1) وكانت مدينة على نهر العاصي على مسافة خمسة عشر ميلاً من البحر الأبيض يض المتوسط. وقد أسس هذه المدينة سلوقس نيكاتور أحد قواد جيش الأسكندر الأكبر أسسها عام 300 ق.م ودعاها أنطاكية نسبة إلى أبيه أنطيوخس. وقد أسس سلوقس أيضاً سلوقية على مصب نهر العاصي لكي تكون ميناء لأنطاكية، وقد صارت أنطاكية عاصمة السلوقيين وهم نسل سلوقس وأتباعه الذين صاروا حكام سوريا من بعده (1 مك 3 : 37). وفي عام 64 ق.م أخذ المدينة بومباي القائد الروماني وأصبحت عاصمة إقليم سوريا الروماني. وكانت أنطاكية مركزاً مهماً للتجارة والتبادل الثقافي بين الشرق والغرب. وكانت ثالث مدينة في الإمبراطورية الرومانية (بعد روما والإسكندرية) وكانت الآلهة ((تيخي)) أو ((الحظ)) هي آلهة أنطاكية الخاصة وكانت تقوم عبادة ((أبولو)) في ((دفني)) بالقرب من أنطاكية على كثير من الرجس والنجاسة والممارسات الجنسية الجامحة.
وكان في أنطاكية جماعة كبيرة من اليهود ومن بينهم ظهر المسيحيون الأوّل في المدينة.
وقد أصبحت أنطاكية أهم مركز للمسيحية بعد أورشليم، وانتشرت المسيحية من هذه المدينة إلى الغرب. وقد دعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً (1 ع 11 : 26) ومن أوائل الشمامسة في المسيحية في أورشليم رجل يدعى نيقولاوس من أنطاكية وقد اهتدى من الوثنية إلى اليهودية ثم صار شماساً مسيحياً (1 ع 6 : 5). وبعد موت استفانوس الشهيد هرب المسيحيون من أورشليم إلى أنطاكية وبشروا بالأنجيل لليهود واليونانيين هناك (1 ع 11 : 19 - 21). وقد أرسلت الكنسية في أورشليم برنابا ليقود العمل التبشيري في أنطاكية ودعا بولس معه ليعاونه في الوعظ والتعليم (1 ع 11 : 22 - 25). وقد أرسل المسيحيون في أنطاكية عطايا وتقدمات إلى المسيحيين في أورشليم أثناء المجاعة (1 ع 11 : 29 و 30). وأرسلت كنيسة أنطاكية الرسول بولس في ثلاث رحلات تبشيرية (1 ع 13 : 1 - 3 و 15 : 40 و 18 : 23) وقد عاد إلى الكنيسة هناك بعد الرحلتين التبشيريتين الأوليين ليقدم لها تقريراً عن خدمته (1 ع 14 : 26 - 28 و 18 : 22).
وقد رأت الكنيسة في أنطاكية أن المسيحيين من الأمم غير ملزمين أن يحفظوا الشريعة الطقسية. ولذا فقد أرسلت الكنيسة في أنطاكية بولس وبرنابا إلى مجمع للقادة المسيحيين في أورشليم، وقرر المجمع أن المسيحيين الداخلين إلى المسيحية من الأمم غير مرتبطين بمطالب الشريعة الفرضية والطقسية (1 ع 15 : 1 - 29) وقد وبخ بولس في أنطاكية بطرس لرفضه أن يأكل مع المسيحيين من الأمم (غل 2 : 11 و 12) وقد جعل مبدأ التحرر من الشريعة الطقسية والفرضية، التبشير بالإنجيل ممكناً على نطاق واسع بين الأمم.
وقد ظهر في أنطاكية بعد أزمنة العهد الجديد اثنان من أعظم قادة الكنيسة المسيحية شهرة وهما: أغناطيوس أسقف أنطاكية الذي استشهد في روما، ويوحنا كرسستم ((فم الذهب)) الواعظ المسيحي الشهير الذي ذهب إلى القسطنطينية. وقد أظهرت الكشوف التي أجريت في أنطاكية خرائب كنائس كثيرة أكثرها قديمة يرجع إلى القرن الرابع الميلادي. وقد زينت بعض هذه الكنائس برسوم جميلة كانت أنطاكية قد اشتهرت بها. وقد اكتشفت بالقرب من أنطاكية كأس مسيحية فضية ترجع إلى القرن الثالث أو الرابع بعد الميلاد ولا يمكن أن نجزم، كما يدعي البعض، بأن كأساً فضية أخرى أكثر قدماً من هذه وجدت داخل هذه الكأس، وهي بذاتها الكأس التي استخدمها يسوع المسيح عندما وضع فريضة العشاء الرباني. وأنطاكية الآن بلدة قليلة الأهمية، وقد أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية تحت حكم تركيا.
(2) وكانت أيضاً مدينة في وسط آسيا الصغرى، في فريجية بالقرب من حدود بيسيدية ولذا فتدعى أحياناً أنطاكية بيسيدية (ا ع 13 : 14) أو أنطاكية التي في اتجاه بيسيدية، وقد أسس سلوقس الأول نيكاتور، الذي كان واحداً من قواد الأسكندر الأكبر، هذه المدينة في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد ودعاها أنطاكية تكريماً لأبيه أنطيوخس كما دعى أنطاكية على نهر العاصي بهذا الاسم أيضاً تكريماً لأبيه. وكانت تقع هذه المدينة على طرق تجارية مهمة وجعلها الرومانيون المركز الإداري للجزء الجنوبي من إقليم غلاطية. وقد أسكن سلوقس مؤسس المدينة جماعة من اليهود هناك.
وقد زار بولس وبرنانا أنطاكية بيسيدية في رحلتهما التبشيرية الأولى ( ا ع 13 : 14) وقد ألقى الرسول بولس عظمة في المجمع اليهودي هناك وقد ورد في ا ع 13 : 16 - 41 جزء من هذه العظة وقد قبل رسالة الخلاص بالمسيح كثيرون من اليهود والأمم، ولكن أهاج بعض اليهود المقاومين قادة المدينة ضد بولس وبرنابا فجروهما خارج المدينة (ا ع 13 : 42 - 50). وقد نزل بولس وبرنابا في أنطاكية عند عودتهما من رحلتهما التبشيرية، ونظّما الكنيسة هناك بإقامة شيوخ في آخر رسائله (2 تيم 3 : 11) ما قاساه من ألم وعذاب في أنطاكية. ويظن بعضهم أن رسالة بولس إلى الغلاطيين أرسلت إلى الكنائس الواقعة في جنوب غلاطية ومن ضمنها كنسية أنطاكية.
ولم يبقَ من أنطاكية هذه سوى خرائب بالقرب من بلدة يلفتش على المنحدر الجنوبي لسلسلة جبال تدعى سلطان دغلاري في أواسط تركيا.