اشتملت مملكة يهوذا على أرض سبط يهوذا وأكثر أرض بنيامين إلى الشمال الشرقي ودان إلى الشمال الغربي، وشمعون إلى الجنوب. وكلنت مساحتها نحو 3500 ميل مربع. وبعد تأسيس مملكة إسرائيل المتحدة افتتح داود ادوم. وكانت ميناء عميون جابر محطاً لتجارة سليمان وغيره من الملوك ومما أعان مملكة يهوذا بعد الانفصال هو أن قصبتها كانت المركز الديني لبني إسرائيل الذين حافظوا على الناموس الموسوي. ثم كانت أقل تعرضاً للهجمات الخارجية وكان أهلها معتادين على الحرب. غير أن السامرة ازدهرت بعدئذ، وربما صارت هياكل البعل وعشتاروت فيها أكثر رونقاً من هيكل أورشليم. ومما ساعد المملكة الشمالية على الازدهار كثرة أهاليها وخصب أراضيها.
وتسلسل جميع ملوك يهوذا التسعة عشر من عائلة داود، إلا عثليا ابنة عمري ملك المملكة الشمالية. غير أن الملك لم يكن دائماً لبكر الملك. ودامت مملكة يهوذا 135 سنة بعد انهيار مملكة بني إسرائيل وبعد السبي عاد جمع غفير. وقد سمي الذين عادوا من السبي يهوذا، ولم يزالوا معروفين بهذا الاسم إلى أيامنا هذه. ودامت هذه المملكة من صنة 975- 586 م. أي 389 سنة. واستمرت الحرب بين المملكتين مدة الملوك الثلاثة الأول. ثم انتصر ابيا انتصاراً باهراً على يربعام الأول ( 1 مل 15: 7 و 2 أخبار 13: 13- 20 ). وبعد ردح من الزمن عقد صلح بين المملكتين المتنازعتين وتحالف آخاب ملك المملكة الشمالية مع يهوشافاط ملك يهوذا ( 1 مل ص 22 و 2 أخبار ص 18 ). فتزوج يهورام بن يهوشافاط بعثليا بنت عمري ملك المملكة الشمالية ( 2 مل 8: 26 ). وبعد موت اخزيا حاولت عثليا أن تتبوأ عرش المملكة، فأبادت كل النسل الملكي إلا يوآش الذي انقذته عمته يهوشبع وأخفته إلى أن فتن الشعب على عثليا، فقتلوها، ثم ملك يوآش موضعها ( 2 مل 11 و 1- 2 ). وكانت مصر وسعير عدوين ألدين ليهوذا من الجنوب، وعمون وموآب وآشور وبابل من الشرق. ففي السنة الخامسة عن ملك رحبعام غزا شيشق الذي اغتصب عرش مصر في السنة 945 ق. م. فلسطين، وبحسب الأخبار التي نقشها على هيكل طيبة نجح في افتتاح 156 مدينة وقرية من ضمنها المدن القائمة في سهل فلسطين. فسلب رحبعام ذهب الهيكل وفضته ليؤدي الجزية لهذا الفاتح الغريب ( 2 أخبار 12: 2- 12 ). وعندما غزا جيش زارح الكوشي العرمرم يهوذا، هزمه آسا في معركة مريشة ( 2 أخبار 14: 9- 13 ).
وفي أيام يوشا غزا فرعون نحو فلسطين وهزم يوشيا وقتله في مجدو، الحصن الكنعاني القديم ( 2 أخبار 2: 22- 24 ). وعزل نخو يهوآحاز ابنه وملك الياقيم أو يهوياقيم موضعه ( 2 أخبار 36: 1- 4 ). وكان يؤدي الجزية لمصر. وي أثناء ملك يهوياقيم نطق ارميا النبي بمعظم مواعظه. وبخطبه الصريحة انتقد جهالة الملك والشعب وجرائمهم وحاول أن يخلصهم من المثيبة التي رآها وشيكة الوقوع. ولكنه لم يفلح. وبينما كان الكلدانيون يغزون يهوذا مات يهوياقيم وخلفه ابنه الشاب يهوياكين. وفي مدة ملك يهوشافاط زحف عمون وموآب وسعير على اليهودية ( 2 أخبار 28: 20 ). وفي ملك حزقيا انهزم جيش سنحاريب وقتل منه 185000 مقاتل ( 2 أخبار 32: 20 و 21 و 2 مل 19: 35 ). وبعد ذلك أخذ رؤساء أشور الملك منسى إلى بابل مقيداً بسلاسل نحاس، غير أنه عندما أحاق به الضيق واستغاث بالرب، رده الرب إلى مملكته ( 2 أخبار 11- 13 ).
وفي السنة 597 ق . م. سقطت أورشليم أمام جيش نبوخذناصر فسبى نبوخذ ناصر حوالي 40 ألف من اليهود إلى بابل. وكان غرضه من ذلك أن يخلي البلاد من قوادها وكل الذين بإمكانهم أن يضرمو.
نار حرب ثانية. والذين بقوا من يهوذا ملك عليهم صدقيا أحد أبناء يوشيا. وكان الملك الجديد مائلاً للإصغاء إلى صوت ارميا، وللقضاء لخير رعاياه، ولكنه كان عاجزاً بين أيدي شرفائه العنيدين. وخضع يهوذا نحو عشر سنين لسلطة نبوخذ نصر.
وفي السنة 588 ق.م عصى صدقيا الكلدانيين، فأقام نبوخذ نصر معسكره الرئيسي في ربلة على العاصي ومن هذا المركز الاستراتيجي وجه نبوخذ نصر ضربته إلى الولايات العاصية فسلم له معظمها في الحال، ولكن أورشليم ثبتت أمام حصار طويل، ولكنها سقطت في يد نبوخذ نصر بعدئذ، وغلب الجيش المصري الذي جاء لانقاذها على حدود فلسطين. وسلبت أمتعة المدينة والهيكل، وهدمت الاسوار، وصارت قصة يهوذا خراباً يباباً، ونفي نحو خمسة آلاف من أعيانها مع صدقيا إلى بابل (2 اخبار 36: 19 - 21). ولم يشأ نبوخذ نصر أن يترك أرض يهوذا خربة كل الخراب فعين جدلياً والياً على اليهود الباقين في أورشليم، فاختار الوالي الجديد مقراً لحكومته المصفاة، وتدعى الآن قرية النبي صموئيل، على أربعة أميال ونصف شمالي غربي أورشليم. ولولا اغتيال جدليا خيانة لعاد الشعب إلى يهوذا وتغير مصير هذه المملكة.
2 - يهوذا أبو بعض اللاويين الذين كانوا يناظرون على شغل الهيكل (عز 3: 9).
3 - لاوي تزوج بامرأة غريبة، فحثه عزرا على تركها (عز 10: 23).
4 - لاوي صعد من بابل إلى أورشليم مع زربابل (نح 12: 8).
5 - كاهن من الذين ساروا بآلات الغناء عند تدشين الهيكل في أيام نحميا (نح 12: 36).
6 - بنياميني عاد إلى أورشليم (نح 11: 9).
7 - يهوذا الاردن (يش 19: 34). مدينة في نفتالي لا يعلم سبب تسميتها بهذا الاسم. وربما هي سيد يهوذا بقرب بانياس.
8 - يهوذا المكابي محرر اليهود من نير السريان انظر ((مكابيون)). (1 مك 2: 1 - 5).
9 - رئيس اشترك مع يوناثان في معركة حاصور (1 مك 11: 70).
10 - ابن سمعان المكابي (142 - 134 ق.م.) قاد جيشاً مع أخيه يوحنا (1 مك 16: 2).
11 - قائد يهودي من أورشليم وربما كان نفس يهوذا المكابي انظر 8 آنفاً. (2 مك 1: 10).
12 - يهوذا الاسخريوطي بن سمعان الاسخريوطي (يو 6: 71). والتلميذ الذي خان سيده. لقب بالاسخريوطي تمييزاً له عن (( يهوذا الآخر)). وقد يشتق لقبه من ايش كريوت أي رجل قريوت. ولربما كانت خربة القريتين على سفح القسم الجنوبي الغربي من جبال اليهودية. والاسخريوطي هو التلميذ الوحيد بين التلاميذ الذي لم يكن جليلياً. ولا نعرف عن حياته الباكرة أكثر مما نعرف عن بقية الرسل. والبشائر لا تروي لنا شيئاً عن دعوته. وقد أصبح اسمه تعبيراً للخيانة. وهو يذكر في ذيل قائمة الرسل مقترناً بهذا اللقب الذميم. وحرص كتاب البشائر على تمييزه عن يهوذا الآخر، باسم ((الذي سلمه)) (مر 3: 19 ولو 6: 16)، او ((يهوذا سمعان))، (يو 13: 2) أما يهوذا الآخر فيسمى ((يهوذا ليس الاسخريوطي)) (يو 14: 22). وقد لبى نداء المسيح، فقد تبعه اسوة بالآخرين، واستمر معه شائراً بعدما تركه الآخرون ولم يعودوا يتبعونه.
وخصه يسوع ليكون ((أميناً للصندوق)) ولكن بدلاً من أن يجعله انتخاب يسوع له لهذا العمل، يتغلب على الطمع والانانية فيه، فقد نبه انانيته وطمعه وصار سارقاً يبتز ما بقي في الصندوق الذي عهد به إليه (يو 12: 6 و 13: 29). وانتقاده لمريم عندما دهنت قدمي يسوع بالطيب في بيت عنيا (يو 12: 1 - 8). كان دليلاً قاطعاً على مصانعته وريائه.
غير أن طمع يهوذا، وإن كان الباعث الأقوى لخيانته، لكنه لم يكن الحافز الوحيد. لو كان الأمر كذلك، لما اكتفى يهوذا بثلاثين من الفضة وهو مبلغ زهيد، وثمن عبد في تلكم الأيام، بل لانتهز الفرصة المناسبة لغنم أضخم، ولكان أجدى له أن يبقى أميناً للصندوق، يختلس منه ما تيسر. والحقيقة إن شهوات أخرى كانت تتأجج منه نيرانها في صدره، فقد ظن القوم أن يسوع جاء ليقيم داعائم ملك سياسي، ارضي، فطمع، كما طمع أمله، وطاش سهمه وأحس نفسه في مرتبة وضيعة ولم يبلغ حتى مكانة الثلاثة المفضلين من زملائه. فتملىء نفسه غيرة وهو يرى بطرس ويعقوب ويوحنا الجليلين يفضلون عليه ويؤخذون قبله في بيت يايروس، وعلى جبل التجلي. ومع مرور الزمن يرى أن ملكوت المسيح الذي عقد عليه الآمال الكبار أصبح أمراً مشكوكاً فيه، وغلا لماذا اضاع يسوع الفرصة التي كان يمكنه فيها أن يظهر زعيماً عظيماً وملكاً قديراً (يو 6: 15). فيعرض عنه وينفر منه، وتستحيل النفرة إلى عداء. ولكن حب المال والظهور والسيطرة لا يعلل خيانة يهوذا تعليلاً كافياً مقنعاً. وليس من شك بأن حب المال والسلطان كانا عاملين قويين من العوامل التي حدت بيهوذا للسير في طريق خاطىء، رفض يسوع بشم وغباء، أن يسلك فيه (مت 4: 1 الخ). ولهذا فقد اتفق البشيرون على تعليل واحد لمسلك يهوذا البشع: ((دخله الشيطان))، (لو 22: 3 و يو 13: 27). ويؤيد هذا ما قاله يسوع ((واحد منكم شيطان)) (يو 6: 70 و 71). إننا نرى من قصة يهوذا أن الله لا يكره أحداً على قبول الخلاص، وإن من يقاوم يسوع يصبح فريسة في قبضة الشيطان. وليست هناك إمكانية ثالثة أو منطقة محايدة، والانتحار هو السبيل الوحيد لمن فقد إيمانه، واخذ اليأس بتلابيبه. وعندما بانت ليهوذا فعلته الشنعاء مضى وخنق نفسه (مت 27: 5). لقد عرف أنه ضل الطريق، ولكنه لم يجد طريق التوبة (مت 27: 3). ولسنا نجد وصفاً لنهاية يهوذا أصدق من القول الذي جاء في اع 1: 20 و 25. فقد حزنه كان إلهياً خلص به، لأنه قاده إلى توبة حقيقية. وأما حزن يهوذا فكان دنيوياً، كان مجرد أسف لم يصحبه أي شعور بالندامة، ولهذا هوى به إلى أسفل الدركات. ويتفق ما جاء في مت 27: 5 بأن الدينونة التي نزلت بيهوذا كانت ثمناً للَّوثة الكريهة. والحقل الذي اشترى بمال دم يظل تذكاراً يكر العالم بخيانة يهوذا لقرون عديدة.
وقد أرشد الأعداء إلى المكان الذي لعبته قبلة يهوذا النادرة، وكانت التحية المألوفة التي كان يستقبل بها التلميذ سيده عندما يعود إليه.
لقد اتسع صدر يسوع حتى النهاية لهذا التلميذ البائس عله يرعوي عن غيه. وعندما صرح للتلاميذ في العشاء الأخير: ((أن واحد منكم سيسلمني)) أشار إليه إشارة خفية لم تسترع انتباه أحد، لأنه لم يشأ أن يفضح نواياه الخبيثة أمام الآخرين. ولكن يهوذا أدرك أن يسوع يقصده (يو 13: 27-29). وبدل أن يرجع إلى رشده، ازداد غلة وغيظاً. حتى عندما ناوله ((اللقمة)) لم يشعر بالأمر إلا يوحنا الذي، بناء على رغبة بطرس، همس في إذن يسوع قائلاً: ((يا سيد من هو؟)) ولم يسمع التلاميذ الآخرون شيئاً.
إننا نوجز القول بأن خيانة يهوذا مما زالت، على كثرة ما تعرضت له من تحليل ونقد ونقاش، سراً غامضاً. ولقد اجتهد الباحثون والشارحون في شرح البواعث الخفية المحتملة التي تمخض عنها عمل يهوذا القبيح، فذهب بعضهم إلى تخفيف الجريمة والتماس ببعض العذر له، فقالوا بذلك حق النبوات الإلهية، وبالأخص النبوة الواردة في اش ص 53 والمتعلقة ببرنامج الفداء (مت 26: 54). ومع ذلك كان يهوذا مسؤولاً عن خطيئته حسب قول يسوع ((ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد)) (مت 26: 24). كما ذهب آخرون إلى تهويل عمله. على أن جميع المحاولات حتى الآن لم تكن إلا من باب الحدس والتخمين، ولم تقدم لنا صورة كاملة عن شخصية هذا الرجل الغامضة.
13- يهوذا أحد ((أخوة الرب)) (مت 13: 55 و مر 6: 3). وكان أقل شهرة من يعقوب في أورشليم. ويظن أن كاتب رسالة يهوذا.
14- يهوذا الجليلي الذي أزاغ وراء جمعاً غفيراً في أيام الاكتتاب (اع 5: 37)، سنة 6 م. ونجح إلى مدة في عصيانه فانهزم فهلك. ويذكر يوسيفوس عن رجل ولد في مدينة حملة في جولان، أسس حزباً كحزب الفريسيين، إنما امتاز عن ذلك الحزب بطلب الحرية وعدم الطاعة للرومان.
15- رجل عاش في دمشق المسمى بالمستقيم، أقام عنده بولس عقب اهتدائه (اع 9: 11).
16- يهوذا الملقب برسابا وكان شخصية معروفة في كنيسة أورشليم، ونبيا انتخب مع بولس وسيلا وبرنابا ليحملوا حكم مجمع أورشليم إلى إنطاكية في سورية وكيليكية (اع 15: 22 و 27 و 32). ويظن أن يوسف التلميذ الملقب بارسابا الذي قدم مع متياس لانتخاب بديل ليهوذا منهما للرسولية (اع 1: 23).
17- يهوذا أخو يعقوب أو ابنه وأحد الاثني عشر (لو 6: 16). ويدعى أيضاً لباوس وتداوس (مت 10: 3)، وتداوس (مر 3: 18)، ويهوذا ليس الاسخريوطي (يو 4: 22).