ارميا يصل إلى طرف وادي ابن هنّوم الذي هو الآن وادي الربابة (ار 19: 2) وكان السور الذي إلى الشمال في ذلك الحين، آي في القرن السابع قبل الميلاد، وكان يقع إلى شمال غربي الهيكل (2مل 22: 14). ويصف نحميا في نحم 2: 12-15 كيف أنه شاهد الأسوار والأبواب التي هدمها البابليون ويخبرنا في نحم ص 3 كيف أصلح الشعب هذه الأسوار وهذه الأبواب ورمموها. وقد هدم انطيوخس ابيفانيس اسوار أورشليم في القرن الثاني قبل الميلاد (1 مكا 4: 60 و 12: 36 و 13: 10). وقد حصن هيرودس الكبير سور أورشليم وبنى فيها أبراجاً وبعض ما عمله هو أساس القلعة الموجودة في الوقت الحاضر في الزاوية الجنوبية الشرقية للمدينة وعند المكان الذي كان مبكى اليهود فيما قبل. أما مكان السور على وجه التحقيق كما كان في أيام يسوع المسيح فغير يقيني. ويظن كثيرون من العلماء أن السور كان يتجه بحيث يجعل موقع كنيسة القيامة خارج المدينة وهذه هي وجهة النظر التقليدية. أما غيرهم فيظنون أن الأسوار كانت تشمل داخلها موقع هذه الكنيسة، وفي هذه الحال لا يكون هذا هو مكان الصلب الذي كان خارج المدينة (عب 13: 12). وقد بنى هيرودس اغريباس الأول السور الشمالي الثالث وقد اكتشفت بعض بقاياه شمالي السور الحالي. وفي سنة 132 ميلادية بنى الإمبراطور الروماني هدريان سوراً كان في الغالب مبنياً في مكان الأسوار الحالية وقد أقامها السلطان التركي سليمان في القرن السادس عشر بعد الميلاد. ويوجد في الأسوار الحالية 34 برجاً وثمانية أبواب.
ب. المواقع الكتابية: مما لاشك فيه أن الحرم الشريف يقوم في مكان ساحة هيكل سليمان وأن قبة الصخرة قائمة على الأرجح في مكان هيكل سليمان، والصخرة التي تحت هذه القبة هي على الأرجح في موضع المحرقة كما كان في هيكل سليمان وكان هيكل زر بابل وهيكل هيرودس الذي زاره يسوع المسيح في هذا المكان أيضاً. ويظهر من 2 أخبار 3: 1 أنه على هذه البقعة ذاتها والتي تسمى أيضاً بجبل المريا شرع إبراهيم بتقديم ابنه اسحاق (تك 22: 2) ويعتقد المسلمون أن النبي محمد ارتقى إلى السماء بمعجزة من مكان ما في الحرم يدعى قبّة المعراج.
وتوجد في أورشليم أماكن كثيرة يربطها التقليد بحوادث في حياة يسوع المسيح. ولكن لا يمكن التثبت إلاّ من القليل منها على وجه التحقيق، فالبركة السفلية التي تحت الأرض وبالقرب من كنيسة القديسة آن (حنة) هي على الأرجح بركة بيت حسدا حيث شفا يسوع المقعد (يو 5: 2-9). وعين سلوان هي بالتحقيق بركة ساوام حيث اغتسل المولود من أعمى فاستعاد بصره وفقاً لأمر يسوع (يو 9: 7). وكان بستان جثسيماني على وجه التحقيق في المكان التقليدي المعروف عند سفح جبل الزيتون. وتوجد أرضية مرصوفة وعليها نقوش رومانية تحت كنيسة أخوات صهيون ويحتمل أن هذا البلاط في مكان هو البلاط الذي كان يدعى بالآرامية ((جبّاثا)) حيث كان يتخذ بعض الجنود الرومانيين مركزهم بالقرب من ساحة المحاكمة التي حاكم فيها بيلاطس المسيح (يو 19: 13). ويقول التقليد أن كنيسة القيامة مقامة فوق مكان الصلب ومكان قبر يسوع المسيح ولكن يظن بعض العلماء أن موضع هذهين المكانين غير معروف، ويقول بعض العلماء، أن موقعها يقع إلى الشمال من الأسوار الحالية.
ج. نقوش قديمة لها صلة بالكتاب المقدس: لقد ذكر قبلاً نقش سرداب سلوام الذي يرجع إلى عصر الملك حزقيا. وقد وجد نقش على حجر كان يغطي عظام عزيّا الملك. وكذلك اكتشف نقشان من هيكل هيرودس وفيهما تحذير للأمم بالابتعاد عن ساحة العبرانيين (افسس 2: 14).
(4) تاريخ أورشليم: يعكس تاريخ أورشليم في العصور الكتابية تاريخ الشرق الأدنى. وأول إشارة إلى أورشليم خارج الكتاب المقدس وردت في نصوص مصرية ترجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد وفيها تصب اللعنة على الأعداء الأجانب ومن ضمنهم ذكرت أورشليم. وتوجد رسائل بين لوحات تل العمارنة مرسلة من ملك أورشليم إلى اخناتون ملك مصر في القرن الرابع عشر قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وكان ملكي صادق كاهناً ملكاً على ساليم التي ي أورشليم (تك 14: 18) ويذكر قضاة 1: 8 أن رجال يهوذا أخذوا أورشليم ولكن أخذها من اليبوسيون، ومنهم أخذها داود (2صم 5: 6-9) وجعلها عاصمة ملكة. وقد كانت هذه خطة حكيمة منم جانبه إلى المدينة لم تكن تتصل بأي سبط من الأسباط ولذا فقد كانت صالحة كعاصمة لكل الأسباط. ولقد نهب شيشق ملك مصر أورشليم (1مل 14: 25 و26) وكذلك نهبها الفلسطينيون والعرب معاً في عصر يهورام (2 أخبار 21: 16 و 17) وكذلك نهبها يهوآش ملك إسرائيل (2 مل 14: 13 و 14). وقد فشل سنحاريب ملك أشور في أخذ المدينة (2 مل 19: 36). وأما نبوخذ نصر ملك بابل فقد أخذ المدينة مرتين (2 مل 24: 10-16 و 25: 1-11). وقد أذن الملك كورش الفارسي وشجع كثيرين من اليهود للرجوع إلى أورشليم (عزرا ص 1) وكذلك تمكن نحميا بمساعدة احشويروش (اتزركسيس) ملك فارس من العودة إلى أورشليم وإعادة بناء أسوار المدينة. وقد ضّم الاسكندر الأكبر أورشليم ضمن إمبراطوريته وبعد موته صارت أولاً تحت حكم البطالسة في مصر ثم انتقلت إلى السلوقيين في سوريا. وفي 165 قبل الميلاد ثار المكابيون اليهود وأقاموا في النهاية مملكة يهودية وكانت عاصمتها أورشليم. وبعد أن أخذ القائد الروماني بومباي أورشليم عام 63 ق.م أصبحت المدينة تحت حكم الرومان، أما عن طريق غير مباشرة كما كانت الحال في أيام هيرودس الكبير الذي كان يحكم بأذن روما، أو عن طريق مباشرة كما كانت الحال في حكم بنطيوس بيلاطس. وبعد ما ثار اليهود على روما أخذ القائد تيطس الروماني المدينة وأحرق الهيكل وباع كثيرين من شعبها في السبي وكان ذلك سنة 70 ميلادية وقد تّم هذا وفقاً لتحذير السيد المسيح (مت 24: 2).
(5) أورشليم رمزياً: يستخدم الأنبياء أورشليم وصهيون كرمز إلى ملكوت الله فمثلاً انظر 1ش 65: 17-25 ورؤيا 21: 2 وقد أطلق اسم أورشليم على الكنيسة الممجدة.