هو الطوفان الذي أرسله الله في أيام نوح حكم إلهياً على الناس لفسادهم (تك 6: 5 - 13). وجلبت الكارثة أسباب فرعية، وقد ذكر منها اثنان: انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وهكذا كان قسم من الماء من ماء البحر والقسم الآخر من المطر الذي سقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة (ص 7: 11 و 12). فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء خمس عشرة ذراعاً في الارتفاع تعاظمت المياه فمات كل جسد كان يدب على الأرض من الناس والطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات. وبقي نوح والذين معه في الفلك فقط (ص 7: 19 - 23). راجع (( فلك )). وبعد مئة وخمسين يوماً نقصت المياه واستقر الفلك على جبال اراط. وبعد شهرين ونصف من ذلك ظهرت رؤوس الجبال (ص 8: 3 - 5).
وبعد ثلاثة أشهر في أثنائها كان نوح قد فحص عن حالة المياه بواسطة طيور أرسلها، ثم كشف الغطاء عن الفلك في أول يوم من الشهر الأول فإذا وجه الأرض قد نشف. ثم انقضت ثمانية أسابيع حتى أمر الله نوحاً بالخروج من الفلك (ص 8: 13 - 15).
نعلم اليوم أن قصة الطوفان نقلت إلينا بالتقليد وقد بدأ بوصفها شهود عيان. ويجب أن تفهم لغتها وفق المعنى الذي أدركه واضعوه، وأذاعوه قروناً قبل أيام موسى. وأما مدى الطوفان فلا يمكن تحديده من الحديث الذي نقل إلينا. فربما شمل الطوفان المسكونة كلها وربما كان محصوراً في منطقة كبيرة. كانت غاية الطوفان إفناء الجنس البشري الفاسد (تك 6: 7 و 13 و 17 و 7: 4) ومع الإنسان كل الحيوانات المتعلق وجودها بالأرض اليابسة شملها الفناء. الفلك (ص 7: 21 - 23) وقد أمر نوح أن يأخذ إلى الفلك ذكراً وأنثى من كل من الحيوان وأن يأخذ لها طعاماً (ص 6: 20 و 21).
أن تقليد الطوفان كان مشهوراً عند الشعب الذي انحدر منه العبرانيون. ففي وطن إبراهيم القديم، في سومر وأكاد كان يذكر الطوفان كأزمة كبيرة في تاريخ الإنسانية فقد ذكر ثمانية حكام في قائمة الملوك السومرية ثم يذكر ما يأتي: (( ثم امتد الطوفان هناك )) . وعندئذ أعيدت قائمة الملوك.
لقد أظهرت الحفريات الأثرية إن الخراب الذي أحدثته الفيضانات في سومر وأكاد واقع ملموس. ومع أن هذه الاكتشافات كانت كلها قيّمة لكن ليس لدينا دليل كاف لنجعل أي فيضان منها هو طوفان التكوين.
وللسومريين والبابليين تقاليد تتباين قليلاً. فالقصة كما كانت محكية في بلاد بابل في زمن الاسكندر نقلها بيروسوس وذكرها كاملة المؤرخ الكنسي يوسابيوس Eusebius فذكر بيروسوس عشرة ملوك قبل الطوفان وآخر من في القائمة هو اكسيسوثروس بطل الطوفان الذي عاش في سيبَّار وقد أمر اكسيسوثروس ليبني مركباً أخذ فيه عائلته وأصدقاءه المقربين ومن الطيور وذوات الأربع ومؤناً. وبعد أن انقطع المطر أطلق بعض الطيور التي عادت إلى السفينة. وبعد بضعة أيام أرسلها من جديد فعادت وعلى أقدامها طين. وبعد أن أطلقها ثالثة لم تعد. ورست السفينة في أريدنيا وهكذا كشف اكسيسوثروس قسماً من جانب السفينة وتركها مع زوجه وابنته والقائد. وأقيم مذبح وقربت ذبيحة.
إن أقدم قصة للطوفان واردة في ترجمة سومرية حفظت جزئياً وكتبت غالباً في ما بين 1894 و 1595 ق.م وحسب هذه الرواية (( شمل الطوفان الأرض سبعة أيام وسبع ليال )) وكان بطل الطوفان زيوسدرا الذي التجأ إلى سفينة وقدم ذبيحة بعد ذلك وخلّدته الآلهة.
وإن أقدم رواية بابلية هي بابلية هي ملحمة جلكامش. والنص كما نعهد آت من مكتبة أشور بانيال (669 - 626 ق.م). ولكنه نسخ عن أصول أقدم من ذلك الحين.
كان جلكامش ملكاً في اوروك فسأل جلكامش اثنافيشتيم كيف بلغ الحياة وفي الحديث اللاحق يروي تاريخ الطوفان.
كانت على ضفاف الفرات مدينة تدعى شروفاك وقرر الآلهة أن يبعثوا بالطوفان فردد إله الحكمة ايا قرارهم لكوخ من قصب
(( يا كوخ اسمع واصغ يا جدار ))
يا رجل شرفاك، يا ابن ابرتوتو.
اهدم بيتك وابن سفينة
اترك ما لك وفي حياتك تأمل ..
ويبدو أن اثنافيشتيم كان نائماً عندئذ في الكوخ لما انذر في الحلم (قابل تك 6: 8 و 14 و 17). فبنى سفينة بشكل مربع ولكل من أبعاده الثلاثة مءة وعشرين ذراعاً وله ستة مساكن من أسفل إلى فوق (قابل تك 6: 15 و 16). وقسم السفينة في الخارج إلى سبعة أقسام وفي الداخل إلى تسعة أقسام وطلاها بثلاثة مكاييل من القار الخارج وبثلاثة مكاييل من الداخل (قابل تك 6: 14). وأوتي بالزيت للقوت وللسكيب (قابل ص 6: 18 - 22 و 1 - 3 و 7 - 9 و 13 - 16). وعندما دنا الوقت المعين ظهرت في السماء عاصفة كبيرة مصحوبة بمطر. فدخل اثناقيشتيم وأغلق الباب (قابل ص 7: 16 ب). وعند الفجر أقبلت سحابة سوداء من الأفق وارعد اداد فيها وفيما كانت بعض الآلهة ذاهبة رسلاً إلى الجبال والأودية أمطرت السماء (ص 7: 11) وغطى الطوفان الجبال ولم يطهر الناس فيما بعدُ في السماء (قال 7: 18 و 19) وعندئذ أخذ الآلهة الخوف.
هبت الريح ستة أيام وست ليال وعمت العاصفة الأرض ووقفت في اليوم السابع (قابل ص 7: 4 و 10 و 12 و 17 و 24 و 8: 1 الخ). قال اثنافيشتيم:
(( نظرت إلى البحر فإذا عجيجه قد سكن والبشرية كلها انقلبت طيناً ))
(قابل ص 7: 21 - 23). عندئذ فتح الطاقة (قابل ص 6: 16 و 8: 6). وتطلع من كل جهة (قابل 8: 13). وبعد 12 يوم ظهرت جزيرة وأخيراً رست السفينة على جبل نصير (قابل 8: 4 و 5). وبعد سبعة أيام أرسل أثنافيشتيم حمامة عادت غليه ثم أطلق سنونو عاد أيضاً وأخيراً أطلق غراباً.
(( فارتمى وسار في الماء ونعق ولم يرجع ))
(قابل ص 8: 7 - 12).
حينئذ أرسل اثنافيشتيم كل شيء إلى أطراف السماء الأربعة (قابل ص 8: 14 - 19). وقرَب على قمة الجبل (قابل عدد 20). ورتب أواني الذبيحة سبعة وجمع تحتها القصب وخشب الأرز والأس. ويبدو أنه استرضى الآلهة حيث يقول:
(( تتسمت الآلهة الرائحة الزكية
اجتمعت الآلهة كالذباب حول الكاهن))
(قابل ص 8: 21). وفي الآخر يبدو أن الآلهة لم ترض عن الطوفان . قالت عشتار عن انليل:
(( لأنه لم يكن حكيماً فأرسل الطوفان
وعدَ شعبي للخراب ))
وقال آيا لانليل
(( كيف، كيف استطعت دون فكر أن ترسل طوفاناً ؟
على الخاطيء فلتبق خطيئته
على فاعل الشر فليبق أثمه
احتمَل حتى لا يكون وترحم (حتى لا يهلك الإنسان) ))
(قابل ص 21 و 22 و 9: 11 - 17).
وعندئذ دخل ايّا إلى السفينة واحضر اثنافيشتيم وامرأته وباركهما (قابل ص 9: 1 - 3 و 7) ومنحهما الخلود.
أنه لجلي أن بين الرواية العبرية والرواية البابلية عناصر مشتركة كثيرة. وربما رجعا كلاهما إلى مصدر واحد. فالرواية البابلية وثنية مادية وغليظة في عدة وجوه تعكس مفهوماً للآلوهة دنيئاً وأما في قصة العهد القديم فعندنا التوحيد وإلهاً يمقت الاثم والتعدي والخطيئة فلحادثة الطوفان كما يرويها سفر التكوين مغزى أدبي روحي. ففي هذا التقليد الأول موصوف جزاء البر وامكان الاشتراك مع الله فوحي رواية العهد القديم يصبح واضحاً إذا قيست بالرواية البابلية.