أسسها سنة 753 ق.م. روميولس الذي صار أول ملك لها. وقد بناها على أكمة واحدة من الأكام السبع هناك, ومع الزمن امتدت فشغلت كل الأكام. وإذ ازداد نفوذ هذه المملكة الصغيرة الناشئة - رومية - شيئاً فشيئاً صارت فيما بعد امبراطورية. ثم استولت على حوض البحر الأبيض المتوسط كله. فكانت رومية - عاصمة الإمبراطورية الرومانية, قبلة أنظار العالم كله, وملتقى ساسة العالم وقادته. ومن رومية انتشرت العلوم والآداب والفلسفة, ولا يزال القانون الروماني يدرّس في كل أرجاء العالم إلى الآن. لكن بالرغم من كل هذا فقد كانت المدينة غارقة في أرجاس العبادة الوثنية وقبائحها واستولت عليها الخزعبلات - الأمر الذي يتضح مما ورد في الإصحاح الأول من الرسالة إلى أهل رومية.
وعندما ولد المسيح كان بالمدينة كثيرون من اليهود الذين تشتتوا فيما بعد في كل أرجاء العالم.
ولا يعلم يقيناً الوقت الذي فيه دخلتها المسيحية ولا على يد مَنْ دخلتها. لكن الأرجح أنه تمّ على يد اليهود أهل رومية الذين كانوا في أورشليم يوم الخمسين ( اع 2: 10 ) إذ امتلأوا من الروح القدس وعادوا إلى رومية بدأوا يذيعون الإنجيل فيها. وقد احتدمت المناقشات - ولا تزال - فيما إذا كان بطرس هو أول من نادى بالإنجيل في رومية. فالكنيسة البابوية تنادي بهذا الرأي, وتخالفها فيه أغلب الكنائس الأخرى.
ولأن رومية كانت أهم مدينة في العالم فقد اشتهى بولس أن يذهب إليها للمناداة فيها بالإنجيل.
لكن حالت عوائق كثيرة دون تحقيق أمنيته هذه (( إنني مراراً كثيرة قصدت أن آتي إليكم ومنعت حتى الآن )) ( رو 1: 13 ). لكن الله رتب له أن يذهب إليها لكي يحاكم أمام قيصر على أساس أن هذا كان حقاً يعطى لكل روماني. وكان بولس قد اكتسب الرعوية الرومانية بالمولد ( اع 22: 25 - 28 و 25: 11 و 12 ). وبناء على رغبته أُرسل إلى رومية فوصل إليها فعلاً وأقام فيها سنتين ( اع 28: 16 و 30 ).
وفي سنة 64 م قام الإمبراطور نيرون وأثار اضطهاداً شديداً على مسيحيي رومية, ثم قام من بعده دومتيانوس وجدد الاضطهاد سنة 81 ب.م. وخلفه تراجانوس حيث أثار عليهم اضطهاداً أشد بين سنة 97 وسنة 117.
وفي رومية استشهد كل من بطرس وبولس حوالي سنة 68 م. الأول بصلبه منكس الرأس, والثاني بقطع رأسه.
أما شهرة رومية الحديثة فلا تنحصر في عظمتها الحالية فحسب بل أيضاً فيما تذخر به من الآثار القديمة النفيسة والكنائس الكثيرة, وأهمها كنيسة القديس بطرس التي تعتبر من أفخم كنائس العالم وأكثرها اتساعاً. وبها أيضاً الفاتيكان مقر البابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية.
رسالة بولس إلى أهل رومية:
هي السفر السادس من أسفار العهد الجديد, وقد كتبها بولس سنة 58 م. من مدينة كورنثوس قبيل مغادرتها ليذهب إلى أورشليم حاملاً معه المساعدة المالية التي جمعها للقديسين والفقراء فيها ( رو 15: 25 و26 ). وأُرسلت على يد فيبي خادمه ( أو شماسة ) الكنيسة التي في كنخريا من أعمال كورنثوس ( رو 16: 1 ). ظل بولس الرسول سنوات كثيرة مشتاقاً إلى زيارة رومية ( ص 1: 10 - 12 و 15: 23 ) وإذ انتهت خدمته في الشرق قصد أن يزورها في طريقه إلى إسبانيا بعد تقديم المساعدة المالية لأهل أورشليم ( 15: 28 ). وقد أرسل هذه الرسالة إلى مسيحيي رومية حيث كان له هناك أصدقاء كثيرون إذ اعتقد أن كنيسة رومية تدخل ضمن دائرة خدمته كرسول للأمم ( انظر ص 15: 15 و16 ).
أما السبب في تقديم رسالة رومية على سائر رسائل بولس فيرجع إلى عدة أسباب:
1- إنها أكثرها بلاغة وعباراتها منطقية.
2- سمو تعاليمها.
3- كثرة إصحاحاتها.
4- عظمة المدينة التي كتبت إليها.
ويقال أن يوحنا فم الذهب كان يأمر بأن تقرأ هذه الرسالة مرتين في الأسبوع.
وأما موضوع الرسالة فيلخص في إحدى العبارات الواردة فيها (( إنجيل المسيح قوة الله للخلاص لكل من يؤمن.... لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان )) ( ص 1: 16 و 17 ). وقد اتبع الرسول في هذه الرسالة - كما في أغلب رسائله - طريقته الخاصة. وهي أن الجزء الأول تعليمي ( ص 1 - 11 ) والجزء الأخير عملي ( ص 12 - 16 ).
أولاً: ويعلمنا الجزء التعليمي عن:
طريق الخلاص ( 1 ) فأساسه مبني على التبرير لا بأعمال الأمم التي تمليها عليهم الطبيعة ( ص 1 ) ولا بأعمال اليهود التي بالناموس ( ص 2 و 3 ) لكن فقط بالإيمان بيسوع المسيح ( ص 3: 21 إلخ وص 4 ).
( 2 )ودرجات ذلك الخلاص هي: السلام مع الله ( ص 5 ) التقديس ( ص 6 و 7 ) التمجيد ( ص 8 ).
( 3 ) الأشخاص الذين يخلصون: هم الأمم واليهود ( ص 10 و 11 ) وذلك يتوقف على اختيار النعمة ( ص 9 ).
ثانياً: الجزء العملي وفيه نجد ( 1 ) تعاليم وإرشادات منوعة تفيد جميع المسيحيين ( ص 12 ) ( 2 ) إرشادات تفيدنا كأعضاء في هيئة مدنية ( ص 13 ) و( 3 ) مباديء وقوانين تفيد المسيحيين في معاملتهم بعضهم بعضاً كأعضاء في الكنيسة المسيحية ( ص 14 و 15: 1 - 14 ).
( ختام الرسالة ) وفيه نراه يعتذر لكتابته لهم ( ص 15: 14 - 16 ) ويعطيهم ملخصاً عن نفسه وعن عمله ( ع 17 - 21 ) ويعدهم بزيارتهم ( ع 22 - 29 ) ويرجوهم أن يصلوا لأجله ( ع 30 - 33 ) ويهدي سلامه لأشخاص عديدين ( ص 16: 1 - 16 )ويحذرهم من الذين يسببون الشقاقات ( ع 17 - 20 ) ويبلغ سلام أصدقائه لهم أيضاً ( ع 21 - 23 ) وأخيراً يختم الرسالة بطلب البركة الرسولية لهم وتمجيد الله ( ع 24 - 27 ).
المملكة الرومانية:
بدأ تأسيس مدينة رومية عام 753 ق.م. صارت هذه المملكة الصغيرة تزداد اتساعاً وأهمية وتستولي على ما جاورها من المدن إلى أن صارت جمهورية. وصار عامة الشعب يطالبون بامتياز إلى أن أصبح لكل روماني صوت في الحكومة. وفي مدة الجمهورية وسعت رومية حدودها حتى شملت أولاً كل إيطاليا, وأخيراً كل حوض البحر الأبيض المتوسط.
حدث احتكاك رومية بآسيا أولاً سنة 190 ق.م. حين هزم الجيش الروماني أنتيوخس الكبير ملك سورية, ثم مدت رومية نفوذها في آسيا الصغرى. وفي سنة 63 ق.م. خضعت اليهودية لرومية ولكن سمح لها بأن تعين ولاة من بنيها.
وفي سنة 31 ق.م. تولى الحكم الإمبراطور أوكتافيون ( أوكتافيوس ) وأطلق على نفسه لقب أوغسطس وهكذا بدأت الإمبراطورية الرومانية.
وفي أثناء حكم أوغسطس ولد المسيح, وفي أثناء حكم خلفه طيباريوس تمّ الصلب.
وفي أثناء حكم كلوديوس قتل يعقوب أخو يوحنا ( اع 11: 28 و 12: 1 و 2 ). وإلى نيرون رفع بولس دعواه ( اع 25: 11 ). وهو الذي قتل بولس بقطع رأسه وبطرس بصلبه. أما خراب أورشليم الذي تنبأ عنه الرب ( مت 24 ومر 13 ولو 19 و 21 ) فقد تم في سنة 70 م. على يد تيطس الذي صار فيما بعد إمبراطوراً.
وفي أيام أوغسطس كانت حدود الإمبراطورية نهر الفرات شرقاً والمحيط الأطلنطكي غرباً, والصحراء الإفريقية جنوباً, وبحر الشمال ونهري الرين والدانوب شمالاً. وفي أيام كلوديوس تمّ غزو جزء من بريطانيا. وفي أيام تراجان اتسعت الإمبراطورية إلى ما بعد نهر الفرات, وهكذا صارت الإمبراطورية تزداد اتساعاً إلى أن شملت معظم العالم المتمدن. وإذ بدأ سوس الفساد ينخر في عظام الإمبراطورية في الداخل بدأت تضعف وبالتالي بدأ سقوطها. كان آخر إمبراطور يملك على كل الإمبراطورية ثيودوسيوس ( 379 - 395 ). وعند موته انقسمت الإمبراطورية بين ابنيه ولم تعد متحدة فيما بعد.
وقد دأب الأباطرة على اضطهاد المسيحية منذ بدايتها وكان أشدهم عنفاً نيرون ودومتيانوس ودقلديانوس. لكن بالرغم من هذا الاضطهاد كانت المسيحية تزداد قوة وانتشاراً. وفي أيام قسطنطين في أوائل القرن الرابع صضارت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية.
وكانت سلطة الإمبراطورية الرومانية وسيلة لانتشار المسيحية إذ قضت على القرصنة وقطاع الطرق, ومهدت طرقاً كثيرة بين الممالك المختلفة, ووضعت قوانين للحكم نافعة لا يزال باقياً منها القانون الروماني, وازدهرت التجارة, وانتشرت اللغة اللاتينية في الغرب واللغة اليونانية في الشرق. وهكذا تيسر انتشار المعارف والتبشير. وفي أيام الرسل بشرت أكثر الولايات الرومانية.