وهي ثلاث. وتدعى مع رسالة يعقوب ورسالتي بطرس بالرسائل ((الكاثوليكية)) إي الجامعة. وقد أطلقت هذه التسمية على هذه الرسائل الست، لأنها لم توجه إلى جماعة مفردة من المسيحيين، بل إلى الكنيسة المسيحية جمعاء. ومع أن رسالتي يوحنا الثانية والثالثة موجهتان إلى أفراد، فقد اعتبرتا من الرسائل الجامعة لارتباطها الطبيعي برسالته الأولى. ومما يستحق الذكر بشأن رسائل يوحنا الثلاث أن اسم كاتبها لم يذكر فيها على الإطلاق إلا أن الكاتب في الرسالتين الثانية والثالثة يسمى نفسه ((الشيخ)). وهذا مما حمل البعض على الاعتقاد بأنه ((يوحنا الشيخ))، الذي عاش في افسس حوالي ختام القرن الأول المسيحي. ومن الأرجح أن يوحنا الشيخ هذا هو نفس يوحنا الرسول.
والعلماء مجمعون على أن وجه الشبه بين رسائل يوحنا الثلاث وإنجيل يوحنا كثيرة وقوية حتى أن أكثرهم مقتنعون أن كاتب الإنجيل والرسائل هو شخص واحد.
أما الرسالة الأولى وهي أطول الثلاث فهي خالية من التحية والبركة التي تفتتح وتختم بها الرسائل عادة، والتشابه بينها وبين البشارة الرابعة يدعو إلى الاعتقاد أن مؤلفها هو شخص واحد. ولكن على الرغم من هذا التشابه فهناك تباين أساسي حتى ليرجح البعض أن كاتبها كان تلميذاً ليوحنا الرسول والبشير. وأنها كتبت بين سنة 90-100 مسيحية. والرسالة مقالة أو عظة أكثر منها رسالة. وقد كتبت لدحض البدع، وإظهار الضلالات في الكنيسة عامة. وتثبيت القراء في الإيمان الصحيح ودحض الآراء الخاطئة الملتوية التي روجها نفر من ((الأنبياء الكذبة)) داخل الكنيسة نفسها (1 يو 4: 1-6). وكان هؤلاء من الغنوسين الذي أنكروا ناسوت المسيح وموته الفعلي. فقد ذهب هؤلاء إلى أن المسيح لم يجيء ((في الجسد)) بل في شكل روحاني. وبعبارة أخرى أن المسيح لم يجيء في جسد مادي هيولي، بل في جسد طيفي خيالي ذلك لأنهم اعتبروا المادة شراً وفصلوا بين الروح والمادة وبين العقيدة المسيحية والحياة المسيحية، وبين المسيح ويسوع التاريخي (2: 22 و 4: 2 و 5: 1 و 20). وقالوا أن حياة الاتضاع التي عاشها المسيح على الأرض لا تنسجم مع مجده السابق الذي كان له قبل نزوله على الأرض، لذلك أنكروا حياته الأرضية الفعلية. لقد ظهر فعلاً في اعتقادهم، وعلم تلاميذه، ولكنه كان كائناً سماوياً، لا لحماً ودماً، ولما كانت هذه النظرية مضادة للعقيدة المسيحية التاريخية، ومعاكسة لها تماماً، فقد أحدثت أزمة داخلية شديدة في الكنيسة.
وكانت غاية الرسالة دحض تعاليم الهراطقة والمضلين وشرح العقيدة المسيحية شرحاً صحيحاً يتفق وحاجات الناس وما كانوا يترقبونه في ذلك العصر. وكاتبها إلى أمور ثلاثة:
(1) أن المؤمنين يحصلون الآن، في هذا العالم على الحياة الأبدية (5: 12-13). أنهم يعرفون الله ولهم شركة مع الآب والابن.
(2) أن معرفة الله تقوم بحفظ وصاياه، والديانة الحقيقية وتتناول الناحية الأخلاقية والأدبية في الحياة لأن هذه نابعة من تلك. من هنا كانت ((للتجسد)) أهميته وخطورته، لأنه يضفي معنى إنسانياً، وشخصياً وأدبياً على مفهوم الحياة الأبدية. فالحياة مع الله هي الحياة حسب المثال الذي تركه يسوع في حياته وفي تعاليمه (2: 6)، والخضوع للوصايا الإلهية (2: 7-11).
(3) العلامة الفارقة للحياة الأبدية هي المحبة Agape إي المحبة التي أعلنها يسوع. والحياة الأبدية تقوم بالشركة. من هنا كانت الشركة العلامة المميزة للكنيسة (1: 3).
وقد لخص الرسالة الوحي المسيحي بقوله: ((الله محبة)). إن لاهوت هذه المحبة أعجب وأبلغ. وأبسط لاهوت عرفه تاريخ الفكر. وقد طلع على العالم بعهد جديد قلب الأوضاع العالمية رأساً على عقب. وإليه يعود الفضل في إعداد وطن روحي في كنيسة المسيح للمنبوذين والمحتقرين. وإليه يعود الفضل الأول في القضاء على الرق. وفي إقامة منظمات، وتأسيس ملاجئ للفقراء والمرضى والضعفاء. ويعزى ضعف هذه لمحبة في العالم إلى سببين:
السبب الأول: هو قوة البغضاء الهائلة في حياة البشر. والسبب الثاني ضعف الكرازة بها، ذلك لأنها المحبة التي دعاها المسيح والرسل كانت ولا تزال على وجه العموم ((نظرية جميلة)) لم يعمل بها تماماً، ومثالاً أعلى لم يحقق. لهذا يهيب كاتب الرسالة بالمسيحيين قائلاً: ((يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق)).
ويمكن تقسيم الرسالة على النحو التالي:
(1) عنوان الرسالة وآيتها 1: 1-4
(2) ماهية المسيحية 1: 5-2: 28.
(3) الحياة مع الله 2: 29-4: 12
(4) يقينية الإيمان 4: 13-5: 13
(5) خاتمة الرسالة 5: 14-21
رسالة يوحنا الثانية:
كالرسالة الثالثة تحتوي على أقل من ثلاثمائة كلمة باللغة الأصلية اليونانية وقد أرسلهما ((يوحنا الشيخ))، ((Presbyteros)): (2 يو 1 و 3 يو 1) وكلتاهما كتبتا في ولاية آسيا بين سنة 96-110 مسيحية والمعتقد أن كاتبها هو يوحنا ((الشيخ)) ومن المرجح أنه الرسول.
أما الرسالة الثانية فإنها موجهة إلى ((السيدة المختارة وأولادها)) ويعتقد البعض أن كاتبها يقصد بها كنيسة من الكنائس، ويعتقد البعض الآخر أنه كتبها إلى سيدة فاضلة ربة عائلة وهي المدعوة ((كيربة)) أي السيدة المختارة. وكانت المسيحية محترمة. وكان المقصود بكتابتها تنشيط المكتوب إليهم وتثبيتهم في تعليم المسيح الحقيقي.
ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
(1) تحيات رسولية إلى ((السيدة)) وأولادها ومدح محبتهم الصادقة وإيمانهم الراسخ (ع 1-6).
(2) ضرورة التيقظ والحذر من المضلين والتمسك بتعليم لمسيح (ع 7-11).
(3) خاتمة الرسالة (ع 12-13).
رسالة يوحنا الثالثة:
ظن أن هذه الرسالة كتبت إلى غايس الكورنتي المذكور في رسالة رومية (ص 16: 23)، وفي الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (ص 1: 14). والظاهر أنه كان عضواً غنياً في كنيسة كورنثوس وأنه أنفق من ماله على نشر الإنجيل (انظر 6-8).
ويحتمل أن المراد شخص آخر بهذا الاسم الذي كان شائعاً يومئذ. وكاتب الرسالة يمتدح غايس على تقواه ومعروفه للأخوة الغرباء ويحرضه على الثبات في الإيمان وعلى المواظبة على عمل الخير للجميع لا سيما لبعض الأخوة المتغربين في الجهة التي كان هو مقيماً فيها والظاهر أن هؤلاء الأخوة كانوا يجولون مبشرين بالإنجيل مجاناً. وكان قد أوصى بهم الكنيسة حيث كان غايس برسالة سابقة، ولكن ديوتريفس منع من قبولهم وهو يحذره من مكر هذه الرجل الغطريس، ويمتدح ديمتريوس (ع 10-12) ويعده بقرب زيارته له.
وهذه الرسالة تنطوي على:
(1) محبة كاتب الرسالة لغايس ومدحه اياه على رسوخه في الايمان (ع 1 - 4).
(2) مدح سخائه على المبشرين المحتاجين الذين بذلوا قصاراهم في بث الانجيل بين الامم (ع 5 - 8).
(3) الشكوى من تصرف ديوتريفس المضر للكنيسة، وتحذيره من الاقتداء به. وتوصيته اياه بديمتريوس وتحيات ختامية (ع 9 - 15).