وهي عاصمة مقاطعة اخائية في بلاد اليونان وكانت من المدن المشهورة، تقع على بعد 40 ميلاً غربي أثينا في برزخ من الأرض عرضه 10 أميال وكان لها اسكلتان: كنخريا على بعد 9 أميال إلى الشرق وليخوم على بعد ميلين إلى الغرب. وكان محيط المدينة خمسة أميال ويوجد إلى جنوبها مرتفع شاهق علوه 2000 قدم سمي أكمة كورنثوس. وكان على قمة هذه الأكمة هيكل لأفروديتي إلهة الحب. وكانت لكورنثوس تجارة متسعة حتى أصبحت مركزاً للغنى والترفه والعلم وحسبت زينة بلاد اليونان. ولكنها ويا للأسف، اشتهرت أيضاً بالخلاعة حتى أصبحت مضرباً للمثل في ذلك وصار إذا قالوا: (( عاش فلان في كورنثوس )) فإنما كانوا يعنون بذلك أنه خالع العذار فاجر، وإذا قالوا (( إمرأة كورنثية )) فإنهم كانوا يقصدون بذلك أنها سيئة الأدب والسيرة.
بشر بولس في كورنثوس ( اع 18 ) وذلك حوالي سنة 53 م. وزارها ثانية سنة 54- 57م. ولم تُذكر هذه الزيارة في سفر أعمال الرسل إلا أنها تُستنتج من ( 1 كور 16: 6 و 7 و 2 كو 12: 14 و 13: 1 ). وربما كانت الزيارة الثالثة قد جرت أثناء بقائه ثلاث أشهر في هلاس ( أي بلاد اليونان، اع 20: 2 و 3 ) في شتاء سنة 57- 58 م. وهناك كتب الرسالة إلى أهل رومية ( رو 16: 1 والخاتمة ) ويشغل الآن موضع هذه المدينة الشهيرة قرية باليو كورنثوس المتواضعة. وقد كشف التنقيب في كورنثوس عن المكان الذي كان يجلس فيه غالبون الحاكم الروماني للقضاء في زمن بولس الرسول ( اع 18: 12 ) وكذلك سوق اللحم أو الملحمة ( 1 كو 10: 25 ) ونقش في المجمع الذي نادى فيه بولس برسالة المسيح، ونقش لاراستس خازن المدينة وربما كان هو نفس الشخص المذكور في رومية 16: 23.
كتب بولشس الرسول الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس في أواخر الثلاث سنين التي سكن فيها افسس ويظهر أن تاريخ كتابتها كان ربيع سنة 57م. ( 1 كو 16: 8 و 9 و 19 واع 19 ) وحملها إليهم على ما ذكر في حاشية بعض النساخ استفاناس وفرتاناتوس واخائكوس وتيموثاوس. أما الداعي لكتابتها فكان الخبر المحزن الذي اتصل ببولس عن الانشقاق بين عناصر الكنيسة اليهودية والأممية والذي انحاز فيه بعض الأعضاء إلى بولس والبعض إلى بطرس وغيرهم إلى ابولس وآخرون، حسب كلامهم، إلى المسيح ( ص 1: 12 ). ومن أسباب ذلك الانقسام أن تلك الكنيسة تأسست بتبشير بولس مدة إقامته فيها ( اع 18 ) ثم اتاها ابولس ( اع 19: 1 ) فانحاز إليه البعض لسبب فصاحته. ثم آتى من أورشليم بعض الذين أرادوا أن يجعلوا كل المسيحيين فئة من اليهود وهؤلاء زعموا أن بولس لا حق له في إدخال تعاليم الحرية إلى الكنيسة منكرين عليه سلطته الرسولية وزاعمين أنه مغاير في تعاليمه لبطرس الرسول ( ص 1- 4 ).
فبعد إصلاح هذه الأمور الخاطئة تابع بولس كتابته عن الزيجة ( ص 5- 7 ) ثم عن اللحم المذبوح للأوثان ( ص 8 و 9 ) والعشاء الرباني ( ص 10 ) وما يليق في عبادة الله ( ص 11 ) ومواهب الروح القدس ( ص 12- 14 ) والقيامة ( ص 15 ) والجمع لأجل القديسين، وأمور مختلفة ( ص 16 ).
أما الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس فقد كتبها بولس من مقدونية ( ص 7: 5 و 8: 1 و 9: 2 ) في سنة 57 م، بعد أشهر قليلة من كتابته رسالته الأولى. والسبب في كتابتها هو ما سمعه بولس من تيطس وربما من تيموثاوس أيضاً عن تأثير رسالته الأولى. فمع أن نتيجة تلك الرسالة كانت جيدة عند أكثر أعضاء كنيسة كورنثوس فإن البعض كانوا ما يزالون ينكرون سلطة بولس الرسولية مما اضطره إلى المحاماة عن ذلك في صدر الرسالة ( ص 1- 7 ). وبعد أن حث الأعضاء على السخاء لأجل فقراء كنيسة أورشليم ( ص 8 و 9 ) عاد فحامى مرة ثانية عن رسوليته ( ص 10- 13 ).
وظن البعض من قراءتهم 1 كو 5: 9 و 11 أن بولس كتب لأهل كورنثوس رسالة أخرى قبل رسالته الأولى القانونية إلا أن تلك الرسالة لم تحفظ. أما نفس الرسالتين إلى أهل كورنثوس فإنه يحث خاصته على خلوص المحبة وضد سوء تصرف أعضاء تلك الكنيسة الذي أوجب توبيخهم الشديد.