اكبر انهار مصر وافريقيا، ومن اكبر انهار العالم، كما انه اشهر انهار العالم قاطبةفي التاريخ على مر الاجيال. وهو ينبع من عدة مصادر، من بحيرة فكتوريا نيانزا في افريقيا الوسطى (وهي ترتفع حوالي اربعة آلاف قدم عن سطح البحر وتقع على خط العرض درجة 3) وتجري مياه البحيرة باسم النيل الابيض حتى الخرطوم (عاصمة السودان) حيث تتحد مع النيل الازرق الذي ينبع من بلاد الحبشة. والنيل المشهور في التاريخ الذي يتألف من اتحاد النيلين الازرق والابيض، ويبلغ طوله من هناك الى مصبه في دمياط ورشيد الفا وستمئة وخمسين ميلاً، ولا يستقبل بعد الخرطوم الا رافداً واحداً وهو نهلا عطبرة من جهة الشرق بعد الخرطوم بمئة واربعين ميلاً، وترتفع التلال على جانبي النيل عدة مئات من الاقدام عن مجرى المياه ولكن هذا الارتفاع يتناقص عند القاهرة ويكاد يزول في الدلتا.
ويبدأ النيل دخوله في الارض النوبية ذات الحجارة الرملية بملتويات تتخللها ستة شلالات كبيرة واشهرها شلال اسوان حيث اتخذت الترتيبات لاستغلال مياه النهر في امور كثيرة وخاصة الري وتوليد الكهرباء. وأسوان مدينة قديمة، وكانت الحد الفاصل لمصر في الجنوب في عهود كثيرة. وهي منطقة صخرية من الحجر الجرانيت الذي كان القدماء في مصر وسورية يصنعون منه تماثيل آلهتهم وملوكهم واعمدة قصورهم وهياكلهم. وقدْ كونت هذه المنطقة الصخرية من نفسها سداً طبيعياً صالحاً لخزن مياه النيل.
ويحافظ النيل على وحدته الى ما بعد القاهرة بقليل، حيث ينقسم الى عدة فروع، اثنان منها رئيسيان، فرع يجري نحو دمياط، والآخر نحو رشيد. وكانت الفروع في الماضي سبعة، اشهرها الفرع الشرقي، المعروف بالبليوسي، والفرع الغربي المعروف بالكانوبي، والفرع الاوسط المعروف بالسبنيتي. وارض الدلتا نفسها مدينة بوجودها للنيل. فقد تكونت على مر العصور من الطين الخصب الذي يحمله النهر معه في مجراه الطويل. وحجمها يزداد بطبيعة الحال سنة بعد اخرى. واسم الدلتا نفسه راجع الى شكلها، ويبلغ الطين الخصب الذي يحمله النهر من الكثرة انه احياناً يجري مع النيل الى حيث يصب في البحر المتوسط الى السواحل المجاورة.
والنيل محور مياه مصر والمصدر الرئيسي الاول لمياه الري فيها. ولذلك قال هيرودوتس ابو التاريخ: ان مصر هبة النيل اذ ان المطر في مصر قليل والقسم الاكبر من اراضيها صحراء ولا مصادر اخرى للماء. ويعتمد المزارعون على مياه النيل كلية - اما بفيضانه او بحفر الترع على جانبيه. ويبدأ الفيضان عادة في شهر حزيران (يونيو) ويأخذ في الازدياد الى تشرين الاول (اكتوبر) حتى يتراجع وينخفض. ويزداد ارتفاع مياه النيل فيخشى على الاراضي المعتمدة على جانبيه من الفيضان كما انه ينخفض احياناً اكثر من المنتظر فيعرض مصر لخطر المجاعة والقحط.
ولذلك كان النيل هو مصدر متاعب مصر الوراعية مثلما كان مصدر رخائها. ويتوقف ارتفاع مياهه وانخفاضها على درجة الامطار المنهمرة في اعالي السودان والحبشة التي تغذي النيل مباشرة او تغذي ينابيعه.
واسم النيل في اللغة المصرية هو حع - بي، وكثيراً ما يشاهد الاله حع - بي في الآثار المصرية مصوراً في صورتين: صورة الاله على جانب، وصورته الاخرى على الجانب الآخر بين الرسمين حبل يربطهما معاً اشارة الى ان النيل هو الذي يربط مصر معاً.
وقد كرّم المصريون الاقدمون النيل اعترافاً بقيمته لنه هو الذي انقذ بلادهم من ان تكون تتمة الصحراء الكبرى. وجعلوه الهًا. وصوّره الاغريق كرجل كبير مضطجع وحوله ستة عشر ولداً. وكانوا يقدمون له الذبائح في المناسبات والاعياد الخاصة به. وكانوا يقدمون له في يوم وفائه (أي في الاحتفال بفيضانه الذبائح لعله يرضى فلا يؤذيهم. والكثير من تراث مصر القديمة اساطير وعادات متعلق بحياة النيل ومتأثر به ومنها عادات واساطير تأثر بها العبرانين اثناء وجودهم في مصر ثم بعد خروجهم.
وذكر النيل في العهد القديم كثيراً. الا انه لم يذكر في العهد الجديد. وورد تحت اسماء مختلفة. فهو نهر النيل في اش 19: 7 و 23: 3 و ار 46: 7 و 8 و عا 8: 8 و 9: 5، واما الفرع الشرقي من النيل فهو شيحور أي ((بحيرة حورس)) في يش 13: 3 و 1 اخبار 13: 5 و ار 2: 18، واكتفى احياناً بتسميته بالنهر فقط (ار 2: 18 و تك 41: 1 و خز 1: 22 و 2: 3 و 5 و 7: 20 و 21) او مياه مصر (مز 105: 29 و ار 446: 7و 8). وذكر الكتاب عن المجاعة التي حصلت ايام يوسف مدة سبع سنين بسبب قحط الارض ولابد ان ذلك كان بسبب عدم فيضان النيل (تك 41: 54) كما وصف طريقة فتح الاخاديد على جنبات النيل لدى المزارع بمياهه (تث 11: 10). وكانت ضربتان من مجموع الضربات العشر التي انزلها الله بالمصريين قبيل خروج بني اسرائيل من يلادهم على النيل: ضربة تحويل مياهه الى دماء، وضربة ملئه بالضفادع، وكلاهما تظهران قيمة النيل لمصر (خر 7: 15-25 و 8: 3-7). وتنبأ اشعيا بزوال الحياة في مصر وانقطاع نبات البابايروس (أي البردي) الذي كان رمز الحياة، والذي كان الورق للكتابة يؤخذ منه (19: 7).