ليس توزيع بركات الله في الحياة توزيعاً خالياً من العدل أمراً مثالياً في نظره ومع هذا فلا بد من ظهور فروق بين إنسان وآخر في ما يملكه منها. فعندما دخل بنو إسرائيل أرض كنعان وزّعت الأراضي بين الجميع. والشريعة الموسوية وإن سمحت ببيع الأملاك الخاصة إلا أنها وضعت تعديلاً بهذا الصدد ينصّ على وجوب عودة الأملاك إلى وارثيها بعد خمسين سنة من بيعها (لا 25: 13 و23). ومع ذلك فالفقر لسبب ما موجود في الحياة. أما الفقر الناجم عن الكسل والجرائم الفردية فكان مبدئياً محرّماً عند العبرانيين. وكان الفقر في عرف الحكم الكهنوتي عقاباً من الله. بيد أن الله يحبهم ويعطف عليهم. فكان جميع الفقراء ولا سيما الأرامل والأيتام منهم والغرباء يلقون العناية منه ومن المؤمنين الأتقياء. وقد أحسن إليهم الناموس. فكان من حق الجائع مثلاً أن يقطف ويأكل من كرم غيره وحقله ليسدّ جوعه الوقتي (تث 23: 24 و 25). وكانت بقايا الحصاد والمواسم حصة الفقراء (لا 19: 9 و 10 و 23: 22 وتث 24: 19- 21). كما كانت لهم غلة السنة السابعة والخمسين (لا 25: 4- 7 و 11 و 12) وإن اضطر فقير عبراني إلى بيع خدماته لسيد ما لمدة معينة كان يسترد حريته سنة اليوبيل (لا 25: 39- 42). وإن احتاج إلى اقتراض شيء من المال كان قرضه المال لزاماً على الدائن حتى وإن كانت السنة السابعة قريبة الحلول حين يعفى من أداء الدين (تث 15: 7- 10). ولم يطالب الفقير من الذبائح والتقدمات إلا بما كان قليل الثمن (لا 5: 7 و 11 و 12: 8 و 14: 21 و 27: 8). ونهت الشريعة عن مضايقته (خر 22: 21- 27). ومع هذا فإنها تشدد على القضاء العدل سواء أكان لصالح غني أو لصالح فقير (خر 23: 3 ولا 19: 15). وإذا ما سلب الفقير حقه ارتفع صوت الأنبياء موبخاً (اش 1: 23 وحز 22: 7 و 29 ومل 3: 5). ومما يدل على عناية الله الفائقة بالمساكين الأتقياء الوعود المشجعة لهم في الكتاب (1 صم 2: 8 واي 34: 28 و 36: 15 ومز 9: 18 و 10: 14 و 12: 5 و 34: 6 و 35: 10)، والوعود لمن يرأف بهم (مز 41: 1 وام 14: 21 و 31 إلخ) وقد سمت محبة المسيح للفقراء (مت 19: 21 ولو 18: 22 ويو 13: 29 إلخ). ومن مميزات اهتمامه بهم تبشيرهم بالإنجيل (مت 11: 5 ولو 14: 21- 23). وكان من أقدس الواجبات في نظر الكنيسة الأولى العناية بالفقراء وبالغرباء منهم قدر المستطاع (أع 2: 45 و 4: 32 و 6: 1- 6 و 11: 27- 30 و 24: 17 و 1 كو 16: 1- 3 وغل 2: 10). أما المساكين بالروح فهم المتواضعون، فقراء أكانوا في أمور الدنيا أم أغنياء (مت 5: 3).