تتضمن القيامة بحسب تعليم الكتاب المقدس قيامة الأجساد وتغيير هذه الأجساد وبقاءها إلى الأبد. فيختلف هذا التعليم إذن عن عقيدة المصريين القدماء التي تقول بأن ال (( باء )) أو الشخصية الهيولية للإنسان الميت كانت تقوم بزيارة جسمه المحنّط من وقت إلى آخر. ويختلف أيضاً هذا التعليم عن الرأي الذي قال به الفيلسوف اليوناني افلاطون أن النفس هي الخالدة فحسب. ويختلف أيضاً عن القيامة والعودة إلى الأرضية المألوفة كما حدث في قيامة ابن أرملة نايين ( لو 7: 11-17 ). وكما حدث أيضاً في قيامة لعازر ( يو 11: 1-44 ). ويمكن أن ندرس موضوع القيامة بحسب ما يأتي:
أولاً: القيامة في العهد القديم: يظهر من الإيمان بالإثابة والجزاء الوارد في أيوب 19: 25-27 بأن القيامة مفهومة ضمناً. وكذلك تذكر القيامة ضمناً في المواضع التي يعبّر فيها عن رجاء الحياة الآتية مع الله وفي حضرته في المزامير ( مثلاً 16: 9-11 و 17: 15 و 49: 15 و 73: 24 ) ويحدثنا اشعياء 26: 19 عن قيامة المؤمنين، وكذلك يعلم دانيال 12: 2 عن قيامة البعض للحياة الأبدية وقيامة آخرين للعار والإزدراء الأبدي ويصف حزقيال في إصحاح 37 نوعاً من القيامة يرمز إلى نهوض شعب الله.
ثانياً: القيامة في العهد الجديد:
أ. قيامة المسيح: اخبر المسيح بقيامته من بين الأموات مرّات عديدة قبل صلبه وموته ودفنه ( مت 12: 38-40 و 16: 21 و 17: 9 و 23 و 20: 19 و 27: 63 ومر 8: 31 و 9: 9 و 31 و 10: 34 و 14: 58 ولو 9: 22 و 18: 33 ويو 2: 19 و 21 ). لكن لم يدرك التلاميذ هذه الأقوال تماماً إلاّ بعد قيامة المسيح من بين الأموات. وأصبحت قيامة المسيح إحدى الدعائم الأساسية القويمة التي بنيت عليها مناداة الرسل فكان محور تبشيرهم أن المسيح قد قام من بين الأموات ( اع 2: 32 و 1 كو 15: 4 ). وتقدّم الأناجيل وسفر أعمال الرسل ورسائل العهد الجديد براهين وحججاً للقيامة لا يمكن أن يتطرق إليها الشك وهي:
1. القبر الفارغ: تحقق لنا الأناجيل الأربعة بأن القبر الذي وضع فيه جسد يسوع بعد الصلب وُجد في فجر أحد القيامة فارغاً خالياً خاوياً ( مت 28: 6 ومر 16: 6 ولو 24: 6 ويوحنا 20: 1 و 2 ). وإن لفائف الكتّان والأربطة التي لفّ بها جسد يسوع وربطت حول رأسه وجدت موضوعة بكيفية جعلت يوحنا يوقن بأن جسد المخلص خرج من هذه اللفائف والأربطة بطريقة معجزية من دون أن تُحَلّ اللفائف أو تفك الربط ( يو 20: 5-8 ). وقد أوضح الملاك حقيقة القبر الفارغ بالقول (( إنه قد قام )) ( مت 28: 6 ). وقد حاول بعض قادة اليهود ورؤسائهم أن يفسروا حقيقة القبر الفارغ بأن ادّعوا أن تلاميذه سرقوا الجسد ( مت 28: 12-15 ).
ولكن يظهر بطلان هذه الأكذوبة في أن تلاميذ يسوع نادوا بالقيامة محققين إياها بالرغم عما جلبت عليهم هذه المناداة من السجن والموت. وقد حقق بطرس القيامة بشجاعة وقوة في أورشليم ( اع 2: 32 ) حيث كان القبر الذي وضع فيه جسد يسوع قريباً وكان في استطاعة أي إنسان أن يراه فارغاً.
2. ظهور المسيح بعد القيامة: ظهر المسيح بعد القيامة لشهود كثيرين في أماكن عديدة متفرقة يبعد أحدها عن الآخر مسافات شاسعة، وقد ظهر أيضاً في ظروف ومناسبات متعددة ومتباينة:
أ. فقد ظهر لمريم المجدلية ( مر 16: 9 ).
ب. ولبعض النساء التلميذات ( مت 28: 9 ).
ج. ولبطرس ( 1 كو 15: 5 ).
د. وللتلميذين الذين كانا ذاهبين إلى عمواس ( لو 24: 15-31 ).
ه. وللرسل العشرة وفي هذه المرة لمسوا يسوع وجسوه، واكل أمامهم فأثبت لهم أنهم لا يرون رؤيا بل يرون حقاً المسيح المقام ( لو 24: 36-43 ).
و. وظهر للإحدى عشر رسولاً وتوما معهم ولم يكن توما موجوداً في المرة السابقة التي ظهر فيها المسيح للرسل ولذلك شك ولم يؤمن إلا لما ظهر لهم يسوع وتوما معهم ( يو 20: 21-28 ).
ز. ظهر لسبعة من التلاميذ الذين كانوا يصطادون في بحر الجليل ( يو 21: 1-24 ).
ح. وظهر للأحد عشر رسولاً في الجليل ( مت 28: 16 و 17 ).
ط. وظهر لخمس مئة من المؤمنين ( 1 كو 15: 6 ). وربما تم هذا الظهور في نفس الوقت الذي ظهر فيه للأحد عشر رسولاً في الجليل.
ي. ثم ظهر ليعقوب ( 1 كو 15: 7 ).
ك. وظهر للأحد عشر رسولاً فوق جبل الزيتون عند الصعود ( اع 1: 2-9 ).
ل. ثم ظهر لشاول الطرسوسي وقت أن كان عدواً للمسيحيين وكان ذاهباً إلى دمشق ليضطهدهم ( اع 9: 1-5 ). وهذه السحابة من الشهود الكثيري العدد تؤيد من غير شك، حقيقة قيامة يسوع المسيح من بين الأموات كحقيقة تاريخية ثابتة.
3. التغير الذي حدث في حياة التلاميذ: فقبل أن رأى التلاميذ يسوع المقام وقبل أن سمعوه كانوا في حالة ذريعة من اليأس والخوف ( لو 24: 17-21 ويو 20: 19 ). أما عندما رأوا المسيح المقام وعندما سمعوه، وعندما حلّ عليهم الروح القدس الذي أرسله إليهم حدث تغير عجيب معجزي في حياتهم فتحولوا من اليأس إلى الرجاء، ومن الخوف إلى الثقة والاطمئنان. وانطلقوا ينادون بالمسيح المصلوب المقام غير هيّابين ومن دون خوف أو وجل.
4. إقامة العبادة المسيحية في اليوم الأول من الأسبوع: كان يوم السبت هو العبادة عند اليهود وفقاً للوصية الرابعة ( خر 20: 8-11 ). إلا أن المسيحيين الأولين وكان كثيرين منهم من أصل يهودي، كانوا يجتمعون في اليوم الأول من الأسبوع للعبادة وكسر الخبز ( اع 20: 7 و 1 كو 16: 2 ) وما حدث هذا التغيير إلا إكراماً لقيامة المسيح التي تمت في يوم الأحد.
إن قيامة المسيح برهان قوي على أنه ابن الله ( يو 20: 28 ورو 1: 4 ). وهي التي تحقق لنا خلاصنا من الخطيئة ( 1 كو 15: 17 ) وتبريرنا ( رو 4: 25 ) وهي مصدر قوة الحياة المسيحية ( فيلبي 3: 10 ). وهي أقوى ضمان للمؤمنين به على أنهم سيقومون من بين الأموات ( 1 كو 15: 12-23 ).
ثانياً: القيامة العامة: لقد علم المسيح بوضوح بأن الموتى سيقومون. ولقد نقض حجَّة الصدوقيين الذين كانوا ينكرون القيامة، من أساسها. وأوضح لنا أنه بعد القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون وأنه لا يكون بعدها موت جسدي ( مت 22: 23-33 ومر 12: 18-27 ولو 20: 27-38 ). وكثيراً ما نرى تعليم المسيح عن القيامة العامة مرتبطاً بتعليمه عن الدينونة النهائية ( مت 11: 22 و 24 و 12: 41 و 42 و 25: 31-46 ويو 5: 28 و 29 ).
وقد علم الرسل أيضاً عن القيامة العامة التي فيها يقوم الأبرار والخطاة ( اع 24: 15 ) عند الدينونة الأخيرة ( رؤيا 20: 12 و 13 ). ويظن بعضهم أن (( القيامة الأولى )) المذكورة في رؤيا 20: 5 تشير إلى قيامة أجساد الشهداء، ويظن آخرون أن هذه العبارة تشير إلى انتقال أرواح المؤمنين إلى السماء. ويصف الكتاب المقدس جسد المؤمنين في القيامة بأنه يكون في (( عدم فناء )) وفي (( مجد )) وفي (( قوة )) ( 1 كو 15: 42 و 43 )، وبأنه سيتغير إلى شبه جسد المسيح المجيد ( فيلبي 3: 21 ). ويستخدم الرسول بولس القيامة كحافز للمؤمنين ليحفظوا أجسادهم نقيّة وليتجنبوا الخطايا الجسدية ( 1 كو 6: 13 و 14 ).